عكا: حدائق البهجة وضريح بهاء الله مؤسس الطائفة البهائية

 

اعداد: رزق ساحوري

 

تقع حدائق البهجة على بعد كيلومترين إلى الشمال من عكا، وفيها ضريح «بهاء الله» (1817 – 1892) مؤسس ” الطائفة البهائية”، الذي سجنته السلطات العثمانية في سجن عكا المشهور. وبعد خروجه من السجن، اشترى قطعة أرض في موقع “البهجة”، حيث توفي ودفن فيها. وخلفه ابنه (عباس أفندي) الملقّب بـ”عبد البهاء” (1844-1921) الذي دفن في موقع قبّة عباس على سفح جبل الكرمل. كانت “البهجة” مكان سكن بهاء الله، المؤسّس للطائفة البهائية، خلال السنوات الـ 12 الأخيرة من حياته، وهناك، أيضًا، دُفن بعد وفاته، ومن هنا قدسيّة المكان بالنسبة إلى البهائيين في أنحاء العالم.

 

المعقل ومعبد بهاء الله
معبد بهاء الله هو المكان الأقدس في العالم لدى البهائيين ومَحَجّ البهائية. فالمؤمنون بالدين البهائيّ في جميع أنحاء العالم يولّون وجوهم وقلوبهم شطر معبد بهاء الله كلّ يوم. يُعرَف بالبهجة، أي “مكان السعادة”، حتى قبل انتقال بهاء الله للسكن فيه. يمتدّ معقل البهجة على مساحة تزيد عن 740 مترًا مربعًا. تمّ بناء الطبقة الثانية حوالي العام 1870 كقصر صيفيّ لأودي خمّار، أحد تجار عكّا الأثرياء، فوق المبنى القديم ذي الطبقة الواحدة الذي بُني قبل ذلك بعدّة سنوات؛ عام 1821. هرب أصحاب المُلك من عكّا عندما اجتاح الوباء المِنطقة، وعام 1879 تمّ إيجار المعقل، ثمّ تمّ شراؤه، ليكون مكان سكن بهاء الله. طبقته الأرضية محاطة بالأعمدة، وقد استُخدمت لاحتياجات تشغيلية وللخزن. الطبقة العلوية مبنية حول ساحة داخلية كبيرة، وفوقها كُوّة تسمح بدخول أشعّة الشمس إلى المبنى. هذه الساحة محاطة بغرف سكن مختلفة الأحجام تُطلّ على شرفة. الرسومات فوق النوافذ في الجدران الخارجية اختارها أودي خمّار، وهي تُعتبر نماذج رائعة للمزج بين الشرق والغرب في عكّا.

 

الحدائق
الهدف من الحدائق هو إيجاد طريق لائق إلى معبد بهاء الله، مركَز النطاق كلّه. جميع هذه الممرّات الشعاعية، عمليًّا، توصل إلى المركَز. تمكّن الحدائق الزائر من الاختيار بين مسارات مختلفة، يُتيح قسم منها الطواف حول معبد بهاء الله. والطريق إلى المباني التاريخية يمرّ في البداية من خلال حدائق غير رسمية، قبل الدخول إلى الحدائق الرسمية المصمَّمة، المؤدّية إلى المعبد. تمّ تصميم الحدائق وتتمّ صيانتها من خلال الاهتمام بالحفاظ على البيئة. وبالنسبة إلى استعمال الماء، فإنّ غالبية العشب الأخضر موسميّ؛ وقد تمّ تصميم شبكة الرّيّ لتُستخدم بصورة ناجعة؛ وفي القسم غير الرسميّ من الحدائق، تمّ اختيار نباتات، شجيرات، وأشجار تصمد في الجفاف.
تمزج الحدائق في البهجة بانسجام بين عناصر غربية وشرقية مختلفة. ففي أقسام معيّنة من الحدائق في الإمكان مشاهدة عناصر معيّنة من الحدائق الفارسية، من قبيل أحواض الأزهار ذات الأشكال الهندسية، في حين يُمكن أن نشاهد في أقسام أخرى عناصر أوروبية، من قبيل الأعمدة الرخامية وجِرار الزينة. كلّ شيء متمازج ومترابط مع الطبيعة المحلية، من قبيل أشجار الزيتون، الحمضيّات، والرمّان. تصل أموال صيانة المباني والحدائق من البهائيين فقط، ودخول الزوّار مجّانيّ.

 

من هو بهاء الله؟
وُلد بهاء الله في إيران عام 1817، لعائلة كريمة من النبلاء. كان أبوه وزيرًا في بلاط شاه إيران. وقد كان بهاء الله معروفًا منذ طفولته، بذكائه وسعة معرفته. كان عمره 22 عامًا عندما توفّي أبوه، ليُقترَح عليه تسلّم الوظيفة الراقية نفسها. لكنّ بهاء الله ما كان ينوي، قَطّ، أن يقضي حياته في إدارة أمور دنيوية. فقد ترك بلاط الملك ووزراءه من ورائه، وبدلاً من ذلك، بات يقضي وقته في مساعدة الأذلاء والبائسين، والمرضى والمساكين. وسرعان ما أصبح يُعرف بحامي العدل. عاش بهاء الله في إيران في القرن الـ 19. لقد علّم الناس أنّ الله إله واحد، علّم الجنس البشريّ عن طريق رسله، الذين أبانوا للبشرية رغبة الله من جيل إلى جيل. هذا وإنّ جميع الديانات تدعو إلى المبادئ الروحانية الأساسية نفسها، رغم أنّه من الممكن أن تكون مختلفة عن بعضها بعضًا برسالتها الاجتماعية الثانوية. لقد أشار بهاء الله إلى أنّ الإنسانية تدخل في جيل بلوغها المأمول، الذي ستظهر فيه قدراتها الكامنة كلّها – وَحدة الجنس البشريّ. من الواضح أنّ مثل هذه الرسالة كانت متناقضة تمامًا مع المبادئ والأفكار المنغلقة في عصره. تمّت ملاحقة الحركة الجديدة من قبل رجال الدين والحكومة، أيضًا تمّ إعدام الكثيرين من معتنقيها الأوائل بأساليب قاسية جدًّا. وبهاء الله – ورغم نسبه النبيل – عانى ذلك، أيضًا؛ حيث تمّ إلقاؤه في قبو مظلم في طهران، يُسمّى “البئر الأسود”. والسلاسل التي وُضعت حول عنقه كانت ثقيلة جدًّا، حيث لم يكن في استطاعته رفع رأسه. لقد قضى هناك 4 أشهر يعاني ضائقة صعبة. وبعد تحريره من السجن تمّ نفيه من إيران مع أسرته. وفي برد الشتاء القارص انتقلوا عن طريق الجبال الغربية لإيران متوجّهين نحو بغداد، التي كانت، حينها، مدينة تابعة إلى الإمبراطورية العثمانية. وبعد ذلك بعشر سنوات تمّ نفي بهاء الله إلى مدن أخرى في الإمبراطورية العثمانية، وفي الأخير – في سنة 1868، تمّ نفيه إلى الديار المقدّسة، مع أفراد أسرته ومجموعة صغيرة من المؤمنين بدعواه. وقد تمّ سجنهم جميعًا في قلعة السجن التابعة لعكّا. رغم أنّهم في البداية عُرفوا كمجموعة سجناء كفّار منفيّين، تمّ التعامل مع البهائيين – في آخر المطاف – كطائفة دينية لها احترامها، وخصوصًا في أعقاب الاعتراف المتزايد بعظمة بهاء الله وحكمته. وقد أخذت ظروف السجن تتحسّن تدريجيًّا، وقد أذِن لبهاء الله وأسرته بالعيش في البيت داخل أسوار مدينة عكّا، حتى إنّه سُمح لهم، لاحقًا، بترك المدينة والسكن هنا، في معقل البهجة. وقد تُوفّي بهاء الله عن 75 سنة.





استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار