الجزيرة
يعتبر الفن والإعلام وسيلتين مهمتين في التأثير. ففي ليبيا كان الفن لسان حال النظام خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وكان القذافي حريصا على تشجيع القصائد والأغاني التي تمجد الوطن الكبير والقومية العربية، وكان لفلسطين والفعل الفدائي فيها مساحة واسعة من الإنتاج الفني الليبي، ومن هنا ظهر ما يسمى الأغاني التعبوية أو الثورية.
وفي هذا الإطار جاءت أغنية “وين الملايين”، فهي وإن كانت ليبية الكلمة واللحن، فإنها أصبحت أيقونة البطولة والنضال، لفلسطين خاصة وللوطن العربي عموما. ولهذا فقد أفردت لها الجزيرة الوثائقية حلقة خاصة ضمن سلسلة “حكاية أغنية”، تحدثت فيها عن فريق العمل، وعوامل انتشارها الواسع على مستوى الوطن الكبير.
كان لمرحلة السبعينيات في ليبيا فنانوها وشعراؤها وملحنوها الذي حملوا شعلة الغناء التحريضي، وكان من أشهرهم الشاعر والفنان علي الكيلاني الذي كان يوصف بأنه قريب من النظام.
وعندما اندلعت انتفاضة الحجارة في فلسطين في ديسمبر/كانون الأول 1987 تفاعل معها الكيلاني بكل عفوية واقتدار، وكتب أغنية “وين الملايين”، فنالت من الشهرة قدرا عظيما حتى أصبحت لسان حال الانتفاضة الفلسطينية:
وين الملايين
الشعب العربي وين
الغضب العربي وين
الدم العربي وين
وقد كتب كلماتها بمنتهى الحزم والقوة والصرامة، بحيث يأخذ السامع إلى قلب الحدث بمنتهى العفوية، وهذه مقدرة شعرية امتاز بها الفنان علي الكيلاني، واختار كلمات عربية فصيحة تكون مفهومة لكل الوطن العربي عموما.
مقام حجاز كرد.. قالب أفرغت فيه ألحان الهوية العربية
قام بتلحين أغنية “وين الملايين” عمر الجعفري المقرب من الشاعر الكيلاني، على مقام حجاز كرد، وهو مقام حماسيّ متوافق مع الكلمات، وفيه مسحة من الحزن.
واستقطب لها من الساحة الفنية العربية ثلاث فنانات متميزات، يمثلن هوية المواطن العربي بشقيها الآسيوي والأفريقي، وهن جوليا بطرس من لبنان، وأمل عرفة من سوريا، وسوسن حمامي من تونس، ووزعت الأغنية إلى خمسة مقاطع؛ مقطع منفرد لكل مغنية، ومقطعان تشترك فيهما المغنيات الثلاث، وكان هذا المقطع من نصيب جوليا بطرس:
الله معانا أقوى وأكبر من بني صهيون
يقتل يشنق يدفن يقبر أرضي ما بتهون
دمّي الأحمر راوي الأخضر في طعم الليمون
نار الثورة تقوى وتسعر نحنا المنتصرين
واقع الانتفاضة.. أغنية تصل إلى أروقة الزعماء العرب
مما زاد من وقع الأغنية على الجمهور تضمين نسختها التلفزيونية المرئية مشاهد حية من واقع الانتفاضة الفلسطينية، كمشاهد إلقاء الحجارة وتشييع جثامين الشهداء، والمواقف البطولية للأطفال والشيوخ الفلسطينيين في وجه آلة القتل الصهيونية المتغطرسة.
نحنا الحق ونحنا الثورة وهم أصحاب الفيل
جيل الحق وجيل الثورة طيور الأبابيل
لازم يرميهم بحجارة حجارة من سجي
أحدثت الأغنية صدى واسعا على امتداد الوطن العربي، وشاركت في معظم المهرجانات الشعبية التي كانت تدعم الانتفاضة، بل إن بعض الزعماء العرب قد أشاد بهذه الأغنية تحديدا، ومنهم صدّام حسين وياسر عرفات ومعمر القذافي.
اللي في وسط الضلوع، أقوى من الدروع
في صدري مخزن رشاشة ونقول خوتي وين
الأغنية الوطنية.. بديل راق لمواجهة الإسفاف الفني
تردد صدى أغنية “وين الملايين” بشكل خاص في مخيمات الشتات الفلسطيني على امتداد رقعة الوطن الكبير، وكان لها الحضور الأميز في مخيمات لبنان، ففي مخيم البدّاوي مثلا كانت هذه الأغنية تتصدر الحدث في كل نشاط جماهيري للفعاليات الشبابية في المخيم.
اكتب يا زمان
الثورة إيمان
الثورة عنوان
وقد بقيت هذه الأغنية حتى يومنا هذا تمثل علامة فارقة ومؤشرا قويا على قوة الانتفاضة الفلسطينية، وعلى التصدي البطولي للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وستبقى مشعلا للصمود. والأمل معقود على الأجيال القادمة في إحياء الأغنية الوطنية بكل اقتدار، والعودة بها إلى واجهة الصدارة من جديد.
