الرمزية في قصص مجموعة “بعدَ أنْ كَبُرَ الموج” للأديبة هيام مصطفى قبلان…بقلم: الدكتور منير توما

منير توما

الرمزية في قصص مجموعة “بعدَ أنْ كَبُرَ الموج”

للأديبة هيام مصطفى قبلان

بقلم: الدكتور منير توما

كفرياسيف

إنّ أول ما يستوقفنا عند قراءة قصص كتاب “بعدَ أن كَبُرَ الموج” أنَّ الأديبة الشاعرة هيام مصطفى قبلان قد انتهجت في هذا الكتاب النهج الشعري أو ما يُعرَف باللغة الشعرية (poetic language) من خلال رؤية تشاؤمية لحياة المرأة في مجتمعٍ ما تَغْلُب عليه الروح المحافظة حيث تعاني الأنثى بشكل عام من الغُبن الاجتماعي وحرمانها من الحرية حتى ولو كانت هذه الحرية معتدلة ومحدودة الممارسة مما يعكس كره الكاتبة لمضامين مثل هذه الحياة بصورة نقدية مفهومة ايحائيًا، فهي تنظر الى مثل هذه الحياة وكأنها بمثابة حياة بدائية ساذجة للمرأة التي تصبو الى التحرّر من الكبت بكونها ضحيّة فَرَض عليها المجتمع الذكوري قيودًا حرمها من أن تكون وليدة الرفاهية والاسترخاء، بل كانت قرينة سلسلة من المحن والآلام. فقد انتجت الكاتبة في قصص الكتاب نساء مغموسات في الأسى، فكان انتاجها أقرب الى الصيحة تنطلق من قلبٍ جريح. عند قراءة قصص كتاب “بعد أن كَبُرَ الموج” نستنبط أنّ الكاتبة قد آمنت بأن الإبداع الأدبي عن معاناة الأنثى في المجتمع، محور حديثنا، يوقظ وجدان البشرية، وأن مستوى هذا الإبداع اذا ما ارتفع شكّل نظرة جديدة قوامها العدالة والرحمة والمحبة، وجعل حياتنا طيّبة خضراء حقيقية سماوية وواقعًا قدسيًا تُكرِّم فيه المرأة أو الأنثى وتُمنَح الحرية والاحترام الإنساني على أقل تقدير.

لقد ضّمّنتْ الكاتبة في هذه القصص كثيرًا من الصور الرمزية التي تشارك الألفاظ همسها وايحاءَها، لم تخْلُ من غموض في عيون بعض القرّاء الذين اختلفوا في تفسيرها.

إنّ الشخصيات النسائية التي تصورها الكاتبة تنطق بشعور الحياة وتنبض في طياتها ما يشبع نفس الكاتبة ويحقّق ما تبتغيهِ.

إنّ لغة الكاتبة الشعرية جعلتها قادرة على تحويل عباراتها النثرية الى ما يشبه القصائد التي تحمل رنين الشعر وإن لم تحمل أوزانَهُ، وتلوينها بالظلال ونبضات العواطف مما أضفى على لغة الكاتبة تألقًا وقدرة على التأثير والإيحاء.

أما إذا انتقلنا الى التطبيق الرمزي على عدد من قصص الكتاب كنماذج، فإنّه من الأجدر بنا اولًا أن نتناول بالتحليل الرمزي لعنوان الكتاب “بعد أن كَبُر الموج”، فهذا العنوان يشكِّل مفتاحًا لثيمات مضامين الكتاب الرمزية، فالموج يرمز الى المبدأ الأنثوي (the feminine principle) الذي يحتاج الى التجديد والتجدّد (regeneration).

والى الإنبعات الروحي المجتمعي بحيث يؤدي ذلك الى جريان للأحلام الأنثوية بانحسار وارتداد الكبت والقهر والقمع والحرمان مع الحفاظ على ما في اللاوعي من طهارة في خضم التغيُّر الواجب احداثه في ظروف وحياة الأنثى المتبلورة في قصص الكتاب التي تعكس لنا حتمية ووجوب انقلاب جوهري في حياة الباطل القهرية التي تتعرض له الأنثى التي تحلم بنشاط وقوة روحية متجدّدة من خلال تغيُّر جذري في الأفكار (radical change in ideas) ونبذ كل الأوهام (illusions) التي يتبناها أفراد المجتمع ذكورًا وإناثًا بأفكارهم التقليدية الرجعية البائدة.

وفي بداية حديثنا عن القصص بالتحديد، نجد في قصة “أفقد نفسي” (ص 5) مضمونًا يرمز الى الأمومة والموت (maternity and death) المتمثّل في خيانة الزوجة الجنسية، وغرورها وخيلائها (vanity) تجاه بنات زوجها، وخداعها للزوج الذي يموت في نهاية المطاف قهرًا بعد مغادرة ابنته (راحيل) بيت ابيها وزواجها ممن اختارته بعد عدم نجاحها في اقناع والدها بخيانة زوجته المرائية المفترية.

وفي قصة “اشتهيتك يا موت” (ص 30) نرى رمزية الرغبة الجنسية القوية والشهوة (lust) للرجل الذي يعتدي على الفتاة الأنثى ويستغلها جنسيًا ويفض بكارتها ملاحقًا إياها بعد محاولتها الهرب منه حيث يمثل عكاز هذا الرجل المعتدي في مشهد اللحاق بها رمزًا جنسيًا قضيبيًّا (phallic symbol).

لتحقيق اصطياد فريسته الأنثى الفتاة التي تحاول الهرب منه.

وتصادفنا مرةً أخرى حادثة خطيب احدى الفتيات المدعو (سالم) الذي تسلمه هذه الخطيبة نفسها جنسيًا ثم يتخلّى عنها بعد ان تحمل منه، فتقوم أمها بقتل الطفل المولود لإخفاء عار ابنتها المدعوّة (سماح). وفي مشهد مكان العمل أي حقول التفاح تكمن رمزية هذه الحقول التي ترمز في هذا السياق الى الموت والحرمان من الأمومة، واغتنام الذكر للفرص للوصول الى مآربهِ الشريرة ولا مبالاته بفضيحة مَن عاشرها وسبّب لها بمأساة حياتها. وفي جوهر هذه الحادثة تَدين الكاتبة رمزيًا الرجل الذي لا يلتزم بمبدأ الرعاية الروحية أو التهذيب الروحي (spiritual cultivation).

وفي قصة “بعد ان كبر الموج” (ص 58) التي يحمل الكتاب هذا العنوان، نجد أنّه جاء في نهاية نص القصة على لسان الفتاة:

“كيف باستطاعتي أن أترك قطعة مني بعد أن كبر الموج بداخلي؟ كيف باستطاعتي ان اترك قطعة مني، بعد ان بَنَت العصافير اعشاشها بين ضلوعي، لتعيش بأمان؟”

وفي كلمة العصافير في هذا السياق رمزية الى روحانية النفس في الفتاة وأفكارها المُتسِمّة في التحرّر والتمرد على الحرمان وذلك بفعل ثراء خيالها الذي يهفو الى تجاوز التقاليد البالية والقيود المتعارف عليها والسير في اتجاه الإبداع والحب المنشود في اطار الحرية التي ترمز إليهِ العصافير.

وباستمرارنا في التعامل مع الرمزية في قصص الكتاب، نأتي الى قصة “ذاكرة العسل المر” (ص 68) حيث يرمز العسل المر الى فقدان كلٍ من الأمور التالية: الهناء الأبدي (loss of eternal bliss)، الحلاوة (sweetness)، الحكمة الروحية spisitual wisdom)، الوفرة (abundance)، المبادرة (initiation)، والأنا العليا للذات (the higher ego of self).

ومعاني هذه الرموز يعكسها ويجسدها النص التالي في ختام هذه القصة:

“وبين شهقتين، يلتقط ستيفانوس بقايا حلمه.. يطفو على وجه الماء خيال، لجسد يعبق برائحة الكرز الممزوج بعسل مرّ!”

وهنا يرمز الكرز الى العذرية (virginity) وإلى الإثمار (fruitfulness) الذي لا يكتمل جانبه الإيجابي بوجود العسل المرّ الموحي بخيبة الأمل والإحباط.

وختامًا، نكتفي بهذا العدد من قصص الكتاب، ولكن لا بُدَّ لنا أخيرًا أن ننوه الى الحقيقة بأنّ الموج الوارد في عنوان الكتاب مرتبط بالبحر واقعيًا ورمزيًا حيث يرمز البحر في سياق مضمون الكتاب إلى المرأة، والى المصدر المولِّد للحياة (the generative source of life)، والى القوة الديناميكية لها (dynamic force)، والى الشوق للمغامرة (longing for adventure)، وارتباط المرأة بالرغبة الجنسية (sexual desire)، والتطهُّر (purification)، والضمير (conscience) والاستكشاف الروحي (spiritual exploration)، والموت والتجدّد، والوحدة (loneliness)، والفوضى (chaos)، والهاوية أو الجحيم (abyss)، والحرية (liberty).

وبهذا فإنّ معاني رمزية البحر هذه كلُّها تؤكِّد أنَّ الوقت قد حان ونضج للسير بالمرأة قُدُمًا لتجاوز السلبيات المجتمعية التي تحدثت عنها الكاتبة رمزيًا وايحاءً لتحقيق الآمال المرجوة في انفراج حالات وظروف المرأة الإنسانية “بعد أن كَبُر الموج” بكل تداعيات وتشعبات معاني هذا العنوان الرمزي.

فللأديبة الشاعرة الفاضلة هيام قبلان أطيب التمنيات بالصحة ودوام الابداع والعطاء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
جديد الأخبار