الفرادة الإبداعية “للقاموس الوافي للإنجيل المقدس” من وضع د. فهد أبو خضرة
بقلم: الدكتور منير توما
كفرياسيف
لقد قام الدكتور الفاضل فهد أبو خضرة بعملٍ ابداعي فريد من نوعه بوضعهِ معجمًا وافيًا للإنجيل المقدّس يتمشّى مع فن التأليف المعجمي الحديث. ونحن حين نتفحّص هذا المعجم الثري لغويًا ومعرفيًا نقدِّر ثقل العبء وخطر المهمة التي سعى الدكتور أبو خضرة لإنجازها حيث مضى في رأينا وهو يعلم أنّ هذا النوع من التأليف يتطلّب النفس الطويل الذي لا يقاس بمقياس الزمن ولا يُحسب للوقت فيه حساب. ومن خلال إبحارنا في صفات هذا المعجم أو القاموس، يتضّح لنا أنّ هذا المعجم لونٌ جديد في عالم المعجمات المسيحية، فيه تأصيل وتحقيق، وجمع واستيعاب، ورجوع الى المصادر الأولى.
يتصّف هذا القاموس بغزارة المواد، وجمالية الطباعة، وأناقة الإصدار مما يَدُّل أنّ الدكتور فهد أبو خضرة قد عُنِيَ في تأليفِهِ ووضعهِ عناية خاصة بالوضوح والدِّقة، فرُتِّبَ ترتيبًا دقيقًا، وبُوِّبَ تبويبًا سهلًا، والتزم المؤلف فيه الترتيب الحرفي، فجاء هذا القاموس متابعًا للعلم والأدب وسعة الأفق ثقافيًا وفكريًا في نصوصه المعجمية الشاملة في سيرها وتطوّرها.
ومن اللافت أنّ ما يميّز هذا المعجم دقة الترتيب ووضوح التبويت منهجيًا الى جانب لغوي عُنيَ بأن تُصّوَّر اللغة تصويرًا كاملًا يشهد بالدِّقة والأصالة والتجديد والسهولة والسلاسة.
لا يخفى على الكثيرين أنه يمكن لأي شخص قرأ الإنجيل أن يواجه صعوبات عند قراءة بعض الأجزاء المربكة في الإنجيل. ولا يُفتَرَض بذلك أن يفاجئنا، ويحب الأخذ بعين الإعتبار أنّ هذا المعجم الذي نحن بصدده يُسهم الى درجة كبيرة جدًا بوضوح كتب الإنجيل. فقد أعدَّ مؤلف هذا القاموس من اجل القرّاء الذين قد يصعب عليهم فهم بعض عبارات الإنجيل حيث يتم فيها توضيح الكلمات والعبارات التي قد لا تكون مألوفة أو عصيّة على فهم القارئ.
لقد نجح المؤلف الدكتور فهد أبو خضرة في هذا المعجم في تقديم الشروحات اللغوية للكلمات مصحوبة بنصوص من الإنجيل المقدّس تُبيَّن أساسيات الإيمان المسيحي والأفكار اللاهوتية الأساسية في الإنجيل بأسلوب متعمِّق لكنه بسيط وسهل، حتى أنّ كل مَن سيقرأ في هذا القاموس سوف يجد ضالته في الفهم الروحي، بل أنّه سوف يجد من التطبيقات العملية للحقائق اللاهوتية التي تساعده في تحويل النظريات والأفكار اللاهوتية الى قرارات وخطوات تشكِّل علاقتنا بالله والمسيح، وعلاقتنا بالإنسان عبر التفسير اللغوي المعجمي للكلمات الواردة في سياق النص الإنجيلي وأمثلة توضيحية على ذلك.
إنَّ “القاموس الوافي للانجيل المقدّس” يؤكِّد للقرّاء ما يعرفه الكثيرون من أنّ هناك تشابهًا كبيرًا في مضمون الأناجيل. وهذه حقيقة ندركها في قراءة الأناجيل متى ومرقس ولوقا التي تتشابه؛ لذلك أُطلِقَ عليها اسم “الأناجيل الإزائية” والتي تعني من “منظور مشترك”.
أمّا انجيل يوحنا فهو فريد حيث يدعى بالإنجيل الالهي. والأمر هنا مرتبط بكلمة منظور، perspective فعلى الرغم من أنَّ الأناجيل الإزائية تملك منظورًا مشتركًا إلّا أنها ليست متطابقة. لهذا السبب لدينا أربع وجهات نظر عن “حياة يسوع” تركِّز على مشاهد وأحداث مختلفة؛ والفائدة من تعدّد المنظور هي أنها تساعدنا أن نفهم بالتمام أهمية شخص السيد المسيح على الأرض والإنسانية. وبالتالي جاء هذا القاموس ليشكِّل عنصرًا مهمًا إيضاحيًا يهدف الى الاستنارة الإنسانية والفكرية والروحية.
من الجدير بالإشارة أنّ هذا القاموس اللغوي القيِّم لا ينفرد فقط بتفسير وتوضيح معاني كلمات الانجيل، بل يضيف معنًى آخر هو إمكانية تبسيط اللاهوت، ولو كان ذلك بشكل غير مباشر، فاللاهوت علم علاقة الإنسان بالله وفهمه لطرقهِ. إنّ البعض يدعو الى توصيل الأفكار اللاهوتية للإنسان البسيط وشرحها بأمثلة ووسائل إيضاح سهلة.
والبعض الآخر لا يستطيع إلّا أن يضع أفكار وشروحاته اللاهوتية المتعمقة في إطارٍ مركب لا يستطيع القارئ فهمه إن لم يكن باحثًا لاهوتيًا غارقًا في النظريات اللاهوتية وبالتالي لا يستطيع الدارس البسيط أن يفهمها ويتجاوب معها. ومن حيث أنّ الدكتور أبو خضرة لم يتوخَ في هذا القاموس تدريس اللاهوت، وانّما لجأ إلى تفسير المعاني اللغوية للكلمات الواردة في الانجيل بصورة لمّاحة أدّت الهدف الأساسي المنشود واسهمت الى حدٍ لافتٍ جدًا في ايرادها مزيدًا من الشروحات اللاهوتية والتفسيرات الدراسية المتنوعة التي برز فيها أيضًا إشارات توضيحية نحوية في لغتنا العربية وهو بذلك يكون قد مارس أسلوب السهل الممتنع في الشرح والتفسير اللغوي البعيد عن التعقيد والمواربة.
وأخيرًا وليس آخرًا، سُئلَ أحد كبار اللاهوتيين أن يلخص الإنجيل في جملة واحدة، فرًنّم لهم ترنيمة مشهورة باللغة الإنجليزية.
“Jesus Loves me yes I Know.. The Bible tells me so”
وترجمتها بالعربية: “أعلم يقينًا أنّ المسيح يحبي لأنّ الكتاب المقدّس يقول ذلك”.
وهكذا تنطبق عليك مقولة هذه الترنيمة يا دكتور فهد العزيز أبو حبيب، فلك منّا كل محبة وتقدير، واحترام على هذا الإنجاز الرائع مع اطيب تمنياتنا لك بدوام الصحة والعطاء والعمر المديد.