أهالي “عكا” يقاومون التهجير ويطمحون للنصر على “نابليون”

 

على طرف كنبةٍ متواضعة، في غرفة يعتبرها غرفة الاستقبال في حي “بربور”، جلس موسى أشقر (49 عاماً)، وهو يروي ممارسات الحكومة الاسرائيلية ضدّ من تبقّى من سكان “عكا” الفلسطينيين. ويقول إنّه يمنح وزارة الداخلية ودوائر التنظيم الاسرائيلية علامة مائة في المائة في تنغيص حياة العرب في مدينة عكا الساحلية، شمال فلسطين المحتلة عام 1948.

وأضاف، فيما تحلّق أبناؤه أحمد ومحمود ومحمد من حوله: “انهم ينوون طردنا من بيوتنا، نحن أصحاب الأرض، وهذه شهادة تفوق للسلطات مع مرتبة الشرف في تنغيص حياة العرب في عكا.. أهالي هذا الحي يحبون حيهم، لأنه المكان الذي ولدوا فيه، يعيشون فيه قبل 1948، لكن عدد السكان كان أكثر في السابق، رُحّلوا لأنه ليس ثمة رخص للبناء، وكذلك كل من طرد من عكا قبل 1948.. كل الوقت حاولوا أن نبدل أرضنا في مكان آخر، لكن رفضنا البيع والتبديل، هذه أرضنا وهذه بيوتنا”، كما قال.

وتابع أشقر: “منذ سنوات ونحن ننتظر خارطة هيكلية مفصلة حتى نبني بيوتنا بأيدينا، الآن أعدوا خارطة هيكلية للمنطقة، لكن ليس لصالحنا وليس لنا، بل من أجل إقامة سكة الحديد، وكذلك حي سكني جديد في المنطقة، بعد أن يتم هدم بيوت الحي، من أجل بناء 2800 وحدة سكنية لإسكان المستوطنين القادمين من غزة، والمستجلبين الجدد”. وأضاف وسط تنهّداتٍ عميقة، تنمّ عن قلقه تجاه ما ينتظر سكان الحي: “الاقتلاع هواية في عكا، تمارس بالأساس ضد العرب، عند سكة الحديد، في حي بربور، في البلدة القديمة، وفي أماكن أخرى، المهم أن تحافظ المدينة على طابع يهودي”.

وأشار إلى أنّ: “حي بربور جميل، وأجمل ما فيه أنه في عكا، لأن عكا جميلة، وأجمل ما فيها أنها عكا، لكن هذا الجمال الذي يجعلك تنفصل من كل شيء، لأن لا شيء يقيد هذا المكان، إلا المخططات والخرائط الهيكلية، ومنع الناس من ممارسة حياتهم كما يجب”. ويمضي للقول: “الحكومة (الإسرائيلية) استولت على أراضي الحاضرين والغائبين الموجودين في لبنان وسوريا.. هذه المضايقات من أجل أن نترك أرضنا وبيوتنا.. وعشان نطلع من أرضنا مرة من المرات قلتلهم خلونا زي الإنسان القديم، خلونا متحف يتفرجوا علينا الناس”، كما قال.

في عكا يعرفون أشياء كثيرة، لكنهم أكثر ما يعرفون البحر وسورها. ترتبط عكا بالبحر أكثر من أي شيء آخر، لذلك يدخل البحر في حياة الناس في أشياء كثيرة، ليس في السباحة والسمك فقط.. فالبحر في عكا رمز لكل شيء تقريباً.. “أبوي قال إذا البحر برحل أنا برحل، أنا هون أحسن”، حسب قول أشقر. وأضاف: “عرضوا علينا أراضي وأموال ودور وبنايات، وأسكن وين ما بدّي، لكن ما قبلت أطلع من هون، توفي أبونا وهو يوصينا على الأرض”.

أما محمود أشقر (61 عاماً)، أحد سكان حي “بربور” في “عكا”، فيسكن في منزلٍ مغطّى بألواح صفيح قديمة جداً، وتآكل بعض أطرافها نتيجة قدمها، فيما غطاها الصدأ، في كلّ مكان، قال: “لا نستطيع أن نغيّرها، على الزينكو هذا رفعوا علينا شكوى، ورحنا على المحكمة، قالوا لنا ممنوع تغير لوح”.

أما علي قاسم رجب طاهر (31 عاماً)، فله قصة مختلفة، فقد تزوج منذ سنتين، وهو الآن يعيش عند أهله، أما زوجته فتعيش عند أهلها، ولهما طفل متنقل بينهما، ويقول: “نحن نسكن في بيوت، نتوقّع أنْ تسقط علينا بعد حين، بالكامل أو بالتقسيط.. السلطات تمنع الناس من سكنها أو ترميمها، حتى يتركوا المكان بإرادتهم”. وأضاف: “أعمل حالياً على ترميم منزلٍ مكوّنٍ من صالون (2م× 2م) وغرفة نوم وحمام (3م×3م) ومطبخ (1.5م×1.5م) وشباك واحد.. احسبوها بالحاسوب”.

وتابع: “لا أستطيع أن أطلق عليه اسم بيت ولو قلت عنه خرابة فقد رفعت من شأنه”. وأضاف: “أحسن شيء في عكا البحر، الناس بيرمو همومهم فيه، لأنّو واسع، كبير وبيحمل هموم كثير”. ولكن هموم عكا أصبحت اليوم أكبر من البحر!!.

أما العضو العربي في بلدية “عكا”، أحمد عودة، فيشير إلى أسلوبٍ جديدٍ لمواجهة الوجود الفلسطيني في مدينة عكا، بالقول: “بعد أنْ شعرت السلطات (الإسرائيليّة) أن مخططاتها فشلت في ترحيل السكان الفلسطينيين، لجأت إلى أسلوبٍ جديد يتمثل باستقدام المئات من المستوطنين المسلحين للسكن في مدينة عكا”.

وأضاف عودة أنّ سلطات الاحتلال تستغل العملية الإرهابية التي وقعت في مدينة شفاعمرو والتي ارتكبها إرهابي من المستوطنين، وأسفرت عن استشهاد أربعة مواطنين فلسطينيين من سكان المدينة، لتخويف المواطنين الفلسطينيين في مدينة عكا، حيث يشاهد المئات منهم في كل مكان من المدينة وهم يحملون أسلحتهم.

وأضاف عودة أنّ الهدف من هذه الخطوة من جانب الحكومة، والمسؤولين اليهود في عكا، زيادة عدد اليهود في المدينة، إذ إن نسبة العرب في المدينة، تصل إلى 38 في المائة من نسبة السكان، وهذه نسبة عالية بنظرهم، ولديهم مخطط لخفض هذه النسبة إلى 15 في المائة.

وأشار إلى أنّ هذا المخطط الذي يجري تنفيذه في مدينة عكا، جزء من مخطط كبير لتهويد منطقتي الجليل والنقب الفلسطينيّتيْن، والتي لا توجد فيها أغلبية يهودية (49 في المائة يهود مقابل 51 في المائة عرب). وأوضح أنّ مدينة عكا تُعتَبر حجر الزاوية في هذا المخطط، باعتبارها عاصمة تاريخية واقتصادية منذ القدم، وحتى الآن.

وأكّد أنّ المواطنينن يتعرّضون لمضايقاتٍ كثيرة جداً، لإجبارهم على الرحيل، إذْ إنّ السلطات تعمل على تغيير كل شيء في مدينة عكا، وفرض الأمر الواقع على المواطنين الفلسطينيين، وإحدى هذه الإجراءات، إغلاق المحال التجارية أيام السبت، ومنع التجول، وهذا قد يؤدي إلى وقوع صدامات بين المواطنين الفلسطينيين والمتدينين اليهود.

وأشار إلى أنّ المجموعات اليهودية الجديدة التي جُلِبَت إلى عكا، ذات طبيعة يمينية متطرفة، تسعى إلى خنق المواطنين الفلسطينيين، وسلبهم حقوقهم في كل مجالات الحياة. وأوضح أنّه يوجد في عكا اليوم 17 ألف مواطن فلسطيني، من بينهم 7 آلاف يسكنون في عكا القديمة، و10 آلاف في عكا الجديدة.

وأشار إلى وجود ثلاث مدارس فقط في عكا للمواطنين الفلسطينيين وتعاني المدارس من كثافة عالية في عدد الطلاب، كما أشار إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف المواطنين الفلسطينيين في عكا، والتي تتراوح بين 30 إلى 50 في المائة.

وأضاف أنّ هناك مخططاً آخر، من خلال جلب عصابات الإجرام، وتجار المخدرات، إلى المدينة، التي تعاني من إهمال، حتى من جانب الشرطة، حيث انتشرت في المدينة آفات اجتماعية كثيرة، بسبب انتشار المخدرات والعنف، في ظلّ تساهل الشرطة المقصود مع عصابات الإجرام، فهي تضع مغريات كثيرة أمام الشبان العرب، من أجل أنْ يسيروا نحو الجنوح، وإفساد الشباب والمجتمع لعربي، وهذا جزءٌ من المخطط الصهيونيّ لإجبار المواطنين الفلسطينيين على الرحيل عن المدينة، خوفاً على أبنائهم.

وأوضح أنّ هذا المخطط الذي استهدف المواطنين الفلسطينيين، انعكس على اليهود، إذْ إنّ تشجيع المجرمين وتجار المخدرات من قِبَل الشرطة لإجبار السكان العرب على الرحيل، فشل في ترحيل العرب، وعلى العكس اضطر كثير من اليهود إلى الرحيل، بينما بقيَ العرب رغم المشكلات الاجتماعية الكثيرة، وصدق المثل القائل “من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها،” إذ إنّ الشباب اليهودي هو الذي وقع في شباك المجرمين وتجار المخدرات، وفعلاً توجد هجرة يهودية واضحة من المدينة، مشيراً إلى أنّ من تبقّى من اليهود في المدينة هم من الذين لا يملكون إمكانيات مادية لهجرتهم، ولو كان لديهم إمكانيات مادية لهاجروا.

وأكّد أنّ المواطنين العرب يعيشون في بيوت قديمة جداً، وعندما يريدون صيانتها يواجهون عرقلة ومماطلة من جانب السلطات اليهودية في المدينة، فيما يتعلق بإعطاء التصاريح اللازمة، إذ إنّ كلّ من يريد القيام بأعمال صيانة عليه أخذ تصريح من البلدية اليهودية.

وأضاف أنّ البيوت في “عكا” القديمة متلاصقة، ولا يوجد متّسعٌ من الأراضي للبناء، مما يضطر السكان وخاصة الشبّان من الأزواج الشابة، على السكن خارج المدينة. وشدّد على أنّ الإجراءات الصهيونيّة لم تؤدّ إلى هجرة عربية من المدينة، بل على العكس هناك إصرار على البقاء فيها.

وأشار إلى أنّ “عكا” التي أقيمت قبل 6 آلاف عام، على شاطئ البحر، بسورها ومساجدها ومواقعها الأثرية المعترف بها دولياً من قبل اليونسكو، هزمت نابليون، وهي قادرة على إفشال الإجراءات والمخططات الصهيونيّة الرامية لتفريغها من سكانها الأصليين.

تقرير قدس برس

 






استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار