عمر ياغي… كيف وجد عالِم من أصول فلسطينية حلا لأزمة المياه العالمية؟

مقدمة للترجمة

وُلِد عمر ياغي في الأردن عام 1965، وجاء ترتيبه السادس من بين 10 أبناء. نزحت عائلته من فلسطين إلى الأردن عام 1948. عاش ياغي مع إخوته وأخواته في غرفة واحدة، مع ماشيتهم، في منزل من دون كهرباء، وكانت المياه تُضَخ إلى المنزل لبضع ساعات فقط كل أسبوع. هذه الحياة التي فيها نقص من الكثير من الموارد، ومنها المياه، دفعت الصغير للتخصص مستقبلا في مجال الأطر المعدنية العضوية، فما هذا المجال؟ وكيف ساعد العلماء في حرث المياه العذبة من هواء الصحراء الجاف؟ هذه المادة المطولة من مجلة نيوساينتست تشرح القصة.

نص الترجمة

يقف ثلاثة رجال مرتدين نظارات واقية محدقين بإمعان في صندوق بلاستيكي شفاف يتكاثف فيه الضباب تدريجيًا. وبمرور الوقت، تبدأ قطرات الماء بالتشكَّل على جدران الصندوق، تزداد هذه القطرات حتى تبدأ في التدفق تجاه قاعدة الحاوية التي تشبه حوض السمك، مكونةً بركًا صغيرة. ترتسم ابتسامة عريضة على ثغر عالم الكيمياء العربي عمر مؤنس ياغي وهو يهنئ زملاءه. ورغم أن هذه اللحظة قد تبدو عادية أو حتى مبتذلة في أحد مختبرات جامعة كاليفورنيا في بيركلي، فإنها مع ذلك قد تُسَجّل في التاريخ بوصفها لحظة حاسمة تصب في صالح العلماء في معركتهم ضد نقص المياه.

في السياق ذاته، يعبِّر عمر ياغي عن شعوره بالدهشة برؤية قطرات الماء التي تشكّلت بقوله “كانت رؤية قطرات الماء هذه واحدة من أروع التجارب التي خضت غمارها على الإطلاق، فنجاح هذه التجربة يعني أن بإمكاني استخراج المياه من أماكن لا يوجد بها ماء”. أُجريتْ هذه التجربة قبل بضع سنوات، أما الآن فقد تجاوز ياغي مرحلة القطرات والبرك الصغيرة، وبدأ في توسيع نطاق تجاربه خارج المختبر. في أحدث تجاربه، على سبيل المثال، تمكن من استخراج كميات كبيرة من الماء حتى من الهواء القاحل الشبيه بهواء الصحراء. وربما طرأ على ذهنك السؤال التالي: ما السر وراء هذا الإنجاز يا تُرى!؟ يكمن السر في استخدام بلورات اصطناعية مذهلة تعتمد على نوع من الكيمياء الذي ساعد ياغي في تطويرها قبل 20 عامًا.

حتى البلدان الغنية ستكون عرضة للجفاف

على الجانب الآخر، قد تكون مآلات هذه التقنية مؤثرة جذريًا على الواقع الحالي في سياق أزمة نقص المياه العالمية. إذ يفيد تقرير للأمم المتحدة بأن عدد الأشخاص الذين يعيشون في مناطق تعاني من شُح في المياه (حيث تكون الإمدادات المتاحة غير كافية لتلبية الطلب) سيرتفع من 1.2 مليار في عام 2014 إلى 1.8 مليار في عام 2025. حتى الأماكن التي تتمتع بموارد مالية للاستثمار في خزانات المياه وإعادة تدوير المياه والتقنيات الأخرى مثل تحلية المياه، مُعرّضة لخطر أكبر من الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية وزيادة عدد السكان. فمثلًا، في عام 2018 تجنبت مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا بصعوبة “يوم الصفر”، وهو اليوم الذي ينخفض فيه منسوب المياه إلى الحد الذي يجعل السكان يحصلون على حصص محدودة من المياه للبقاء على قيد الحياة.

أثرت نشأة عمر ياغي على فهمه لمشكلة نقص المياه. وُلِد ياغي في الأردن عام 1965، وجاء ترتيبه السادس من بين 10 أبناء. نزح والده مؤنس ووالدته صديقة من فلسطين إلى الأردن بعد قيام دولة الاحتلال عام 1948. عاش ياغي مع إخوته وأخواته في غرفة واحدة، مع ماشيتهم، في منزل من دون كهرباء. كانت المياه تُضَخ إلى المنزل لبضع ساعات فقط كل أسبوع، واضطر ياغي في بعض الأحيان إلى الاستيقاظ فجرًا لفتح الصمام لضمان وصول المياه إلى خزانهم. وعن ذلك يقول “كان عليك أن تفكر حينذاك في كل قطرة من قطرات المياه لأنها كانت ثمينة للغاية”.

بعد أن انتقل والده مؤنس إلى الأردن، باع الحلي الذهبية التي قدمها لزوجته صديّقة هدية زفافهما، واستخدم المال لفتح محل جزارة. وفر هذا العمل لياغي فرصة الالتحاق بمدرسة خاصة، حيث بزغ شغفه بالكيمياء في سن العاشرة. وفي أحد أيام المدرسة في وقت الغداء، تسلل ياغي إلى المكتبة في الوقت الذي كان من المفترض أنها مغلقة. وهناك، رأى رسومًا غريبة لكرات بأحجام مختلفة متصلة بالعصي، والتي اكتشف لاحقًا أنها نماذج جزيئية. راود ياغي شعور بأن هذه النماذج ستمنحه مفتاحًا لفهم العالم من حوله، وكأنها تكشف له عن حقيقة مخفية لكيفية تكوين الأشياء وتنظيمها. والذي أجج هذا الشعور بداخله هو وجوده في مكان لم يكن من المفترض أن يكون فيه، وعن ذلك يقول “كانت هذه اللحظة أشبه بلقاء حب سري”.

عندما كان ياغي في الخامسة عشرة من عمره، أرسله والده لينضم إلى شقيقه الأكبر خالد في الولايات المتحدة، رغم أنه لم يكن يتحدث الإنجليزية إلا قليلا ولم تراوده رغبة في الذهاب إلى هناك. وصل ياغي إلى نيويورك حيث التحق بالكلية، وتفوق ليصبح في النهاية أستاذًا مساعدًا في الكيمياء بجامعة ولاية أريزونا. وخلال عمله، بدأ ياغي في البحث عن طرق جديدة لربط تلك الكرات والعصي الصغيرة (النماذج الجزيئية) لابتكار مواد جديدة لم تُكتشف من قبل. لم يكن يعلم حينذاك أن هذه المواد الجديدة قد تلعب دورًا في حل مشكلة نقص المياه وروي عطش الآخرين يومًا ما.

في أوائل التسعينيات، حقق علماء الكيمياء تقدمًا كبيرًا في بناء المركّبات العضوية التي تعتمد على الكربون. لكن ما إن تعلّق الأمر ببناء المركبات غير العضوية التي تعتمد أساسًا على العناصر الأخرى الموجودة في الجدول الدوري، حتى واجهوا صعوبة في التنبؤ والتحكم بدقة في النتائج النهائية. تمحورت المشكلة الأساسية حول الطريقة التي تبنّوها، وهي خلط المواد الكيميائية في دورق ورؤية ما يحدث. كانت هذه طرقًا بدائية من الصعب أن يُعوَّل عليها لتحقيق نتائج مرجوة.

لذا، على الجانب الآخر، كان هناك من يسعى إلى تجاوز هذه الطرق التقليدية التي تعتمد على التخمين في بناء المركبات الكيميائية. وفي عام 1989، قدّم عالم الكيمياء ريتشارد روبسون من جامعة ملبورن للعالم طرقًا جديدة لتصميم وتصنيع مركبات تسمى “بوليمرات التنسيق”. وهي عبارة عن مجموعة ممتدة من الذرات أو الأيونات، وعادةً ما تكوّن المعادن التي ترتبط ببعضها بواسطة جزيئات أطول تعرف باسم الروابط. ومن خلال تغيير نوع المعدن المستخدم، تمكَّن روبسون من تغيير عدد الروابط التي ترتبط به. على سبيل المثال، قد يتمكن المعدن الذي يرتبط برابطتين من تكوين بوليمر على شكل خيوط، بينما قد يشكِّل المعدن الذي يرتبط بـ6 روابط شبكة مكعبة.

 

مياه نظيفة لملايين الأشخاص

خلال وقت قصير، تمكن الكيميائيون من تصنيع مجموعة كاملة من المواد الجديدة، كل منها يمتلك بنية وخصائص مختلفة. وبما أن هذه المواد صُنعت لتبقى في شكل بلوري منظم، فقد تمكن تنظيمها البلوري من تسهيل دراستها وتحليلها. غير أن المشكلة الوحيدة التي واجهتهم هي أن البوليمرات التي طورها روبسون كانت عرضة للتفاعل مع مواد أخرى، مما جعلها غير مستقرة وغير قابلة للاستخدام الفوري. في منتصف التسعينيات، بدأ ياغي وفريقه في تصنيع بوليمرات تنسيقية تتكون من روابط سالبة الشحنة، ولا ترتبط بذرات معدنية مفردة، بل بمجموعات من هذه الذرات، وأطلقوا عليها اسم الأطر المعدنية العضوية “إم أو إف إس”. تمتعت هذه الأطر بروابط أقوى من البوليمرات التنسيقية السابقة، مما منحها قدرًا أكبر من الاستقرار.

لم يكن ياغي الوحيد الذي يعمل في مجال الأطر المعدنية العضوية، فقد سبقه سوسومو كيتاجاوا من جامعة كيوتو في اليابان، وإيان ويليامز من جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، وقدَّما أبحاثًا مبكرة في هذا المجال. ومع ذلك، جذب عمل ياغي انتباه العالم عام 1999 عندما أعلن عن تصنيع “إم أو إف-5″، وهو بوليمر يعتمد على الزنك. صحيح أن قدرة هذا البوليمر على الاستقرار حتى عند درجة حرارة 300˚سيليزية أججت دهشة الجميع، إلا أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة كان في الفراغات داخل هذه المادة، فقد أعطت لها مساحة سطح داخلية قدرها 2900 متر مربع لكل غرام، أي ما يقارب نصف مساحة ملعب كرة قدم. لتبسيط الأمر أكثر، تبدأ جزيئات الغاز في التجمع لتشكيل أغشية رقيقة على الأسطح. وهذا يعني أن وعاءً يحتوي على البوليمر “إم أو إف-5” يمكن أن يضم كمية أكبر بكثير من الغاز مقارنة بوعاء فارغ عند الضغط نفسه، وذلك بفضل المساحة الكبيرة للسطح التي توفرها المادة.

تتميز الأطر المعدنية العضوية بقدرتها الكبيرة على الامتصاص، مما يجعلها مفيدة في تطبيقات كثيرة مثل التقاط وتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون (الذي يُنتج عن عمليات صناعية مثل توليد الطاقة (وهو ما يساعد في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي*)، أو الغاز المستخدم في تشغيل السيارات. لهذا السبب، صُنِّع أكثر من 20 ألف نوع مختلف من الأطر المعدنية العضوية في العشرين عامًا الماضية. ومع ذلك، لم تحقق هذه المواد كامل إمكاناتها بعد.

تعاونت شركة الكيميائيات الألمانية العملاقة “بي إيه إس إف” مع ياغي لتطوير سيارات مزودة بخزانات غاز طبيعي تحتوي على أطر معدنية عضوية، متوقعةً زيادة الطلب على الوقود الصديق للبيئة. ومع ذلك، تأجلت خطة إطلاق هذه السيارات في عام 2015 بسبب انخفاض أسعار البنزين، ولم يعد من المنطقي اقتصاديًا الاستثمار في هذه السيارات، لأن تكلفة تطويرها واستخدامها لم تعد تتناسب مع الفوائد الاقتصادية المتوقعة.

ظهرت أولى التطبيقات التجارية للأطر المعدنية العضوية عام 2016. استُخدمت هذه المواد في أسطوانات لتخزين الغازات السامة المستخدمة في صناعة الإلكترونيات وأيضًا في أكياس صغيرة لإطلاق غاز يعمل على منع تأثير هرمون الإيثيلين، وهو هرمون تفرزه الفواكه والخضروات ويُسرّع من عملية نضجها. (بعبارة أخرى، تساعد هذه الأكياس في إبطاء عملية نضج الفواكه والخضروات، مما يطيل من مدة صلاحيتها) ومع ذلك، فإن الاستخدامات الأوسع للأطر العضوية المعدنية لم تتحقق بعد.

لا تعتبر الأطر العضوية المعدنية مواد قادرة على الامتصاص الجيد فحسب، بل هي أيضًا مواد انتقائية للغاية، إذ تتمتع بمسامات داخلية بأحجام وأشكال محددة، مما يجعلها مثالية لامتصاص أنواع معينة من الغازات التي تتناسب مع هذه المسامات، بينما تستبعد الغازات التي لا تتناسب معها. في عام 2013، كان ياغي يدرس كيفية استخدام هذه الأطر العضوية لفصل ثاني أكسيد الكربون عن الماء، عندما لاحظ وجود مادة معينة يمكنها امتصاص بخار الماء بسرعة حتى في ظروف الرطوبة المنخفضة، ثم إطلاقه مرة أخرى عند تسخينها. عندما لاحظ هذا الاكتشاف، فكّر فورًا أنه يمكن استخدام هذه الخاصية الرائعة في الصحراء (من خلال امتصاص بخار الماء من الهواء وإعادة استخدامه*).

عندما واصل ياغي سعيه متلمسًا طريقه لاختبار قدرة 20 نوعا مختلفا من الأطر العضوية المعدنية على امتصاص الماء، اكتشف أن أحدها الذي يعتمد على عنصر الزركونيوم ويُسمى “إم أو إف-801″، كان يتمتع بأداء ممتاز، ويتمتع بمسامات داخلية بحجم وشكل مثاليين للسماح بدخول الماء وخروجه. عمل ياغي بعد ذلك مع المهندسة إيفلين وانغ في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا لتطوير نموذج أولي لجهاز صغير لجمع الماء بحجم كف اليد، يتكون من بلورات “إم أو إف-801” مضغوطة في صفيحة نحاسية مغلفة داخل صندوق بلاستيكي.

صندوق الأعاجيب

ومن أجل تجميع المياه، يُترك الصندوق مفتوحًا طوال الليل، مما يسمح للأطر المعدنية العضوية بامتصاص جزيئات الماء من الهواء إلى مسامها. في الصباح، يُغلَق الصندوق وتبدأ الشمس في تسخين الطبقة المعدنية العضوية والماء الموجود بداخلها. وهو ما يؤدي بدوره إلى تجمع قطرات من الماء وتكثيفها على جدران الصندوق.

في عام 2017، اكتشف فريق ياغي أن هذا الجهاز يمكنه جمع المياه من الهواء الذي تبلغ نسبة رطوبته النسبية 20%، وهي ظروف مشابهة لتلك الموجودة في العديد من الصحاري. لاحقًا، استمر الفريق في تطوير جهاز أكبر قادر على إنتاج ما يعادل 140 مليلترًا من الماء لكل كيلوغرام من الأطر العضوية المعدنية يوميًا في المختبر. كان هذا هو الجهاز الذي رأى فيه ياغي من خلال نظاراته الواقية تلك القطرات المذهلة من الماء وهي تتكثف على جدران الصندوق.

إن نجاح تجربة تقنية جمع الماء باستخدام الأطر العضوية المعدنية أثبت أن هذه التكنولوجيا تعمل بالفعل. ولكن يبقى السؤال الأهم مطروحًا: هل ستساعد هذه التقنية حقًا في الحد من مشكلة نقص المياه المتفاقمة؟ ثمة طرق أخرى لاستخراج الماء من الهواء، منها التكثيف البسيط على سبيل المثال. لا تُعد هذه الطريقة مُعقّدة، فالسطح البارد سيعمل على تبريد الهواء المحيط به، مما يجبر بخار الماء على التكثف وتشكيل قطرات. غير أن هذه العملية متعطشة للطاقة، من مثل الثلاجة التي يُترك بابها مفتوحًا. ومع ذلك، توجد بعض الشركات التي بدأت بالفعل في تسويق أجهزة تستخدم هذه الطريقة لاستخراج الماء من الهواء.

لكن ثمة مشكلة أخرى في الأجهزة الأصلية التي طورها ياغي، وهي اعتمادها على عنصر الزركونيوم. صحيح أن هذا المعدن مقاوم للتآكل ودرجات الحرارة العالية، لكنه مكلِّف ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه حوالي 150 دولارًا. وهو ما يعني أن كوب الماء الذي سيُستَخرج باستخدام هذه التقنية سيكون باهظًا للغاية. على الجانب الآخر، يُدرك ياغي، الذي أنشأ مؤخرا شركة لجمع المياه، أنه بحاجة إلى التفكير في الجانب الاقتصادي بجانب الكيمياء إذا كان يريد أن تتحقق خططه لإنتاج جهاز منزلي يساعد الأشخاص المعرّضين لخطر شُحّ المياه.

لتحقيق هذا الهدف المنشود، بدأ ياغي بالفعل في اختبار مادة “إم أو إف-303″، التي تعتمد على الألمنيوم، وهو معدن أرخص بكثير من الزركونيوم. وفي عام 2018، أفاد بأن الأجهزة المصنوعة من هذه المادة يمكن أن تنتج 230 مليلترًا من الماء لكل كيلوغرام. ويقول إن بإمكانه زيادة هذه الكمية إلى أكثر من لتريْن إذا عمل على توصيل الجهاز بألواح شمسية واستخدامها لتسخين الجهاز وتبريده بصورة متكررة على مدى 24 ساعة، بدلاً من الاعتماد على درجات الحرارة المختلفة بين الليل والنهار.

إذن، هل يمكن لهذه التعديلات التي يجريها ياغي أن تحوِّل حلمه إلى حقيقة؟ ردًا على ذلك، يقول راسل موريس من جامعة سانت أندروز بالمملكة المتحدة، الذي يعمل على تطوير ضمادات الجروح والقسطرة التي تحتوي على أطر معدنية عضوية للمساعدة في الشفاء، إن هذا الأمر لا يزال غير مؤكد، ويضيف “قد نواجه مشكلات تتعلَّق بمدة بقاء الجهاز فعالًا، وتراكم البكتيريا عليه. ومن الصعب حاليًا معرفة ما إذا كانت هذه الفكرة قابلة للتنفيذ بعد، لكنها فكرة رائعة على أية حال”.

في حين يعتقد باحثون آخرون في هذا المجال أن ياغي قريب من تحقيق نجاح باهر في هذا المشروع. وتأكيدًا على ذلك، يقول أستاذ الكيمياء بجامعة نورث وسترن في ولاية إلينوي الأميركية عمر فرحة “إن تجميع قطرات الماء من الهواء في الأماكن التي تندر فيها المياه أمر مُدهش. وبالطبع ستبزغ تحديات كلما وسّعنا نطاق هذا المشروع، لكنني لا أرى أي عوائق قد تحول دون تحقيق هذا المشروع. وأعتقد أن هذه التقنية ستُحسِّن إمكانية الحصول على مياه نظيفة لملايين الأشخاص”. إذا كان عمر فرحة محقًا بالفعل، فإن اليوم الذي شاهد فيه ياغي الماء يتجمع على هيئة قطرات، والقطرات تتحول إلى برك من الماء، سيُعدّ بالفعل لحظة حاسمة في تاريخنا.

محطات تكثيف في الأماكن القاحلة

تستغل قرية توجيكيا في جبال كوتشوماتانيس في غواتيمالا الضباب لجمع المياه العذبة، وذلك عن طريق بناء نحو 35 شبكة ضخمة لتجميع المياه، وتبلغ مساحة أكبر شبكة فيها ضعف مساحة موقف للسيارات. وتوفر هذه الشبكات للسكان ما يصل 200 لتر من المياه العذبة يوميًا. وبينما يتسلل الضباب ليغطي المناطق المرتفعة كل صباح، تلتقط الشبكات قطرات الماء على سطحها، ومن ثَم تنزلق القطرات إلى أسفل، تدريجيًا لتتجمع في الحاويات المخصصة لجمع المياه.

بدأت مؤسسة “فوج كويست” الخيرية الكندية قبل 20 عامًا بدراسة إمكانية استخدام الشبكات لجمع الماء لتلبية احتياجات المجتمع المعزول في تلك المنطقة. لكن هذه التقنية يمكن أن تكون مجدية حتى في الأماكن الأقل ضبابية. وهو ما يؤكد عليه المهندس جوناثان بوريكو من جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا، إذ يشير إلى أن تقنية جمع الماء من الضباب قد تكون فعالة حتى في المناطق التي لا تبدو ضبابية بدرجة كبيرة أو متكررة.

إن تصميم الشبكات لجمع الماء من الضباب أمر في غاية الأهمية، فإذا كانت الشبكات خشنة، سيمر الضباب من خلالها دون تكثف الماء على سطحها، وإذا كانت ناعمة جدًا، لن ينزلق الماء بسهولة وقد يسد الشبكة. لهذا عمل بوريكو وزميله كينيدي على تحسين التصميم، مستلهمين الفكرة من أشجار الخشب الأحمر في كاليفورنيا، والتي تجمع الماء من الضباب عبر أوراقها الشبيهة بالإبر. وبدلاً من استخدام الشبكات التقليدية، جعلا تصميم الشبكة أكثر ملاءمة لجمع الماء، مما زاد من كفاءتها لتنتج ماء أكثر بثلاث مرات من الشبكات القديمة.

هذا المستوى من الإنتاجية الذي يمكن تحقيقه من خلال تقنية جمع الماء من الضباب قد يجعلها جذابة حتى في المناطق الداخلية (التي لا تقع بالقرب من السواحل أو البحار). والمدهش في الأمر أن العديد من الأماكن تتعرض لبعض الضباب على الأقل في الصباح، لهذا يمكن بناء هذه الشبكات بأحجام كبيرة لزيادة قدرتها على جمع الماء. ومن جانبه يشير بوريكو إلى وجود اهتمام بهذه التقنية بالفعل في أماكن متنوعة مثل السهول المكسيكية والمناطق الاستوائية في بنغلاديش.

حتى الأماكن التي لا يوجد بها ضباب، يمكن استغلال بخار الماء الموجود في الهواء وتحويله إلى ماء سائل باستخدام أجهزة خاصة توفرها شركات مثل شركة “زيرو ماس ووتر”، التي تتخذ من ولاية أريزونا مقرًا لها وتَعِد بأنها قادرة على النجاح في ذلك باستخدام مكثفات كبيرة تعمل بالطاقة الشمسية تُسمى الألواح المائية “هايدروبانيلز”. وتذكر الشركة أنه يمكن لجهازين من هذه المكثفات أن يجمعا حوالي 10 لترات من الماء يوميًا من الهواء حتى في المناخات الجافة.

أما التحدي الذي تواجهه الشركة فهو كمية الطاقة اللازمة لإنتاج الماء. يتطلب إنتاج لتر واحد من الماء حوالي 1.4 ميغاجول، وهي كمية الطاقة نفسها المطلوبة لغلي الماء لتحضير 40 كوبًا من الشاي. ومع ذلك، فإن هذه التقنية تلغي الحاجة إلى البنية التحتية لنقل المياه من مكان إلى آخر، وهي عملية تتطلب طاقة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النظام قابل للتطوير بسهولة، وبالتالي يتيح فرصة الحصول على كميات كبرى من الماء؛ فكل ما عليك فعله هو إضافة المزيد من الألواح. في نهاية العام الماضي، أطلقت شركة تُدعى “سكاي ويل” أول مبرد مياه للمكاتب في المملكة المتحدة يعمل على تكثيف الماء مباشرة من الهواء. وفي المستقبل، تخطط الشركة لبيع وحدة صناعية كبيرة بما يكفي لتوفير المياه لبلدة كاملة صغيرة.

* إضافات من المترجم

هذه المادة مترجمة عن موقع نيوساينتست، ولا تعبر عن الجزيرة نت بالضرورة

المصدر : مواقع إلكترونية
.
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار