الحلم الأمريكي في رواية “نساء صغيرات” للكاتبة لويزا ماي ألكوت… بقلم: الدكتور منير توما

منير توما

الحلم الأمريكي في رواية “نساء صغيرات” للكاتبة لويزا ماي ألكوت

بقلم: الدكتور منير توما

كفرياسيف

ولدت الكاتبة الأميركية “لويزا ماي ألكوت” مؤلفة رواية “نساء صغيرات” (Little Women) في جيرمانتون، بنسلفانيا، عام 1832، وتوفيت في بوسطن، ماساشوستيس، عام 1888.

إنّ رواية “نساء صغيرات” هي شبه سيرة حياة (semiautobiographical) في طبيعتها، ترتكز أساسًا على حياة الكاتبة ألكوت السعيدة في طفولتها في عائلة كانت سابقًا من الطبقة العليا والتي تدهورت وسقطت في أيام صعبة.

إنّ رواية ألكوت هذه تتبِّع أخوات عائلة مارتش في انتقالهن من المراهقة الى البلوغ.

إنّ هذه الرواية هي بمثابة شُبّاك في الحياة الفيكتورية خصوصًا فيما يتعلق بحياة النساء. إنّ الأخوات في عائلة مارتش يتوجب عليهن أن يتعلمنَ تَقَبُّل المتوقع، ولكن غالبًا ما يكبحن، دور النساء كأمهات وزوجات. “جو” خصوصًا كان يجب عليها أن تناضل برغبتها في حياة مستقلة ككاتبة والدور المتوقع للنساء خلال زمانها. ومع ذلك حتى “جو” تجد راحةً في حياة قرب وأمن العائلة التي تخلفها لبنات عائلة “مارتش”. إنَّ المرض والموت الأخير النهائي للمحبوبة “بيث”، الرحلات الأوروبية لِ “إمي”، واختبار زواج “ميج”، الذي لم يكن بمقدوره أن ينفصم ويكسر الأربطة الوثيقة للعائلة.

ورغم العناصر المأساوية الموجودة في راوية “نساء صغيرات”، فإنّ الكتاب يبقى عملًا أخلاقيًا ترفيعيًا، مصمّمًا ومُعَدًّا أن يُسَلِّي ويمنح القارئ دروسًا أخلاقية. في نهاية الرواية، فإنّ الشخصيات تُترَك لتقود وتنتهج حيوات منجزة ومستقيمة أخلاقيًا كأمهات في عائلاتهن الخاصة. إنّ المجال المنزلي الذي تمَّ إضفاء طابع رومانسي عليه في العصر الفيكتوري ثم أيضًا جعله مثاليًا في الرواية، وبالتالي فإنّ رواية “نساء صغيرات” في جوهرها احتفال بالعائلة.

ونأتي الآن الى موضوعة الحلم الأميركي في هذهِ الرواية حيث أنَّ الحلم الأميركي قد ظلَّ يرمز طويلًا الى الحظ الوافر والثروة والأمل في أنّه من خلال العمل الشاق أو الحظ، فأنه في امكان أفقر الأشخاص أن يزدهر. إنّ المهاجرين الذين تدفقوا الى اميركا في القرن التاسع عشر جاءوا يبحثون ويفتشون عن فرص جديدة ترفعهم من الفقر الذي مَرّوا به وعانوا منه في بلادهم ووطنهم؛ فبالنسبة لهم، كان الحلم الأميركي مرتبطًا ارتباطًا لا ينفصم عن الثروة المادية. في رواية الكاتبة لويزا ماي ألكوت “نساء صغيرات” تقدم عائلة “مارتش” نظرة مختلفة للحلم الأميركي – رؤيا للأزدهار معتمدة ليس على الربح المادي، بل على الثروة الأخلاقية والروحية.

في البداية، يبدو الحلم الأميركي بأنه قد فشل بالنسبة لعائلة “مارتش”. لقد خسر وفقد السيد “مارتش” ثروة العائلة في بعض أعمالهِ الاستثمارية التي لم يحالفة الحظ فيها.

إنَّ الأربع أخوات في عائلة “مارتش” – “ميج”، “جو”، “بيث” و “إمي” – مقيّدات بين عدة عوالم؛ بحكم الولادة، فإنّه متوقع منهن الارتباط بجيرانهم الأثرياء. وعلى أية حال، فإنّ فقرهم يخلق فرقًا واضحًا بينهم وبين أصدقائهن. إنّ الكثير في رواية “نساء صغيرات” يتناول الإغراءات وخيبات الأمل التي يشعر بها الأخوات في عائلة “مارتش”، وذلك نتيجة تغيُّر وضعهن، ومن تجاربهن، فإنّ الأخوات يعلن أنّ “الحب، الحماية، السلام، والصحة البركات الحقيقية للحياة، هي “أشياء أثمن من أيّ ترف ورفاهية يمكن للمال أن يشتريها”.

وبينما كل واحد من أفراد العائلة يستميت لأن يصبح شخصًا أفضل ويتغلب على الأخطاء الفردية، فإنَّ تقواهن، وإحسانهن لم يحمِ العائلة من المأساة. ومع ذلك، فإنّ الجانبَ المشرق من المحنة تواجد وراء كل صعوبة لأنّ التجارب السيئة عادةً تساعد في تَعَلُّم البنات الشيء الكثير حول الأشياء المهمة في الحياة.

وبهدف تقوية وتعزيز حجتها الأخلاقية، فإنَّ الكاتبة ألكوت تُزّوِّد بعض سيوف المبارزة الى عائلة “مارتش” في شكل عائلات “جاردنر” و “موفات”. كلا هاتين العائلتين تمثلان الحلم الأميركي التقليدي لقابلية التحرك والانتقال المكتسبة من خلال الثروة المادية، وعلى أية حال، فإنه عندما يتم مقارنتهما بأفراد عائلة “مارتش”، فإنهما يصوران على انهما تنقصهما سعادة وبركات عائلة “مارتش”. أفراد عائلة “موفات” الأثرياء يوصفون كما لو أنهم بشكل خاص غير مهذّبين وليسوا أناسًا أذكياء وأنَّ كل تذهيبهم لا يخفي تمامًا المادي غير الروحي المصنوعين منه”. وخلال زيارة قصيرة لبيت عائلة “موفات”، فإنَّ “ميج” تسترق السمع لبعض القيل والقال الجارح حول عائلتها، وبفرح تترك بيث “الموفات” لتعود الى ملاذها الهادئ بيتها. وبينما هذه الحادثة العرضية لم تشفِ “ميج” من اشتهاء الملابس الخيالية والحلي الصغيرة “لسالي جاردنر”، فإنّه في نهاية الرواية تدرك أنّ حياتها مع “جون” في “دوفيكوت” أسعد بكثير من الحياة الثرية التي تعيشها “سالي” و “نيد موفات” في قصرهما.

إنّ فقر عائلة “مارتش” غالبًا ما يُقَدَّم بأنه له حسنات وفوائد، والاستقلال النسبي الذي تتلقاه البنات من وضعهن هو أحد هذه الحسنات. وبينما تكون ثروة العائلة قد فقدت وضاعت، فإنّ “ميج” و “جو” تعرضان أن تشتغلا للمساعدة في إعالة العائلة. وهاتان الأختان تحصلان على وظائف خارج العائلة، لكنَّ كتابة “جو” على التو ما تصبح مصدرًا مُرّحبًا به لدخلٍ إضافي بحيث يسمح بالقليل من الترف. واخيرًا، نرى أن نجاحات “جو” تلهمها أن تترك عائلتها وتنتقل الى نيويورك لتواصل فرص نجاحها الأدبية والتي لم تكن متوفرة في البيت. وبمرور الوقت، تنتبه وتلتفت الى نصيحة السيد “بَيْيِر” وتكتب رواية ناجحة ترتكز على تجارب حياتها. إنّ الفرصة التي ترمز اليها اميركا للكثيرين، وكذلك الفكرة بأنَّ الإنسان يُكافأ على العمل الشاق تَظهر وتصَوِّر هنا بشكل لافت.

وبدلاً من استعادة الثروة لعائلة “مارتش” فإنّ البنات اللاتي تكتب عنهن الكاتبة “ألكوت” يتعلمن ويدركن أنّ الثروة الحقيقية لا تُشترى، لكن بركات أخرى تعزّز الحياة.

وخصوصًا عندما تخضع “بيث” لتلف قلبي نتيجة الحمى القرمزية، فإنَّ العائلة تتكتّل معًا مدركةً أنّ الحب والعائلة أكثر أهميةً من الأشياء المادية. وعند نهاية الرواية، فإنَّ بنات عائلة “مارتش” يتمتعن بالسعادة مع أزواجهن، وبينما “ميج” و “جو” لا يمكن اعتبارهما من الأثرياء، فإنهما تعيشان حياة مفعمة بالرضا والثراء الروحي. وخلال عملهن الشاق وتكريسهن لحياة العائلة، فإنّ البنات يدركن الشكل الخاص بهن للحلم الأميركي المتمثل لديهن: زوج جيد، عائلة حميمة، وأسلوب أو نهج حياة مريح، وإن لم يكن مُسرفًا أو مُفرِط التبذير.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار