ومضات واشراقات
للدكتور منير توما
بقلم: أنطون حنا فرح
كفرياسيف
أصدر شاعرنا الكبير، الدكتور منير توما كتابه ال -28 عن دار سهيل عيساوي، بدعم من مفعال هبايس – كما جاء على غلاف الكتاب.
يقع الكتاب في 96 صفحة من الحجم الكبير. أهداه “لمحبي الشعر ومتذوقي الكلمة الحلوة”. (ص 3)
في قصيدته “أبيات منددة بالجحود” يندد شاعرنا بالجحود، الكذب والتلفيق على حد قوله:
- متى نشكو الحجود مِن الزمان وفحواه كأسنان الطعانِ
- يقول الكذب والتلفيق فيه هو الإسفاف للقوم الحِسان
- يصح عليَّ قول الصديق فيه كما قد قيل حول الكهرمان (ص 9)
ومن أجمل أبيات هذه القصيدة في نظري – قوله عن المسرة!
وما كلُّ المسرّةِ قولُ مدحٍ ولا كل الرضى حَجرُ الجمانِ (ص 10)
وفي قصيدته “أُحجية دنيوية” يعتقد شاعرنا أن زمن المنى قد مضى، فيقول
مضى زمن المنى فدعِ الروابي ولا تلغِ الخطاب مِن الثواب
إذا عشتُ الربيع ولم يزدني فذاك كالرياح بلا سحاب
إذا ذهبت مكارم خلِ قومِ فهجرته أحق مِن الحساب (ص 11)
ويقدر الفن الأصيل، الباقي، ويرى أن العمر “رسم يوم” ويقول:
لعمرك ليس بعد الفن باقِ ولا مما رآه الناس راقِ
وما للعمر إلّا رسم يوم ولو كانت له درب السباقِ
أعز الناس في الشمل مقاما محبٌّ كان فيه في وفاقِ (ص 15)
نعم، إن معظم الفنون الجميلة كالرسم والبناء.. تفرح القلوب وتجعل نفس المحب والمحبوب تميل الى السعادة والهناء، إذ يقول:
وكم فن بنى مجدًا وإسمًا وكم فكر قضى حلَّ الوثاقِ
أحبُّ الناس في الرؤيا بشوشٌ يبشر في انشراحٍ واندفاقِ (ص16)
والكل يعرف معنى براءة الأطفال، هذا ما أراده الله – عز وجل – لنا. ولكن عالم اليوم خالِ من الرحمة، يسود فيه الظلم والوهم، الغم والهم لأن العديد منا يعمل ما يحلو له بلا خجل ولا استحياء – على حد قوله:
في عالم أصبحت الرحمة في أدنى أولويات البقاء. فيا ليت الإنسان يعي أن الله شاهدٌ على ما يفعله الظالمون دون خجل أو استحياء. (ص21)
ومِن أجمل قصائد هذا الديوان، قصيدته الغزلية حوار “العاشقين” التي يقول فيها:
“قال: أشتهي شفتيكِ حين تبتسمين
وأحبُّ أنفكِ حين تشمخين
وأعشق عينيكِ حين تنظرين
فأنتِ أيقونةُ دفءٍ في كل ضحكةٍ تتوهجين” (ص25)
وفي قصيدته “دهر غادر” يصدق شاعرنا بقوله: إننا نحتمل اليأس، الاضطراب والاكتئاب، بصبر واحتراس:
- يمرُّ علينا عامُ اليأسِ فيه كما قدمَّ ضرب الصولجانِ
- عناءٌ واكتئابٌ كلُّ آنٍ وصبرٌ واحتراسٌ بعد ثانِ (ص27)
ومن قصائده التي أثرت فيَّ تأثيرًا كبيرًا، حتى جعلتني أدمع، قصيدته “رسالة في دموع طفل” يبحث عن أمه، إذ يقول: “مِن دموع طفلٍ يبحث عن أمه، أرى الحزنَ في قلبي ينتشرْ فأبكي بصمتٍ ولا أعرف كيف اصطبر” (ص 31). إن “سحر العيون الخضر” قد حيرت أمر شاعرنا، فيقول:
“يا ذات العيون الخضر، ما بين بيضٍ وسُمْر، حيّرتِ اليومَ أمري، وألهبتِ أمسِ عمري وأنا قد طال صبري” (ص 35)
ومن جميل قوله في هذا الديوان أنه أهداها سنبلة فكرية، وقد أينعت إذ قال في قصيدته “سنبلة” شوق: “أهديك سنبلة، مِن حقل أفكاري، مِن مهد أحلامي وإني لم أزل أعدُّ أيامي. والآن أبشري فقد أينع القمح في روض زهر”. (ص 37)
ويصف لنا جمال معشوقته، قوامها المياس وبسمتها الوضاءة، ويطلب إليها أن تكون جريئة، فهي رائعة في السباق وما زالت تصعد الهضابا – على حد تعبيره:
“ممشوقة القوام، زيدي تألقًا وشبابا
جودي ببسمةٍ وضاءةٍ تعيد إليّ الصوابا
وكوني سيدةً جريئةً لا تشكو الرهابا
معشوقتي كنتِ وما زلتِ تصعدين الهضابا
ترسمين لوحاتِ الهوى وتكملين في الفن النصابا” (ص 39)
وفي قصيدته “عينا عاشق وقلب خافق” يطلب إليها ألّا تلومه لأن مشاعره وأريحته قد فاضت ونُظم الشعر الجميل، وهو الواثق بأنه السائق، إذ يقول:
“ولا تلوميني إذا نظمتُ فيكِ شعر غزلٍ واثق
فأنا بحبك كأني استقلُ سيارة أنا فيها سائق” (ص 41)
وفي قصيدته “مرارة قدّيس” يعتقد شاعرنا أن في قلب القديس مرارة، وهو مقيد بدافع المحبة والمراحم، وقد أقر بهزيمة الفضائل، في عالمنا، يقول:
“إنه قديس حقيقي دون إذن ودون بركة في قلبه مرارةُ مُحِقّةٌ. فهو قد تنبأ بهزيمة الفضائل وأيقن أنه مكبل بدافع المحبة والرحمة” (ص 45)
وفي قصيدته معاني “العشق” يُعلمنا أن العشق ليس أغنية حب إنما هو انغماس في المشاعر. فالعاشق يتلظى بنار الحب. حقًا، إن رادار وجهه يفصح عمَّا يضمر، كالنظرات والابتسامات.. ويقول:
“العشق ليس أغنية حب نرددها. العشق انغماسٌ في مشاعر نُسددها. فالعاشقون يتلظون بنار لا تنعدم. وكلما اشتاقوا انبروا للهيب يحتدم. ففي عيونهم استحضار لعالم لا ينقسم. وفي نفوسهم جمال على وجوههم يرتسم. (ص 49)
وفي قصيدته “مِن وحي الحياة” يدعو جميع الناس إلى عدم التبرم والتعجرف والتصنع، وترك الحماقة والتمسك بقول الصدق والحق، والابتعاد عن الحقد واللؤم. وبالمختصر – الابتعاد عن رذائل هذا العالم الذي نحياه. إذ يقول:
“يا ناس لا تتبرموا إن التبرم مُذمَّمُ
جودوا ولا تتعجرفوا ما ساد إلّا المكرِمُ
ودعوا التصنع جانبًا فالصدق ألّا تكتموا
أما الحماقة فاهملوا أبدًا وإلّا تندموا
والحقد لا تتعلموا واللؤم لا تتنَّسموا” (ص 55)
وفي قصيدته “في الصبر محاسن الطبع” يحثنا على الصبر وحسن منافعه، ويقول:
ألا قَدِّما لي في الحوار مِن الصبر ولا تكثرا مِن النقد إلّا على النفعِ (ص 60)
ومِن جيد قصائده: القصائد الدينية عن الميلاد، وشهر رمضان المبارك، ومقام سيدنا الخضر – عليه السلام. ففي قصيدته كلمات مِن وحي الفصح المجيد “يذكر يسوع المسيح فادي البشرية جمعاء، وانجيله المقدس:
بزغ الفصح واستنارَ العيدُ بيسوعٍ هو المسيح الأصيلُ
قام يسعى إلى الورى بفداءٍ إلهيٍّ إنجيله قنديل (ص 64)
وفي قصيدته “في حضرة شهر رمضان المبارك” شهر الأمل، الخير والكرم، يقول:
لهذا الشهر في التقويم عطرٌ به الآمال يغمرهن طيبُ
ويصدر في المجامع منه خير له تعتز بالكرم الشعوبُ
ففي ذا الشهر نحن قد اجتمعنا برمضانيّنا وهو الحبيب
هدى برزت محاسنه فأمسى له في كل مأدبة نصيب (ص 66)
أما في قصيدته عن مقام سيدنا الخضر عليه السلام، يظهر لنا محبته له لأنه العفيف، الشريف، النبيل.. ولذا يكن له كل الاحترام، بقوله:
إليكَ كل احترامي أيها الخضرُ قد فاز شيخ على تقواه يستند
أنتَ العفيف الشريف المستجاب له عند الهموم ومنكَ الخيرُ والجلَدُ
أنت النبيل الذي الأسفار في يده يُرجى ومنه شيوخ العقل تتقدُ (ص 68)
ثم يبعث بتحيته إلى الدكتور المغترب “سمير توما” المشهور باختصاصه في طب الكلى. وهو ابن قريتنا كفرياسيف التي تكن له كل الاحترام والتقدير. ويقول:
سلام الله أيتها البلاد زائرك الطبيب أَم الصحابُ
وما لسمير قومك مِن عتاب ترى أيفيض شوقا أم يهابُ (ص 70)
ويبعث أيضًا بتحية إلى المربي الفاضل الدكتور شكري عراف بمنحه وسام “فارس الجليل”. وهو من قرية معليا وأصدر عدة مؤلفات بعضها جغرافية، وفلسطينية وأدبية.
يقول شاعرنا:
أتدري ما بمعليا من فلاح علومٌ ابنها “شكري” البطاح
ينير على القدامى مستواها شموعَ سنيَّةً وعطور راحِ (ص 72)
أما في حفل تكريم الأديب المربي الأستاذ فتحي الفوراني الذي أُقيم في الكلية العربية الأورثوذكسية – حيفا. عام 2022. فقال:
ومَن تألق حيث الشعب مجتمع فذاك “فتحي” منه العِلم والرشدُ
هذا الذي عنده للنشر مِن أدب سحرٌ وعند هداه ربُّه السندُ (ص74)
ويحتوي الكتاب كذلك على 5 قصائد في الرثاء: أولاها في المرحوم “مجيد حسيسي”
رحمه الله: ويقول: “مجيدٌ قد تولاها الكريم برحمته فعاش به النسيم (ص76).
ثم قصيدة في رثاء الطبيب أسامة خوري ابن قريتنا – كفرياسيف، يقول فيها:
“مات الأُساميُّ بن الجميل فاكتملت، أعماله وثناه ليس ينعدم. إن الطبيبَ الذي يحمي مناقبه، حيًّا وميتًا كلام العرب والعجم”. (ص 78). أما في رثاء الطبيب الشاعر الدكتور نديم حسين – يخبرنا شاعرنا أن الدكتور نديم عَلَم معروف، وصاحب الصفا والهدى والعِلم..”
كنا نرى أبن حسينٍ بيننا عَلَما لكن يباري نجومًا ما لهم عددُ
كان الهدى والصفا والعلم مجتمعًا في شخصه وانتصار اللطف والجلد (ص 80)
أما في رثائه للأستاذ الياس جبور فيقر شاعرنا أنه كان كالنسر، ويذكر لنا لما سموه الياس، بقوله:
قد مات كالنسر أبو جبور ثم مضى مثل البهاء الذي في الأفق ينغمر
سموه الياس بالأوطان مقترنا كما يُسمّى بليث في المدى البشر (ص 82)
وفي رثائه للشاعر المناضل – حنا إبراهيم – أبو إبراهيم يرى شاعرنا أنه كان مِن الرجال الكرام، الأديب الشاعر صاحب الهمة والعلم، إذ يقول:
مَن كان يدركُ أعمال الكرام تُرى هل كان مِن قلب ذاك النور ينسجمُ
قد انتشر “الحنّا” والمعنى على أدبٍ وجاء بين الكتاب والعلم والهمم (ص84)
أما في تأملاته التي ترجمها عن الإنجليزية – بخصوص الحكمة فيرى أنها كانت لحماية الحياة، تقوينا وترشدنا للنور حتى نبتعد عن العنف والغضب..
إذ يقول: “منذ بدء تطوُّر الأرض، كانت الحكمة موجودة كحماية الحياة الداخلية.
الحكمة تزوّدنا بالقوة، ونحن نمشي خلال العصور، في اتجاه الكمال، طوال آلاف السنين” (ص 86)
وخلاصة القول: إن شاعرنا الشريف، النظيف واللطيف.. قد أنعم الله – عز وجل عليه بالحكمة والنعمة.. ولذا جاءت أشعاره في هذا الديوان بمدح الفضيلة ونبذ الرذيلة – كالحقد والحسد، الجريمة والنميمة.
إن لنصائحه لنا يستحق أن نكن له كل الاحترام لأنه يدعو للمحبة والسلام، يمدح الكرام ويذم اللئام.
نتمنى لشاعرنا العمر المديد، والمزيد مِن العطاء الجديد الذي يفرح القلب ويشرح الصدر.