أولاً: غيلان الدمشقي
هو غيلان بن مسلم الدمشقي، ولد العام 724م، وتاريخ وفاته مجهول، واشتهر غيلان كصاحب أشهر فرقة من فرق المتكلمين المسلمين وتسمى “الغيلانية”، وتقوم على أنّ الإنسان حر ومختارٌ لأفعاله، وكان بمذهبه هذا يعارض مذهب الجبر والجبرية، الذي اعتمده خلفاء بني أمية؛ لأنه يعفيهم أمام الناس من المسؤولية عن المتغيرات التي أحدثوها في نظام الحكم الإسلامي.
ورغم شهرته في المطالبة بحقوق الناس، ومناظراته الفلسفية البارعة أمام الفقهاء، إلا أنّ فكره القائم على حرية المجتمع قاده إلى القتل والصلب، بأمر من الخليفة هشام بن عبد الملك.
.
ثانياً: ابن المقفع
هو أبو محمد عبد الله الشهير بابن المقفع (724 – 759م)، أديبٌ ومفكرٌ مسلم، أبدع في اللغة العربية وبلاغتها، ونشر أسلوباً فلسفياً حكيماً مبسطاً للناس من خلال اللغة، وله ترجماتٌ عظيمة، من أبرزها “كليلة ودمنة” التي جعلته رائداً للأدب السياسي الاجتماعي العربي، ومن مؤلفاته الشهيرة كتابا “الأدب الصغير” و”الأدب الكبير”.
كان ابن المقفع، بحسب المؤرخين؛ من أحكم الكتّاب، حتى قاده عقله للتورط في السياسة ومحاولة إصلاحها، فتدخّل في خلافٍ بين الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور وأحد ولاته الذين تمرّدوا عليه، فكتب رسالة العام 754م، يطلب فيها من الخليفة الأمان للوالي وحقن الدماء، وتحسين أوضاع الجيش، ولجم الفقهاء عن الخلافات وتوحيد مرجعيتهم، فكانت رسالته بمثابة بيانٍ ثوريٍ ضد الخليفة، الذي أمر واليه (سفيان المهلبي) بقتل ابن المقفع بطريقةٍ بشعة من خلال تقطيع أوصاله، وكان ابن المقفع اتهم بالزندقة من قبل، خصوصاً بعد ترجمته لكتاب “كليلة ودمنة”.
.
ثالثاً: الحلاج
هو أبو عبد الله حسين بن منصورٍ الحلاج (857 – 922م)، صوفيٌ ثار على الصوفية، ومسلم ثار على الطقوس، وشاعرٌ اشتهر بقصائده التي يخاطب فيها الله محبةً، وعرف عنه تجواله بين بلاد المسلمين داعياً لإصلاح المجتمع وإنهاء خضوع الناس لظلم حكّامهم، كما أنّه أثار نقمة الصوفيين أنفسهم؛ لأنه دعا إلى عدم اعتزال الناس، ومساعدتهم من خلال نشر المعرفة وثقافة الإيمان الفردي بينهم، وكان مشهوراً بيأسه من الناس والمجتمع أحياناً، فكان يصرخ في الأسواق بين حينٍ وآخر “دمي مباحٌ فاقتلوني”.
في العام 922م، عقدت محاكمة للحلاج، وتقاسم قضاة وشهودٌ وفقهاء دماءه، حيث استباحوها للتخلص من هذا المحرض عليهم وعلى خلفائهم، الداعي لفكرة حرية الرأي وخصوصية العبادة، فجُلد وأعدم، ويقال إن رماده ألقي في الطرقات.
.
رابعاً: السهروردي
هو أبو الفتوح يحيى السهروردي (1154 – 1191م) واشتهر بالسهروردي المقتول، ويعد صاحب لحظة جوهرية في تاريخ الفكر الإسلامي؛ لأنه استطاع تطوير الجدل اليوناني الفلسفي من جهة، وأفكار الفيلسوف المسلم فخر الدين الرازي، كما أنّه تمسّك بالتصوف مذهباً يعينه على العزلة والتفكير، ويقال إن تفوّقه العقلي جلب عليه نقمة الفقهاء، إضافةً إلى تعظيمه العلم ونبذه أي مظاهر سلطوية.
السهروردي، أنجز عدة مؤلفات من أشهرها “حكمة الإشراق”، الذي رأى فيه أنّ انبثاق النور هو أصل الوجود، كما قام من خلال كتابه بتطويرٍ على أفكار أفلاطون وأرسطو واضعاً بعض الأسس المنطقية للتفكير.
لم يمهل الفقهاء السهروردي طويلاً، فأرسلوا الرسائل لصلاح الدين الأيوبي، يجمعون فيها على زندقة وكفر الرجل الذي تلقى رد صلاح الدين بالسجن والحكم بالموت، فاختار الموت جوعاً وعطشاً في سجنه بقلعة حلب، ولم يكن جاوز 36 عاماً.
.
خامساً: مولود فرعون
يعد مولود فرعون (1913 – 1962) من أهم مؤسسي الرواية في الجزائر والمغرب العربي، ومن أوائل من كتبوا باللغة الفرنسية كاشفين للاستعمار بشاعته بلغته نفسها، واشتهر فرعون كونه ناضل من أجل توثيق وإظهار ثقافة وتاريخ وحقوق بلده الجزائر باللغتين؛ العربية والفرنسية، وظل ملتزماً بقضايا بلده أثناء الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، حيث أحدث تأثيراً كبيراً في أوساط النخبة الإعلامية والمثقفة الفرنسية ضد ممارسات بلادهم في الجزائر.
في العام 1962، دفع فرعون ثمن مطالبته باستقلال بلاده، فاغتالته منظمة فرنسية سرية مناهضة للاستقلال تسمى (OAS).
.
سادساً: علي شريعتي
مفكر إيراني (1933 – 1977)، يعد أحد ملهمي الثورة ضد نظام القمع الذي قاده شاه إيران لعقود، كان من أنصار محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني الوطني، الذي فشلت ثورته على نظام الشاه في الخمسينيات من القرن الماضي، وترافق تاريخ اغتيال شريعتي صاحب المؤلف الشهير “النباهة والاستحمار” مع بدايات صعود الثورة الإسلامية في إيران، وليس هذا غريباً إذا عرف أنّ شريعتي كان من أشد المفكرين الاجتماعيين رفضاً للنزعة الشعوبية لدى رجال التشيع الصفوي ومحاولاتهم الهيمنة على المجتمع.
ولشريعتي مقولة شهيرة تتعارض مع أفكار رجال التشيع وملاليه “الاستحمار هو طلسمة الذهن وإلهاؤه عن الدراية الانسانية والدراية الاجتماعية وإشغاله بحق أو بباطل، مقدس أو غير مقدس”.
.
سابعاً: فرج فودة
كاتب ومفكر مصري (1945 – 1992) اغتاله رجل لا يعرفه لم يقرأ له حرفاً، وكان ركز في حياته على فكرة الدولة المدنية التي لا وجود لجماعة أو طائفةٍ متشددة فيها، كما أنّه واجه هجوماً متكرراً خلال حياته من مؤسسة الأزهر، لمطالبه بعلمانية واضحة للدولة، وفصل أي رأي لرجال الدين عن مؤسساتها وقراراتها وذلك من جلال مؤلفاته الذي يعد “الحقيقة الغائبة” الذي أصدره العام 1984 من أشهرها، فضلاً عن مناظراته الشهيرة قبيل اغتياله.
ورغم وجود مثقفين ومفكرين عديدين في مصر، كانوا يطالبون بما يطالب به فودة، إلا أنّ جرأته وانتقاده للجماعات المتشددة جلب عليه نقمة الجماعة الإسلامية التي أصدرت فتوى باغتياله، فتلقّفها شابٌ لا يعرف عن أفكاره شيئاً، وقام بقتله العام 1992، بعد خروجه من الجمعية المصرية للتنوير قبيل أيام من عيد الأضحى.
.
ثامناً: مهدي عامل
هو الدكتور حسن حمدان، المشهور بمهدي عامل (1936 – 1987)، مفكر فلسفي لبناني، اشتهر بتوجهه الشيوعي الواضح، وله مؤلفات فكرية مهمة من أبرزها “نقد الفكر اليومي” و”مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني”. أما المميّز في فكره، فهو طبيعته الرافضة للطائفة ورؤيته التي تشير إلى أن النضال والتحرر والنهضة هي أمور لا تحتاج إلى طائفة دينية حتى تتحقق.
وربما كانت هذه الفكرة، السبب الأساسي في اغتياله، فهو ابن تمرد على الطائفة الشيعية بلبنان، حتى إنها رفضت الصلاة على جنازته بعد اغتياله، وهو ابن الحزب الشيوعي الذي كان متمرداً على سوريا والكتائب والجميع زمن الحرب الاهلية في لبنان، كما إنه مفكر مناهض للاحتلال، وداعية أصيل للثورة، ولا توجد أسباب أفضل من هذه، ليتم اغتياله بالرصاص من مجهولين في 1987، وبقيت أصابع الاتهام تدور حول سوريا وحزب الله وغيرهما حتى اليوم.
تاسعاً: حسين مروة
مفكر عربي ولبناني (1910 – 1987)، وكان مشروعه الفكري يركّز على قراءة التراث الديني بشكل مغاير عن القراءات التقليدية السائدة من خلال كتابه الموسوعي الشهير “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية”، وبقراءة ماركسية للتراث، متحررةٍ من طيات طلاسم النخب الحاكمة وكبار الفقهاء المحتكرين للتدين وما يتعلق به على حد تعبيره، إذ سعى مروة إلى تقديم قراءة ثورية حديثة للتراث الديني الإسلامي، محاولاً النأي به عن التعصب واحتكار الحقيقة التي رأى أنها ملك لكل الناس والمسلمين مهما اختلفت طبقاتهم ومستوياتهم.
لكن الرصاص، أنهى حياة مروة ومشروعه الجريء العام 1987، وربما لم يطق المتطرفون الجمع بين ماركس والعمامة كما تصوروا، غير أنّ مشروع مروة، لا زال حياً ينتظر من يعيشه ويدرسه.
.
عاشراً: كامل شياع
يشكل التنويريّ العراقي كامل شياع (1954 – 2008) حالةً فريدة من نوعها؛ لأنّه ليس ممن أنتجوا مشاريع فكرية مكتوبة، بل هو مفكر طبّق أفكاره على الواقع مباشرةً، متخطّياً كونه بدأ شبابه عضواً في الحزب الشيوعي العراقي؛ حيث بدأ يعمل بجدٍ في مجالات تطوير الثقافة العراقية بكل مناحيها منذ العام 2003، في الفن والموسيقى والرسم والكتابة، متجاوزاً فكرة أنه يعيش في عراقٍ محتلٍ من الخارج، وتمزّق الطوائف أوصاله من الداخل، وهذا ما تسبّب باغتياله، فطوائف مجهولة اتهمته بنشر الكفر من خلال الفن، والاحتلال لم يكن يرغب فيه لأنه كان بنظره مخرباً ومدمراً، فقتل العام 2008 في بغداد، ورثاه الشاعر سعدي يوسف قائلاً:
“كامل شياع لم يطبع كتاباً
هو نفسه، كان كتاباً متنقلاً
لقد قُتِل بمسدّسٍ قديمٍ ذي ماسورتَينِ
ماسورتَينِ لهما توقيتٌ مختلف“.
.
.