رائد موسى
غزة- قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري إن ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ليس كما بعده بالنسبة لآلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وقد مورست ضدهم أبشع الجرائم من القتل والإعدام، إلى التعذيب الوحشي والتحرش الجنسي والاغتصاب، وحتى التجويع والحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية.
وأكد الزغاري -في حوار خاص مع الجزيرة نت- أن عدد الشهداء في أوساط الأسرى داخل السجون والمعتقلات بعد اندلاع طوفان الأقصى هو الأعلى تاريخياً منذ عام 1967، ومن بينهم مئات من أسرى قطاع غزة، كما سبق هذه المرحلة تحريض من الحكومة الإسرائيلية ضد الأسرى، وصلت إلى حد دعوة الوزير إيتمار بن غفير إلى إعدام الأسرى.
.
بداية هل لك أن تطلعنا على تجربة اعتقالك بسجون الاحتلال؟
خضت تجربة الاعتقال لأول مرة إبان الانتفاضة الأولى عام 1987، وكان عمري وقتها لا يتجاوز 16 عاماً، وتنقلت بين سجون الظاهرية وبيتونيا ومجدو والنقب، ولا شك أنها تجربة مهمة وساهمت على نحو كبير في صقل شخصيتي الوطنية والنضالية.
كما رفعت هذه التجربة كذلك من منسوب الوعي الوطني لدي، كونها جاءت في ظل سياسة قمعية إسرائيلية عرفت في ذلك الوقت بـ”تكسير العظام” من أجل إفشال الانتفاضة، وقد تعرضت للضرب المبرح منذ لحظة الاعتقال مرورا بمركز التوقيف، والتحقيق داخل المعتقلات.
ورغم هذه السياسة الوحشية فإن زيارات المحامين واللجنة الدولية للصليب الأحمر والأهالي كانت دورية ولم تنقطع، وتجربتي بالاعتقال المتقطع على فترات منذ العام 1987 وحتى 1991 تبقى بسيطة ومتواضعة مقارنة مع ما تمارسه دولة الاحتلال حالياً بحق المعتقلين في السجون.
عبد الله الزغاري ليس أمام مئات أسرى المؤبدات سوى صفقات التبادل لمعانقة الحرية-رائد موسى مصدر الصور: نادي الأسير
.
ما الذي اختلف في سجون الاحتلال مع مرور السنين؟
لكل معتقل تجربته الخاصة به، وهي تجارب متفاوتة وتختلف من فترة إلى أخرى، وسجون الاحتلال بالنسبة لنا كفلسطينيين تشكل نقلة نوعية في الوعي السياسي والنضالي والثقافي، فداخل السجون هناك آليات نضالية لتنظيم الحياة الخاصة للأسرى.
ولذلك كان الأسرى دوماً يشكلون عصب الحالة الوطنية، ويساهمون في عمليات البناء التنظيمي، وقد حولوا السجون إلى مدارس وجامعات خرجت عددا كبيراً من القيادات الوطنية البارزة، واستمرت هذه الحالة حتى توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993.
أما اليوم -وخاصة بعد تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023- فالأوضاع تختلف كليا، وهناك تحولات جذرية لدى المنظومة الإسرائيلية في التعامل مع الأسرى الذين تحولت حياتهم إلى جحيم، ويعيشون واقعاً كارثياً في ظل السلوك العدواني الإسرائيلي الذي يجردهم من كافة حقوقهم الإنسانية، ومن مقتنياتهم الخاصة وصورهم وذكرياتهم، ويمارس عمليات تنقل واسعة وقمعية داخل المعتقلات.
وقد تعرض الأسرى على مدى عام لهجمة إسرائيلية شرسة من حيث الحرمان من حقوقهم، وتعرضوا للتعذيب والضرب وسياسة التجويع ووقف زيارات المحامين والأهالي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنع إدخال الملابس، وقطع المياه والكهرباء عنهم.
والأسوأ من ذلك كله تعرض الأسرى لعمليات الاعتداء الوحشي والإهانة وامتهان كرامتهم الإنسانية، وارتفاع وتيرة الضرب والتحرش الجنسي وحتى الاغتصاب. وبشهادات موثقة من أسرى عانوا جراء نزعة الانتقام التي تعرضوا لها من جنود الاحتلال، وهذا ما تسبب في ارتفاع كبير في أعداد الشهداء الذين ارتقوا داخل السجون والمعتقلات، جراء الضرب المبرح والجرائم الطبية والاعتداءات الوحشية.
.
هل كان تاريخ 7 أكتوبر مفصلياً بالنسبة للأسرى؟
لا شك أن الأسرى يمرون بمرحلة خطيرة هي الأسوأ بتاريخ الحركة الوطنية الأسيرة منذ عقود، ويواجهون تهديداً حقيقياً على حياتهم، وهناك تعليمات مستمرة من قبل الجهات الإسرائيلية السياسية والأمنية والعسكرية بتقييد الحياة الاعتقالية.
ومنذ تولي بن غفير وزارة الأمن الداخلي حول السجون إلى مقابر، وعاش الأسرى على مدى العام الماضي حياة كارثية على كافة الصعد، وكل من تعرض للاعتقال بعد هذا التاريخ ناله شكل أو عدة أشكال من التعذيب الممنهج، فالتعذيب لدى الاحتلال هو نظام وسياسة مبرمجة، وحتى من هم معتقلون منذ سنوات وعقود طويلة نالهم التعذيب والحرمان من المنجزات والحقوق التي انتزعتها الحركة الأسيرة عبر سنوات من النضال داخل السجون.
.
ما أثر سياسات الوزير بن غفير على حياة الأسرى؟
التعليمات الصادرة عن منظومة الاحتلال من خلال بن غفير شكلت تهديداً حقيقيا وخطيرا على حياة الأسرى، وشهدت السجون ارتفاعاً هائلاً في أعداد الأسرى وحالة اكتظاظ شديدة، وحرمان المعتقلين من أبسط حقوقهم.
وقد مست هذه السياسة العنصرية المهينة والمذلة كل تفاصيل الحياة الاعتقالية للأسرى، بما فيها طعامهم وشرابهم، وأدت إلى انخفاض أوزان الأسرى من 30 إلى 40 كيلوغراما لكل معتقل، إضافة للانتشار الواسع للأمراض وخاصة الجلدية الخطرة.
وما يزيد من خطورة هذا الواقع أنه يترافق مع سياسة القتل الطبي وعدم توفير الرعاية الصحية اللازمة، وأدت إلى ارتفاع كبير في أعداد الأسرى المرضى، وهناك معتقلون بينهم أطفال وأسيرات مصابون بجروح وكسور نتيجة عمليات القمع والتعذيب.
ويريد بن غفير وحكومته من وراء هذه السياسة تحطيم الأسرى كعنوان للنضال الوطني، ولكن هذه السياسة العنصرية التي تمثل الوجه القبيح للاحتلال تتحطم على صخرة صمود الأسرى، ونرى ذلك بين الأسرى المحررين من السجون الذين رغم آلامهم وأوجاع أجسادهم فإنهم يظهرون معنويات عالية ويؤكدون إيمانهم بحتمية النصر والحرية.
.
كيف تشخص واقع الأطفال الأسرى والأسيرات؟
الأسرى جميعا معرضون لنفس السياسات القمعية والتنكيلية، ومنظومة الاحتلال لا تقيم وزناً لطفل أو مرأة أو مسن أو مريض، وقد وثقنا بنادي الأسير بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اعتقال أكثر من ألف طفل، وأكثر من 450 امرأة منهن فتيات وطالبات وصحفيات.
إن واقع الأسرى الأطفال والأسيرات مرير للغاية، وقد تعرضوا لأساليب متنوعة من التعذيب والتجريد من الحقوق الإنسانية، وتعرضت الأسيرات لجرائم تحرش جنسي والاعتداء والتعرية وامتهان الكرامة، حيث لا تزال قوات الاحتلال تعتقل في سجونها 93 امرأة فلسطينية في معتقلي الدامون وهشارون، وأكثر من 300 طفل في معتقلي عوفر ومجدو.
وتتعمد قوات الاحتلال التضييق على الأطفال والأسيرات في أدق تفاصيل الحياة، من حيث كميات الطعام القليلة والرديئة، وحتى فترة الاستحمام القصيرة لا تكفي، وانعدام أدوات ومواد النظافة الشخصية والعامة، إضافة إلى الاكتظاظ الشديد داخل الغرف والزنازين، مما يساهم في انتشار الأمراض.
.
كم عدد الأسرى الفلسطينيين الآن وخاصة الغزاويين؟
شن الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حملات اعتقال واسعة، واستناداً لتوثيقنا رصدنا 10 آلاف و800 حالة اعتقال من الأراضي المحتلة عام 1948 والقدس والضفة الغربية، وشملت مختلف قطاعات شعبنا من الرجال والنساء والأطفال، وبينهم أسرى محررون أعيد اعتقالهم مجدداً، وترافق مع ذلك جرائم سرقة أموال ومصاغات ذهبية ومصادرة مركبات لذوي المعتقلين.
لكن هذه الأرقام لا تشمل آلاف المعتقلين من قطاع غزة بعد حرب الإبادة، حيث تعرضوا لأسوأ وأبشع جرائم التعذيب الممنهجة، وأدى ذلك إلى استشهاد المئات منهم، وإعدام آخرين، وقد تكشفت بعض هذه الجرائم داخل معتقل “سدي تيمان” وهناك شهادات تفيد بأن أسرى غزة تعرضوا للقتل والإعدام وبتر الأطراف والاغتصاب داخل هذا المعتقل.
ولا يزال هؤلاء الأسرى يواجهون الإخفاء القسري والمصير المجهول، ولا يفصح الاحتلال عن أي معلومات تتعلق بهم، بالرغم من كسر محامين جزءا يسيرا من القيود الإسرائيلية حول أسرى غزة، وتمكنوا من زيارة عدد قليل منهم في معتقلي النقب وعوفر، وكل الشهادات حولهم صادمة ومروعة، وتؤكد أن أوضاعهم صعبة وخطيرة، ويتركون لأيام وأسابيع طويلة مقيدي الأيدي والأرجل.
وقد لجأ الاحتلال إلى ما يسمى “المقاتل غير الشرعي” حيث يحتجز المئات من معتقلي غزة تحت هذا البند، ويحرمهم من كافة حقوقهم بما فيها التمثيل القانوني وزيارة المحامين، متنكراً بذلك لكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية ومنها اتفاقية جنيف الرابعة.
ورغم أن معتقل “سدي تيمان” أنشئ بعد حرب الإبادة على غزة، ويعتبر إحدى المحطات الكبرى لعمليات التعذيب الوحشية والجنسية والتجويع والجرائم الطبية، وهو نموذج صارخ لسياسات الاحتلال بحق الأسرى، إلا أن بقية السجون لا تقل خطورة عنه، وكلها تعمل بحسب تعليمات المنظومة العنصرية الإسرائيلية، وبتعليمات مباشرة من بن غفير.
.
يتفرد الاحتلال الإسرائيلي عالميا بسياسة احتجاز جثامين الأسرى الشهداء فما آخر التحديثات بهذا الملف؟
يمارس الاحتلال هذه السياسة العنصرية منذ زمن بعيد، والأسير الشهيد أنيس دولة هو أقدم الأسرى المحتجزة جثامينهم منذ العام 1980، وهناك ارتفاع في أعداد الأسرى الشهداء الذين يحتجز الاحتلال جثامينهم، ولدينا قائمة بـ33 أسيراً من الحركة الوطنية الأسيرة استشهدوا داخل المعتقلات، منهم 26 قتلوا بعد تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأسماؤهم معلومة لدينا، ولكننا نعتقد جازمين أن هناك المئات من أسرى غزة تعرضوا للقتل والإعدام أيضا، ولم يفصح الاحتلال عن أسمائهم ومصيرهم.
هناك أسرى ما قبل اتفاقية أوسلو وآخرون صدرت بحقهم أحكام بالمؤبدات فشلت اتفاقات سياسية وصفقات تبادل في تحريرهم فما مصيرهم؟
الاحتلال وقف أمام مساعي إطلاق سراح هؤلاء الأسرى، وكان هناك قبل سنوات اتفاقية برعاية أميركية لإطلاق سراحهم على 4 دفعات، لكن الاحتلال تنكر لإطلاق الدفعة الرابعة والتي كانت تضم حوالي 30 معتقلا.
وقد ارتفعت حالياً أعداد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد لأكثر من 600 معتقل، جزء كبير منهم أمضى أكثر من 20 عاماً، وفي ظل وقف دولة الاحتلال كل أشكال المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وفي ظل غياب أي أفق سياسي مع حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، ليس أمام هؤلاء الأسرى وخاصة أسرى المؤبدات سوى صفقات التبادل من أجل معانقة الحرية.
المصدر : الجزيرة