صباح الخير يا عكّا
.
إشتقنا والله آشتقنا إليك يا شامة على وجنة وطننا الصّغير الجميل الذي لا وطن لنا سواه. فعلها مارس إله الحرب وجعلك قريبة بعيدة. فتح فاه ذا الأنياب الصّفراء وأمطر علينا رُعباً ودماراً وموتاً، وسرق هواءنا وماءنا وزرعنا وزيتوننا ونخلنا وقمرنا وشمسنا وابتسامات أطفالنا.
إشتقت إلى سورك وسوقك وأزقّتك ومساجدك وكنائسك وشاطئك وبحرك، وإلى مشوار الأصيل من مسجد الجزّار فالبوّابة الشّرقيّة مارّاً بجوار أبطال الثّلاثاء الحمراء ومُصغياً لأغاني فرقة العاشقين، من سجن عكّا طلعت جنازة، وامشي وامشي حتّى أصل تلّ الجنرال الذي مرّغتِ أنفه وعندئذ أحلف بغربتي وأعود لأشمّ رائحة البهارات في السّوق وأسألها عن قهوة أمّي وكعك أمّي وطبيخ أمّي.
إشتقت إلى الميناء الصّغير وقواربه كي أبحث عن جدّي معاوية الذي أبحر منه لفتح الجزيرة الصّغيرة التي تبعد عنك خبط العصا.
أقف على سورك التّاريخيّ وأرى جدّنا الظّاهر العمر وجنده وحضره وبدوه وفلّاحيه فأسأله عن البوّابة التي دخل منها صلاح الدّين بعدما قدمت خيوله من حطّين وشربت من بير العياضيّة ماءً زلالاً.
أمشي على بلاط شوارعك العتيقة من شارع صلاح الدّين الى الحيّ الجديد حيث سار عمر أبو ريشة حينما كتب “عيونك أجمل ما في الوجود” وحيث مشى غسّان كنفانيّ فأسأله عن رجال في الشّمس وعن الذين يدقّون جدار الخزّان، وحيث تمختر أبو سلمى وهو يكتب “أنشر على لهب القصيد” وحيث استوحى البروانيّ محمود درويش “سجّل أنا عربيّ” ثمّ أمشي الى محطّة القطار حيث استوحت سميرة عزّام قصّتها الجميلة، كما أمشي من ساحة مسجد الجزّار الى صخرة الفنار وألتقي بأبطال روايتي الجديدة “فارس عين الزّيتون” التي رفضت ان تصدر في زمن دويّ القنابل والصّواريخ.
إشتقت يا عكّا الى صحن حمّص في مطعم سعيد أو مطعم حمّودي أو مطعم سهيلة أو مطعم أبو الياس وإلى رغيف فلافل عند عرفة وفنجان شاي مع نعنع في مقهى السّلطان، كما اشتقت إلى رائحة النّراجيل والزّنجبيل والزّعتر والسّمّاق وإلى وجبة سمك في الغربيّ أو أبو خرستو أو قعدة في مطعم دنيانا ومشاهدة أطفال عكّا يقفزون من السّور إلى البحر. يا أطفال عكّا إشخروا للعنصريّين ولجنرالات الحرب والموت. يا أطفال عكّا لكم الحياة ولكم الشّمس والمستقبل.
إشتقت إلى صلاة الجمعة في مسجد الجزّار وإخوته مسجد الرّمل ومسجد ظاهر العمر ومسجد اللبابيديّ، كما اشتقت إلى رنين أجراس الكنائس في ايّام الأحاد ورأس السّنة الميلاديّة ولن أنسى النّدوات الأدبيّة والفكريّة في قاعة الأسوار والجلسات الودّيّة مع حنان ويعقوب وريشة الأصيل وليد قشّاش والحديث مع أبي محمد سروان ومع القارئة أم نجيب زوجة القائد الميدانيّ والنّقابيّ جمال موسى.
متى نعود يا عكّا لنمارس الرّياضة على الشّاطئ الجنوبيّ ونسبح في بحرك مع القاضي ابي صالح داوود زيني ورفيقه أبو شاهين سواعد ونقف على الرّمل مع العكّاويّ الأصيل بولس نحّاس ونتحدّث عن آخر الأخبار.
إشتقت إلى الحوارات الشّائقة مع الإعلاميّ زهير بهلول والحديث في الأدب والفنّ والسّياسة وعن شخصيّات عكّاويّة لا تُنسى.
إشتقنا والله آشتقنا إلى زرافات السّائحين يأتون اليك من الشّرق ومن الغرب كي يقرأوا التّاريخ الذي يطلّ من بين مداميك بيوتك العتيقة، والى قوافل الأهل الذين يحجّون إليك في عيدي الفطر والأضحى قادمين من مدن المثلّث الأخضر وقراه، ومن النّقب ومدنه وقبائله، ومن المدن الفلسطينيّة الأسيرة، من الخليل وطولكرم ونابلس وجنين… وين عَ رام الله.
إشتقت إلى الجلسات النّاعمة مع المبدعين من أبنائك، من الأدباء والفنّانين والشّعراء، إلى ايّام الفنّ وليالي المسرح، إلى هؤلاء الذين حافظوا على عروبتك وحضارتك وعلى تهاليل الأمّهات لصغارهنّ وعلى تراويد العرايس وعلى زفّات العرسان.
أعرف يا أيّتها الجميلة بين المدن أنّك ترحّبين بنا. وهاا نحن قادمون إليك فسلاماً لك من الرّائعتين حيفا ويافا.
محمد علي طه
،