النَّقد اللََّاذع والسّخرية المُرَّة في “والي المدينة” عند سهيل عيساوي… بقلم: مصطفى عبد الفتاح

والي المدينة

النَّقد اللََّاذع والسّخرية المُرَّة

فيوالي المدينةعند سهيل عيساوي

بقلم: مصطفى عبد الفتاح

25.3.2025

سهيل عيساوي الإنسان المثقّف، الكاتب والمربي كان موفقًا في اختيار إسم لمجموعته القصصيّة القصيرة جدًاوالي المدينةفي المبنى والمعنى، من المتَّبع، أن يختار الكاتب عنوان مجموعته القصصيّة إسم قصَّة من المجموعة مثيرة ودالَّة على المجموعة، هكذا فعل الكاتب، فيؤكّد للقارئ ما ذهب إليه من سوء الإدارة والحكم في مجتمع يتخبَّط بهمومه.

هذهالقصَّةالقصيرةوالي المدينةص 21 تحمل في طيَّاتها الكثير من غزارة المعاني وعمق في وصف الحال والسّخرية المُرَّة من الواقع الاجتماعي بالقليل من الكلمات والايجاز المُفرط في الوصف، بالإضافة إلى صورة الغلاف التَّوضيحيَّة، فقد رأيت الاختيار موفقًا كإسم للمجموعة، وقد كان بالإمكان أن يكتفي سهيل بهذين السَّطرين كقصَّة قصيرة جدًا كاملةً متكاملة  بدون مقدمات، لأنَّ هذا النّوع من الأدب فيه التَّكثيف الشَّديد والايجاز والعمق بالمعنى، ما كتبه سهيل لا يقلل من جماليات وعمق القصّة ومغزاها تقول القصة: “رأيت فيما يرى النّائم أنَّ والي المدينة أصدر أمرًا بقطع يد السَّارق، وعندما استيقظت، تذكّرت أنَّ عليَّ زيارة السّوق القديم، لأتبضَّع التَّوابل، بحثت عن رجل أُصافحه فلم أجد كفًا!.”ص21

لا شك أنَّ المربي سهيل عيساوي كاتب مثقف ومطَّلع على أحوال مجتمعنا الفلسطيني وما يعانيه من إهمال السّلطة وحتى دورها السَّلبي في تأجيج العنف والخلافات والإبتعاد عن معالجة هذه القضايا الحارقة والملحة، التي ظهرت نتيجة إنهيار القيم والأخلاق، و الإبتعاد عن العادات والتَّقاليد الموروثة التي كنا نتمسَّك بها ونحافظ عليها كجزء من هويَّتنا الوطنية والقوميَّة، من هنا نرى عمق السّخرية المبطنة عند سهيل عيساوي، عندما رأى في الحلم أنَّ الوالي يقطع يدي السارق، وكأنَّه يقول أنَّ الحاكم لن يحرّك ساكن في معاقبة اللصوص الّذين يملئون المكان وقد اختار سهيل لذلك السّوق القديم ليقول انظروا إلى عدد اللصوص والسَّارقين والمارقين على القانون في قلب المجتمع، لدرجة أنَّني لم أجد أحدًا لم يسرق لأسلِّم عليه، الذين لم يلتفت إليهم الحاكم ولم يعاقبهم القانون، وبسخرية لاذعة يقول سهيل بتورية كاملةلم أجد كفالأصافحها فما أجمل الوصف وما أدق التَّعبير

وفي متابعة عميقة لقصص سهيل عيساوي فيوالي المدينةنرى الأسلوب نفسه والطريقة ذاتها في معالجة القضايا الاجتماعية ألّتي تهم المواطن في مدننا وقرانا العربية من مختلف الجوانب، بطريقة شيقة لاذعة وهادفة.

في قصَّته الأولى في المجموعةصفعةيتحدَّث سهيل فيها عن ذراع السّلطة الطويل الّذي يطال كل شيء ولا يبالي بأي شيء لترويض المواطن وإخضاعه، قل ما تريد وأنا أفعل بك ما أريد، القصّة توضح القيم الديمقراطية وحرية الرأي والتّعبير وأنَّك تستطيع أن تتصرّف كما يحلو لك في كلّ زمان ومكان، حتى لو كان الموقع بين الجماهير وأمامها، إلّا أنَّ السّلطات أو الحاكم العسكري سلطته أطول وأقوى وستطالك أينما كنت لتعاقبك وتمنعك من حرية الرأي ومن الديمقراطية المزعومة. وكان سهيل يحذّرنا مسبقًا من هذه الأداة المدمّرة للقيم الإنسانية والتي تعاقب على كل شيء.

ينتقل الكاتب فيالطوشةليطرح قضايا إجتماعية ملتهبة، يقف أمامها المجتمع حائرًا عاجزًا لا يعرف كيف يعالجها، إذ يتخبّط هذا المجتمع بقضاياه اليومية والحياتية، والطوشةبمفهومه البسيط هي الاقتتال والخصام بين أبناء البلد الواحد على أمر تافه، لا قيمة له، ولكن بسبب التّحريض الظاهر والمبطن، والابتعاد  عن المبادئ والأخلاق والقيم الاجتماعية التي تربى عليها المجتمع ، تلتهب المشاعر وتتأزم المواقف، فيفقد البوصلة ويفقد الحس الوطني والإنساني ويفقد مفهوم العلاقة بين أبناء البلد الواحد والشعب الواحد ، فيختلط الحابل بالنَّابل ويقتتل الخصمان وتتأجج الصّراعات وتزداد ضراوة اذا حدث شر أو قُتل أحدهم فتتجذّر العداوة وتزداد البغضاء وبالتالي تفكك مجتمعي، وصراع حمائلي، حتى يصل به التَّهكم والسّخرية وكأنَّالطوشةجزء من موروثنا الثَّقافي، فنحن بحاجة إليها لدرجة اختراعها أو افتعالها كما يحدث في الواقع فيستعملالصّقور الجارحةص 5 ، بدل الشّباب المنفلت والفارغ من كل القيم ألتي بناها المجتمع خلال تاريخه، وذلك ليظهر عمق الجرح الاجتماعي الَّذي نعاني منه بطريقة ساخرة، حتى تصل به السّخرية، أنَّهم يتصرَّفون كالقطيع دون معرفة ودون حساب يقولتمتم بكلمات مبهمةتتجمع الشباب دون فهم معنى الكلمات، ليعلن بعدها الحرب ولماذا الحربلأنَّه داس على خيالي ولم يعتذرص 5 أليس هذا هو بالضّبط واقعنا الاجتماعي؟ أليست هي الحقيقة بعينها التي يصوّرها سهيل بأقصر جمل وأبلغ مشهد فيه من السخرية والتهكم والحدّة المؤلمة ولكنها الدّقيقة والصّادقة في وصف حالنا؟.

ويتنقل سهيل ليلدغ كالنحلة ومن ثم يذيقنا طعم الرحيق اللذيذ في الزَّهرة، فنُقبل على الإثنين بشغف،ففي المطعميمعن سهيل في السّخرية باستعمال النّقال بصورة مفرطة ، لدرجة الإدمان أو المرض،  لدرجة أنَّ العائلة تُفضلاللايكاتعلى تناول الطعام، وهي فعلًا ظاهرة خطيرة ومقلقة لنا ولأبنائنا ويجب الانتباه اليها، فقد تحوَّلت إلى عادة أو إدمان مما يسبب ضرر بالغ حتى للعلاقات الاجتماعية بين النّاس، إذ يعيش كل فرد في عالمه بعيدًا عن الآخر بصورة لافته دون إحترام أو إعتبار للعلاقات الاجتماعية الوجاهية بين أفراد المجتمع الواحد.

وعن تكلّس المشاعر بين النّاس، بل داخل الأسرة الواحدة، وإنحطاط القيم والاعتبارات الإنسانية بين أفراد المجتمع يروي لنا سهيل فيمسعفوالمسعف من المفروض أن يكون في قمَّة الإنسانيّة ومنقذ لها وقمَّة الاخلاق الإجتماعية ليخبرنا أنَّه بشعور متبلّد وإحساس معدوم يهمّه فقط صورةسلفيمع القتيل وانتهى الموضوع، فهل يوجد أكثر من هذا سخرية وتبلّد للمشاعر حتى الاستخفاف بحياة البشر، يظهرها سهيل بقالب نقدي لاذع وسخرية مرَّة من واقعنا الاجتماعي؟.

ويتوقّف الكاتب عند المعاناة الَّتي يلاقيها العربي مِن تمييز وعنصريّة في حياته اليوميّة، فلا يكفي الاستيلاء على الوطن من يافا إلى حيفا وغيرها من المدن إلا أنَّك تصطدم في حياتك اليوميّة وحتى لو كنت طالبًا جامعيًا، فإنَّك مُعرَّض للإهانة والتّحقير والتّمييز والإستفزاز اليومي فقط لكونك عربي، لكن سهيل عيساوي لم يترك الباب مواربًا ويقطع الشَّك باليقين، فيصرّح بكل ما أوتيَ من فخر واعتزاز بانتمائه العربي والفلسطيني، فيغلق الباب أمام عنصريَّتهم : “نعم أنا عربي إبن الأرض وأعتزص 8 هذه صورة مصغرة للواقع الذي يعيشه الفلسطيني في وطنه وعلى أرضه.

هكذايتنقلسهيلعيساويمنموضوعاجتماعيإلىآخرفيقصصقصيرةجدًابصورةتهكميةلاذعةولكنّهاتعطيللقارئبابًامفتوحًاللتّفكيروالتأمّلفيهذاالواقعالتّعيسالذينعيشفيه،ليسهذافحسبإنَّماتُحفّزالقارئعلىالنهوضوالوقوففيمواجهةهذهالقضاياالتييطرحها،

في قصةموت شاعريتطرق الى ظاهرة الكتابة المفرطة والسّطحية ألَّتي لا تحمل معنى أو رسالة، أو الكتابة من أجل الكتابة أو الشّهرة، ويتحدث فيثروة مع وقف التّنفيذعن العلاقات الاسرية المقطوعة وألتي تخلو من الاحاسيس والمشاعر، بالإضافة إلى حب المال وسيطرته على تفاصيل حياتنا، وفي قصة تحمل الكثير من المعاني المبطَّنة حتى بالسخرية في قصةمظاهرةيتحدث عن الوطنيَّة الزائفة والتي يحاول كل واحد من قياداتها إظهار نفسه، أي حب الشهرة والسَّيطرة ،فسجل كل واحد منهم نفسه  حتى يصل بنا في قصةصندوق الانتخاباتص20 الى الغش والتَّزييف وشراء الذّمم رغم الظهور المصطنع بالديمقراطية وحرّية الرأي والضمير، ولكن الواقع يختلف تمامًا.

سأترك للقارئ مساحة واسعة للقراءة والمطالعة والتمتع بهذا اللون الجميل من النّقد القصصي الاجتماعي من خلال القصص القصيرة المعبرة عن واقع الحال، لا شك أنَّ سهيل عيساوي إنسان إجتماعي مثقف واعي لقضايا شعبه ومجتمعه وله نظرة ثاقبة في معالجة القضايا الاجتماعيّة أشكره على هذا الإنجاز وجزيل شكري على إهدائه لي هذه المجموعة القصصية الجميلة فمزيدًا من الابداع

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

جديد الأخبار