معارج الابداع عند غسان كنفاني… بقلم: مصطفى عبد الفتاح

مصطفى عبد الفتاح

وقفة تأمّل في

معارج الابداع عند غسان كنفاني

والاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الكرمل 48

وما لم ينشر من كتابات للأديب غسان كنفاني

بقلم: مصطفى عبد الفتاح

23.06.2025

.

يبقى الكاتب والاديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني أيقونة فلسطينية شامخة نتعلم منه الدَّرس ونأخذ العبرة وننطلق نحو مستقبل مشرق، فالأدب بالنسبة له مقاومة والكلمة سلاح من أجل تحصين الذَّات، ومواصلة الطَّريق.

للتَّو، انتهيت من قراءة كتاب عدنان كنفاني، شقيق الاديب غسان كنفاني بعنوان،معارج الابداع ما لم ينشر من الكتابات الأولى للأديب الشهيد غسان كنفاني ما بين 1951 – 1960. جذبني ما كتب من قصص قصيرة، في شبابه، كان ابن خمسة عشر عامًا فقط، والغريب في الأمر أنَّه لم يجرؤ على نشرها، وبقيت في أدراج مكتبه حتى نشرها أخوه عدنان، رغم جاهزيتها للنشر، ومما قاله مؤلف كتاب معارج الإبداع عدنان كنفاني،الآن تتلبسني رهبة أكبر وأنا في جهدي لتقديم غسَّان من خلال كتاباته الأولى التي لم تنشر، وهي بدايات تفجُّر الطاقة الإبداعية عند غسان، ما يعني أنَّه كان في الخامسة عشر ة من عمره.” ص: 5

يقول غسَّان كنفاني عن إنتاجه الأدبي الأول الذي لم يصدر في كتاب ولم يضع له عنوانًا، بل بقي في الأدراج المغلقة حتى تم نشره من قبل أخيه في هذا الكتاب، وغسان يكتب مقدّمة لكتابه يقول فيها مخاطبًا القارئ: ” كان أوَّل إنتاج أخرُج به لدنيا الطّباعة هو كتابي هذا الذي بين يديك، والذي يتوقف عليك وعلى تشجيعك نجاحه أو فشله. في الحقيقة كان لأحد أصدقائي الفضل في طبع هذا الكتيب، فهو أشار عليَّ أن أطبعه وقد كنت أبعد ما أكون عن هذه الفكرة، وحتى لم أكن لأفكر بها بتاتًا، فاستمعت لصوت صديقي، وبقليلٍ من الشَّجاعة والتّشجيع أسلمت كتابي للطَّبع والنَّاشر ليخرجه للقراء وينشره بينهم فيطَّلِع الجميع على هذا الإنتاج المتواضع، ويتشجع الكتَّاب والناشؤون، ويخطون ولو خطوة واحدة في حقل هذا النَّشاط الأدبي، فيخرِجون للعالم زبدة أقلامهم، وإنتاج أفكارهمص 11.

قرأت القصص التسع في الكتاب، وقفت أمام أديب عملاق تسأل نفسك أين نحن منه؟، أيّ درس تعلمنا؟، غسَّان كاتب وأديب في جيل 15 يحمل أدب الاخلاق والتَّواضع قبل أدب الكلمة، يعيش لحظة النَّكبة ويسجل احداثها بروح ونفس شعبه، دون أن يفقد للحظة رجولة وكبرياء وعزة نفس الفلسطيني، وقمة عطائه وتضحياته في عزّ محنته من أجل أن يحفظ الكرامة ويحفظ الأمانة، ايُّ دروس يجب أن يعلِّمنا في هذا الزَّمن الرديء؟، بل أين وجهتنا؟  إنَّ معارج الابداع عند غسَّان كنفاني لا تتلخّص في مهارة أدبية، ولا في تقنية سردية فقط، بل في القدرة على جعل الكلمة فعلًا، والموقف نصًا، لقد بنى غسان من الهوية فنًا، ومن المأساة أملًا، بكلماته معارج صعود نحو حريَّة منشودة، وما زال أدبه مصدر إلهام لكل من يحلم بوطن.

ولنعد إلى ذاتنا، إلى واقعنا، وننظر إلى أنفسنا في المرآة، في معارج الابداع في مجتمعنا الفلسطيني الغارق في متاهات وسائل الإعلام الّتي تبتلع كلَّ شيء ولا تبقي للكلمة الحرة الجميلة المعبرة مكان

قبل أن أدخل في تفاصيل المشهد، ولكي أتجنب إقحامي في متاهات فهم المقروء عند البعض، يجب أن أوضّح بكلمات جليَّة لا لُبس فيها، أنَّ أدبنا الفلسطيني لا يختلف بشيء عن أيّ أدب آخر في جميع أرجاء العالم، نحن نملك كغيرنا أدباء وكتّابًا رائعين، بل نملك أيقونات أدبية بعضها وصل إلى العالميّة، نعتز بها ونفتخر، ونملك اقلامًا واعدة ورائعة بحاجة لمن يرعاها ويعتني بها، أرجو أن تجد مكانها في صفوف الاتحاد العام للكتاب، وفي معارج الابداع والادب. كما يشوب أدبنا بعض المتعلمين والمثقفين بلا أدب، وبعض الكتَّاب بلا ثقافة ومنهم طفيليون وطامعون ومتسلّقون، وبرأيي هذا طبيعي ضمن المشهد الثَّقافي العام.

يتخلَّل المشهد هذا النزف الهائل من الكتابات الأدبية، وهذا العدد الصَّغير من الكتَّاب الّذين لم يتأدبوا ولم يُجيدوا كتابة الأدب، الأمر الَّذي أحدث نوعًا من البلبلة وسوء الهضم عند الكثيرين من الأدباء والنُّقاد وعشَّاق الأدب، وقد وصف البعض المشهد العام بالإسهال الأدبي، وقال آخرون أن الوضع أصبح لا يطاق، وراح البعض الآخر يقلّدالرحَّالة إبن بطوطةفي البحث عن الأخطاء اللغوية والنَّحويّة في طول البلاد وعرضها، غير مدرك أنَّ حرف الدَّال هو الفاصل بين النَّقد وبين النَّق وكاتب النَّق لا يستحق هذه الدَّال ولا الدَّال الغائبة، وعمد البعض إلى تجاهل النصوص الأدبية الجميلة من أجل إظهار قتامة المشهد، مشككًا في كل شيء، في حملة غير مسبوقة لتشويه المشهد الثَّقافي والأدبي، بتوجههم القاتم، نرجسيتهم الطاغية لإثبات صدق مواقفهم وتدعيم نصوصهم وإلغاء غيرهم،

للأدب بعد إنساني وعمق فكري، وجمال روحاني صادق، يدخل القلب والعقل والرّوح دون استئذان، يجب احترامه واحترام حضوره، أيًا كان مرسله أو كاتبه أو بواعثه، فأين نحن من هذا المشهد!

معارج الابداع في الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الكرمل 48، هذا ما أردت الولوج إليه وكنت مضطرًا لقراءة المشهد العام كما هو ، وعليه فالاتحاد ينطلق من مسؤولية وطنية جامعة حافظة للهوية، وراسمة لعالم الفكر والثقافة والأدب في إطار  جمعي نضالي وحدوي ، هذا الإطار الوحدوي الجامع والحامل لكلّ ألوان الطَّيف الفلسطيني الجميل وبكل الوسائل المتاحة أمامه، بقدراته المتواضعة، يعمل على نشر الثّقافة والأدب من خلال مجلتهشذى الكرملوموقعه الالكترونيالكرمل 48 ” على نشر الكلمة الوطنية الصَّادقة والفكر  التحرري النيِّر ، تَحمَّل عبء المشهد وأخذ بيد الكتَّاب المتمرّسين والمبتدئين، ودعمهم لتطوير مهاراتهم، وكشف مكامن إبداعاتهم،  والأخذ بيد الكتاب أيًا كان انتماؤهم الفكري  والسياسي والأدبي شرط أن يكونوا في الصّف الوطني الحامل والحامي لهويّتنا الوطنيّة، والمدافعين عنها بالكلمة الحرّة أمام جبروت الاحتلال الّذي يعمل على تقويضها وقلعها من الجذور ، فآلينا على أنفسنا حفظها وتطويرها والاعتناء بها كاطار وطني ثقافي أدبي جامع.

هؤلاء الكتاب في معارج إبداعهم قد يخطئون وقد يصيبون، قد يكتبون أجمل الأدب وأرقى العبر، وقد يزلون ويخطئون فلكل جواد كبوة، والطريق طويل، وأظن أننا في طريق غسان وعلى هديه وبوصلته نحاول أن نتلمَّس الطَّريق، قد نخطئ وقد نصيب. يقول عدنان عن أخيه غسان  لم ينضبط بالتقويمات السياسية التي ينتمي إليها، بل كان ممثلًا لضمير الشَّعب بامتياز، واستطاع أن يدخل إلى العمق الإنساني للقضيةص 5، ونحن نحاول أن نسلك نفس الطريق وعلى هديه.

ومن هذا الوصف لمنطلقات ورؤية الاتحاد، الآخذ بيد الكتَّاب والاعتناء بكل جديد في عالم الأدب، وتشجيع الجيل الشَّاب منهم، وفتح المجال لإبداعاتهم وتطوّرهم، وإغناء مكتبتنا الفلسطينية، بأجمل الإبداعات، في جعبتنا الكثير من البرامج التّطوعية الدّاعمة في هذا الصرح الثقافي الجميل، مثل مسابقة الاتحاد لطلّاب المدارس في مجال الإبداع الأدبي واختيار النصوص  الجميلة، زيارة المدار س لإحياء يوم اللغة العربيّة في طول البلاد وعرضها، ومؤتمرات أدب الطفل وأدب المرأة والثقافة العامة  ومناقشة الابداعات الجميلة في برنامج بين طيَّات الكتب الذي أُقدّمه باسم الإتّحاد، وغيرها من الأمسيات الثقافية والاشهار ات للعديد من الكتاب ، وتكريم بعضهم على انتاجهم الأدبي واصداراتهم وأعمارهم وهذا غيض من فيض. وكان شعارنا أن لا نستثني أحدًا وندعم الجميع من منطلق أنّ القارئ هو الحكم وهو القادر على اختيار الأدب الجميل وهو الحافظ له في الذّاكرة الجمعية للمجتمع وقد سِرنا على هدي الآية القرآنية الكريمةفأمَّا الزَّبدُ فيذهبُ جفاءً وأمَّا ما ينفعُ النَّاسَ فيمكثُ في الأرضِ“.

ان نشر ما كتبه غسان في بداياته قد يكون دليلًا للنَّاشئة، ونستطيع من خلاله الاطلاع على البدايات أن نتلمّس مسيرة غسّان الأدبية وفعل التطوّر الَّذي هيأه ليحتل الموقع المتقدم. ثم أعتقد أن الاطلاع الواعي على بدايات غسّان قد يؤسس لفهم جديد لإبداع غسّان، وقد يفتح أقنية جديدة لدارسي أدب غسّان.  وقد يكون في نشر هذه الأدبيات معلومة ومتابعة لتطوّر غسّان تصل إلى كل مجتهد ليسلك طريق الدراسة والكتابة بجهد ليحقق مرحلة نضوج تؤهله ليتبوَّأ المكان اللائق في هرم الإبداعص: 6. وبهذا فإنَّ معارج الإبداع عند غسّان كنفاني تدلُّ على مشروع أدبي وفكري متكامل، استطاع أن يرتقي باللغة والموضوع والرّسالة إلى مستويات تتجاوز حدود الزّمان والمكان، بالوعي القادر على مقاومة المحو، واستعادة المعنى في عالم يتآكل فيه المعنى، فتعالوا معًا نسير على هدي مسيرة غسان وفي معارج إبداعه.

المقال نشر ايضا في مجلة شذا الكرمل الورقية العدد الاخير …

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

جديد الأخبار
  • اعلان مربع اصفر
  • عكانت مربع احمر