المتآمر على فلسطين هو متآمر على الامة كلها
كل انسان عنده قيم أخلاقية نبيلة يشعر بالصدمة والالم والحزن على ما يرتكب بحق أهلنا في قطاع غزة من جرائم مروعة بحق الإنسانية .
ففي الوقت الذي فيه كل شعوب الأرض تأكل وتشرب وتعيش حياتها الطبيعية ، وهذا حقهم فإن اكثر من مليوني انسان في قطاع غزة يحرمون من ابسط مقومات الحياة ولا يجدون قوتا لابناءهم وماء صالحا للشرب ودواء لمرضاهم .
ان الحال الذي وصلت اليه غزة اليوم يشير وبشكل واضح الى حالة تقهقر وتراجع في القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة لدى الكثيرين في هذا العالم الذين تخلوا عن انسانيتهم وعن قيمهم وهذا ما اوصلنا الى ما وصلنا اليه في القطاع .
اين هم العرب من كل هذا ولا اقصد بذلك الحكام فقط بل الشعوب فكيف يمكن ان تكون هنالك مظاهرات كبرى في العالم في العواصم والمدن العالمية دون ان نرى وان نلحظ مظاهرة سلمية واحدة في عواصم عربية .
كيف يمكن ان تكون هنالك مظاهرات كبرى في تل ابيب يشارك فيها العرب واليهود معا مطالبين بوقف الحرب في حين ان الشعارات التي رفعت في مظاهرة تل ابيب لم نراها ولم نسمع بها في أي عاصمة من العواصم العربية ، وبالطبع هنالك بعض الاستثناءات دون ان نعمم .
ما هو سبب ما وصلنا اليه وما هو سبب حالة الوهن والضعف العربي وهل بالفعل تخلى العرب عن فلسطين ، وانا اعتقد جازما بأن بعضهم بالفعل قد تخلى عن فلسطين وأصبحت فلسطين ليست موجودة في قاموسهم وهم يفكرون بتطبيع للعلاقات واتفاقيات ابراهيمية حتى وان كان هذا على حساب كرامة الامة وقضيتها الأولى .
لا يمكن ان يتم اصلاح الحال العربي الا من خلال الاعتراف بمواضع الوهن والخلل فإنكار هذا الحال لا يؤدي الى تغييره والى إصلاحه والنعامة التي تضع رأسها في الرمال تظن انها في عالم اخر في حين انها في عالم الرمال .
متى سيصحو العرب من كبوتهم وانا اعود وأكرر انني لا اعمم ومتى سيكتشف العرب عدوهم من صديقهم ومتى سيكتشفون أيضا بأن المتآمر على فلسطين هو متآمر عليهم أيضا ، فلا تظنوا ان من يستهدف غزة بالحرب والتجويع يمكن ان يكون لكم صديقا .
فلا تنبهروا من التصريحات الدبلوماسية ومن الابتسامات الصفراوية فهي كلها تأتي للتغطية على ما هو اعظم واخطر بحق هذه الامة .
لو توحد العرب في مناداتهم بوقف حرب الإبادة لتوقفت ولكنهم يبدو انهم ليسوا موحدين لا حول مسألة حرب الإبادة ولا حول أي مسألة وطنية أخرى ، فبعضهم يعمل على الرموت كونترول من القابع في البيت الأبيض والذي يريد فقط جلب الأموال والتي تستعمل في التدمير والتنكيل وتأجيج الحروب والصراعات في اكثر مكان في العالم وخاصة استهداف شعبنا الفلسطيني .
مأساة غزة كشفت الكثير من الوجوه التي كنا نظن انها جميلة ولكن الحرب كشفت لنا قبحا ما بعده قبح لوجوه تخلت عن انسانيتها وقيمها وعروبتها .
من يتحمل مسؤولية حرب الإبادة ليس فقط الاحتلال الممعن في قمعه وظلمه بل هنالك شركاء معروفون وغير معروفون ولعل الشركاء الغير معروفون هم اخطر من المعروفين ، وهنالك الصامتون وصمتهم قاتل لا يقل خطورة عن المشتركين بشكل مباشر في حرب الإبادة .
عار والف عار ان تجوب العواصم العالمية مظاهرات حاشدة للمطالبة بوقف الحرب اما الشارع العربي ففي سبات عميق باستثناء بعض الاحرار الذين لم ولن تخلوا منهم الساحة العربية .
شكرا لغزة لانك اظهرتي من هو صديقنا ومن هو عدونا ومن هو المدافع عنا ومن هو المتآمر علينا ، شكرا لغزة لانك كشفتي الكثير من الوجوه القبيحة والتي كنا نتمنى الا تكون ذلك .
نتمنى ان يتغير الحال العربي وان كان البعض متشائمون فيما يتعلق بهذا الملف ولكنني على الصعيد الشخصي لست متشائما ولست متشائلا فالحال العربي يمكن ان يتغير نحو ما هو افضل ونتمنى ان نشهد صحوة امام هذا المد الهائل من المؤامرات والمشاريع الاستعمارية لكي يكون العرب اكثر عروبة وإنسانية وحرصا على قضاياهم الوطنية وعلى اقطارهم ودولهم التي هي ليست بمنأى على المؤامرات فالمتآمر على فلسطين هو متآمر على الامة كلها .
المطران عطا الله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
القدس 8/8/2025