اللامركزيّة الإداريّة في سوريا هي الحلّ المرئي الدروز والعروبة والإسلام والدويلة وثالثة الأثافي… بقلم: سعيد نفاع

سعيد نفّاع

اللامركزيّة الإداريّة في سوريا هي الحلّ المرئي

الدروز والعروبة والإسلام والدويلة وثالثة الأثافي

وقفات على المفارق

الوقفة الأولىمع حقّ تقرير المصير

ميثاق الأمم المتّحدة: أ. المادة ١ (٢) – المساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها: تنص المادة على أن أحد الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة، وبالتالي مجلس الأمن، هو تنمية علاقات دولية وديّة قائمة على احتراممبدأ المساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها“. هناك بعض الاستثناءات والقيود على حق تقرير المصير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوحدة الإقليمية للدول القائمة.

فعن أيّ شعبٍ يتحدّث من يطرح هذا الأمر في جبل العرب، وماذا مع قيد وحدة الدولة القائمة إقليميّا؟!

الوقفة الثانيةودولة جبل الدروز الفرنسيّة

دولةدرزيّةأعلنهاالانتدابالفرنسيعلىسوريافيالفترةمنعام 1921 وحتى عام 1936، تحت الوصاية الفرنسية ولم يكن لها من الدولة إلّا الاسم. تشكلتالدولةالدرزية في 1 أيّار عام 1921، في حين تم إنشاء دويلات أخرى في أجزاء أخرى من الانتداب السوري (العلوية والشاميّة والحلبيّة). كان هذا هو الكيان الدرزيّ الأوّل الذي تمتّع بِـالحكم الذاتي“. ضمّ هذا الكيان وقتها جبل العرب والقرى المحيطة به. بعد عودة سلطان الأطرش من منفاه على إثر الثورة العربيّة السوريّة الكبرى 1925-1927، توقف جبل الدروز عن الوجود ككيان مستقل وتمّ دمجه في سوريا نتيجة للضغط القومي السوري بموجب المعاهدة الفرنسية السورية لعام 1936 بعد أن نجحت القوميّة السوريّة في نضالها ضدّ التقسيم بإعادة توحيد كامل الكيانات التي فرضتها فرنسا وكان لِـ سلطان الأطرش الدور الحاسم.

الوقفة الثالثةمع الدويلة الدرزيّة المنشودة وثالثة الأثافي

يوم 11 كانون الأولّ 2024 غداة سقوط نظام الأسد كتبت قراءة للمشهد رأيت فيها أنّا أمام تخوّف مسنود جيوسياسيّا للعودة إلى المخطّط الفرنسي القديم لتقسيم سوريا إلى أربع أو خمس كانتوناتدويلات (الكانتون هو تقسيم إداريّ صغير مساحة وقليل عدد سكّان)، أحدها درزيّ إسرائيليّ الهوى وربّما أردنيّ. ورأيت أنّ هذا التقسيم الميدانيّ سيبقى إلى أجل غير مُسمّى، وبغضّ النظر عن النوايا ومهما طابت، إن لم يحدث تطورٌفوق العادة“… وإلى أن يفعل الله أمرًا كان مفعولا!

لامني كُثر على قولي عن هوى ال-“دويلةالدرزيّة الإسرائيلي، لكنّي وللحقيقة لم يكن اجتهادي هذا وليدمغامرة نظريّةوإنّما قراءة لما حولي، ومع هذا لم أتخيّل أن اجتهادي هذا كان أقرب وأسرع كثيرًا ممّا توقعت. كانت لِـدوليةالجبل أثفيتان اثنتان جاهزتين منذ زمن طويل؛ الأولى: إسرائيل وأدواتها وما استثمرت في الجبل، والثانية: أدوات لها هنالك استُثمر فيها الكثير وأتى أُكُلَه، وحطب النار كان جاهزًا ينتظر الإيقاد حين تتوفّر الثالثة. ظلّت الثالثة عصيّة على الوجود إذ منع الموقف العروبيّ الوطني لغالبيّة رموز وأهل الجبل الوصول إليها، فكان لا بدّ من ضرب هذا الموقف، فجاء باكو-1 وبعده باريس وتبعه باكو-2، فوفّرت مخرجاتها ثالثة الأثافي وَركِْب الدِّسْتوعلا أوار النار. دفعت إلى ذلك قطعانذوات الحافرينجاعلة محتوى الدّسْت ووقود النار تحته دماء أبناء وبنات الجبل وهتك أعراضهم وحرق ديارهم، وقد طغت الفظائع على الموقف العروبيّ الوطني وتراجع.

الوقفة الرابعةمع الحصار والمقوّمات

من عمل وتوافق على وقف إطلاق النار بِـكبسة زرّ” (توم باراك وديرمر والشيباني وبيدرسون) كان هو القادر، وما زال، على فكّ الحصار بِـكبسة زر“. لمَا لم يفعلها حينها؟! وإلامَ ينتظر؟

وبغضّ النظر فهذه الدويلةلا مقوّمات لها ولن تكون؛ لا اقتصاديّا ولا ديموغرافيّا؛ فَـ %40 من مساحة المحافظة تحت سيطرة النظام (32 قرية في الشمال الغربيّ محروقة و-4 أو أكثر في الجنوب والجنوب الشرقي حماية!) وَ – %60 محاصرٌ ومجوّع، وحسب تقرير مبعوث الأمم المتّحدة لمجلس الأمن من يوم 28 حزيران 2025 في ال-%60 هذه ومنها 175 ألف مهجّر، وحسب بيان الرئاسة من يوم 10 آب 2025 فالعدد 192 ألف. إضافة إلى أنّ ما يناهز ثلث دروز سوريّا ليسوا من سكّان الجبل، ولذا لن تقوم لها قائمة ومهما فرك أصحاب المصالح وأدواتهم الأكّفّ هناءً، وإنّ غدًا لناظره قريب!

مساحة المحافظة الإجماليّة 5550 كم2، بأرضها ووعورها ولجاتها وصحرائها.

375,000 نسمة الدروز فيها (%90) حسب آخر إحصائيّات رسميّة عام 2010 من معهد واشنطون لسياسة الشرق الأوسط. (نسبة الزيادة السكانيّة في سوريّا لم ترتفع إلّا بنسب ضئيلة خلال الحرب).

250,000 نسمة في الشام وضواحيها (جرمانا وصحنايا وأشرفيّة صحنايا وغيرها).

30,000 نسمة في قرى جبل الشيخ.

25,000 إدلبجبل السماقّ.

فأين سيكون مصير ال %40 من الدروز الذين خارج الجبل؟! هل سيرحّلون مثلًا ويستوعبون في الدويلة؟!

عاشت دولة الأمير سليم الأطرش 15 سنة تحت الوصاية الفرنسيّة، فكم ستعيش دولة الشيخ الهَجري وتحت أيّ وصاية؟!

الوقفة الخامسةمع التحقيق الدولي والبيادق والشاه

ما دام المجتمع الدوليّيتشتشالنظام الجديد في سوريّا رافعًا إيّاه على كفوف الراحة، فالكُرد والعلويّون والدروز وحتّى السنّة ما هم إلّا بيادق على لوح شطرنج يحرّكه لاعبان اثنان؛ أميركا وإسرائيل وآخر ثانويّ؛ الشرع حماية لِـالشاه، والأمم المتّحدة وتركيّا ودول عربيّة حكّام مراقبون!    

يوم 28 تمّوز 2025 بحث مجلس الأمن الدولي الوضع السوري على خلفيّة مقتلة السويداء مستمعًا إلى إحاطة مبعوثه لسوريا، ويوم 10 آب أصدر الرئيس بيانه بإجماع ال-15 دولة في المجلس ومن بنود دُررِه؛ المساواة بين الجلّاد والضحيّة، وأيضًا“:

  • الدولة السورية ذات السيادة يجب أن تحتكر في نهاية المطاف الاستخدام المشروع للقوة وأن تعمل في ظل سيادة القانون. لقد ورثت السلطات الحالية بيئًة مزقتها أربعة عشر عاما من الحرب وعقودا من سوء الحكم، مع وجود العديد من الجماعات المسلحة والقوات غير النظامية والمدنيين المسلحين، إن هيكلاً أمنيا مجزأ مليئا بالميليشيات ومفتقرا إلى قيادة واضحة لا يمكن أن يحافظ على السلام.
  • يرحب المجلس بالبيان الذي أصدرته السلطات السورية المؤقتة وأعلنت فيه إدانة أعمال العنف واتخاذ إجراءات للتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنهاوأكد من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وأهاب بجميع الدول أن تحترم تلك المبادئ.

هذا هو الموقف الدوليّ أفبعد هذهالتشتشة” “تشتشة؟! فعلى الحالمين أحلام يقظة في الجبل أن يستفيقوا قبل فوات الأوان!

الوقفة السادسةمع أهل مكّة وما العمل واللامركزيّة الإداريّة؟

أهل مكّة أدرى بشعابهاهذا صحيح. ولكنّ التاريخ علّمنا أنّ أهل مكّة وإن كانوا أدرى بشعابها لكنّهم ضيّعوها حين حطّ بينهم الرسول (ص)، وحكايتهم معه البيّنة التي ما زالت ترويها الأيّام حين تَظْلمُّ الشعاب، ولنا فيها العبرة!    

وعودة على عنوان الوقفةفعن سؤال: “ما العمل؟أنا لست في موقعٍ أستطيع فيه أن أقرّر ولا أن أنصح، ولكنّي أستطيع أن أقرأ!

اللامركزية الإدارية هي نظام يتم فيه توزيع السلطة والمسؤولية الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية، مما يمنح هذه الهيئات استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات وتنفيذها على المستوى المحلي. هي عملية نقل بعض الصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة المركزية إلى مستويات إدارية أدنى، مثل المحافظات، البلديات، أو حتى المناطق. هذا يعني أن هذه المستويات المحلية لديها القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها فيما يتعلق بالشؤون المحلية، مع بقاء الحكومة المركزية مسؤولة عن القضايا الوطنية. فاللامركزيّة الإداريّة هذا أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الجبل وعلى ضوء؛

  • كلّ ما تقدّم.
  • الفظائع في السويداء والساحل وباب توما في الشام، والتي أدّت إلى اهتزاز ثقة عميق إن لم يكن انعدام ثقة كليّ، بين قطاعات واسعة من الشعب والحكم المركزي.
  • التحدّي الذي تمثّله قسد (قوّات سوريا الديموقراطيّة) في الشمال الشرقيّ.
  • المصلحة الإسرائيليّة. لن تفرّط إسرائيل في مكسبها الاستراتيجي عتيق الأيّام، فقد كانت أجمعت، بعيد انطلاق الأزمة السوريّة في آذار 2011، كلّ الفاعليّات؛ الأمنيّة والسياسيّة والبحثيّة على: “إنّ في حال صعود المعارضة إلى سدّة الحكم في سوريّة فإنّها سوف تدفع باتّجاه إبعاد دمشق عن إيران وحزب الله اللبناني، إضافة إلى أنّ رموز هذه الحركة من خلال علاقاتهم مع النخب الأردنيّة والسعوديّة والنخب التركيّة، والأميركيّة والغربيّة الأوروبيّة، سوف يعملون باتّجاه بناء أفضل الروابط مع أميركا وبلدان أوروبا الغربيّة. وإذا أضفنا إلى ذلك الحقيقة القائلة إنّ دمشق البديلة سوف تكون دمشق الضعيفة، فإنّ خيار صعود المعارضة السوريّة هو الأفضل لإسرائيل.” (كنت كتبت عن هذا في آب 2011)

هذا كافٍ، وزد عليه إن شئت، كي يحتّم حلّا هو وليد اضطراريّشرعيّللحالة السوريّة؛ أقصاهلامركزيّة إداريّة“. أمّا شكلها وجوهرها فهما للشعب السوريّ، ولكن في الوضع الذي استجدّ فأيضًا للاعبي الشطرنج وشطارتهم، والحكّام؛ دول الخليج والأردن وتركيّا حتّى لو غضّوا الطرف!   

لم تُعطَ النبوءات إلّا لأصحابها، ولكن اعتبرها عزيزي القارئ أُمْنِية بلامركزيّة إداريّة أو معها. لا أرى الدروز إلّا جزءًا من هذا الشرق؛ جزءًا عروبيّا قوميّا إسلاميّا، ولا أرى الجبل إلّا جزءًا من سوريا بحكمٍ لامركزيّ إداريّ مرحليّ من خلال التوافق والتعايش بين أبناء الشعب السوريّ كلّهم؛ من القامشلي شرقًا إلى اللاذقيّة غربًا والسويداء جنوبًا والشآم في القلب.

الوقفة السابعةمع يوسف العظمة وميسلون والأطرش والتاريخ

قال يوسف العظمة حين خرج إلى ميسلون عام 1920 على رأس ثلّة من الجيش العربي السوري لمواجهة جحافل الفرنسيّين الزاحفة نحو الشام لمعركة غير متكافئة؛ عدّة وعتادًا قال: “كي لا يكتب التاريخ أنّ فرنسا دخلت سوريّا دون مقاومة، واستشهد ورهط كبير ممّن كانوا معه مقاومين. وكيّ لا يكتب التاريخ أنّ درب سلطان الأطرش العروبيّة القوميّة أكلتها الحيوانات ثنائيّة الأرجل وحلفاؤها؛ الذين شكّلوهم (الغرب) وموّلوهم (الخليج) وعالجوهم وداووهم و… (إسرائيل). فلنُذَكّر: أنّه في ثورة سلطان الأولى 1922 (أدهم خنجر) “طالت الإجراءات القمعيّة جميع الأماكن التي مرّ بها سلطان ورفاقه فدُكّت كلّ قرية مرّ فيها، ويا للتاريخ وآياته فالمعركة الأولى التي قادها سلطان على رأس الثوّار، في الميدان تحت الرصاص ليس من غرف عمليّات، كانت؛ تل الحديدحتّى أنّ السلطة لجأت إلى رؤساء الدين وأجبرتهم على توجيه كتاب تمّ تعميمه على جميع القرى يتّهم سلطان وأعوانه بالتخريب وينذر من يتعاون معه بالحرم الديني” – (تيسير أبو حمدان، بنو معروف في واحة بني هاشم).

يستطيع سلطان أن يقرّ عينًا ورفاقه الكُثر في صرحهم في القْريّا أنّ العروبة القوميّة التي نادى بها ستنطلق كالعنقاء العربيّة من بين الرماد ومهما سَمُك! فلن يكتب التاريخ، ورغم الفظائع، أن سلطان الأطرش كان واحدًا أوحدًا في الجبل لا يرضى إلّا سوريا العربيّة القوميّة الواحدة، فالجبل ولّاد!

سعيد نفّاع

أواسط آب 2025

      

     

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

جديد الأخبار
  • اعلان مربع اصفر
  • عكانت مربع احمر