انفصام – قصة رمزية فلسفية
في مدينةٍ يسكنها صمتٌ كثيف، عاش رجل يُدعى سليم. كان الناس يرونه رجلاً واحدًا، لكن داخله كان يضجّ بأصوات متناحرة.
في الصباح، يستيقظ على وجهٍ باسمٍ يضيء كلّ من حوله، وفي المساء يخلع ابتسامته كما يخلع ثوبه المبتل، ويجلس معتمًا كقمرٍ مكسور.
كان يحمل في جيبه مرآتين صغيرتين:
-
واحدة تعكس صورته كما يريدها للناس؛ متماسكة، مطمئنة، واثقة.
-
وأخرى تعكس صورته كما يراها هو؛ متشظية، متكسّرة، كزجاجٍ سقط من علوّ شاهق.
كلّ مرآةٍ تدّعي أنها الحقيقة.
وكان سليم يتيه بينهما، لا يعرف أيّهما يصدّق: وجهه الذي يراه الآخرون، أم وجهه الذي ينزف في أعماقه.
ذات مساء، جلس على جسرٍ قديمٍ يربط ضفّتين متباعدتين. في الضفّة الأولى، عاش الناس مجتمعين يتحدثون لغة واحدة، وفي الضفّة الثانية، لم يكن أحد إلا ظلالًا تتجادل بلا توقف.
حين نظر أسفل الجسر، رأى النهر منقسمًا إلى مجريين متوازيين، كلاهما يتدفقان نحو البحر، لكن كل واحدٍ بلون مختلف.
فهم عندها أن انفصامه لم يكن مرضًا، بل كان مرآةً للكون نفسه: كل شيء مزدوج، كل شيء يحمل نقيضه في داخله.
النور لا يقوم إلا على الظلمة، والاتساق لا يولد إلا من الفوضى.
ابتسم أخيرًا، لا لأنه وجد الجواب، بل لأنه أدرك أن التمزق جزء من إنسانيته، وأن الوحدة المطلقة وهمٌ لا يسكن إلا عقول الآلهة.
ثم قام، ترك المرآتين على الجسر، وسار نحو البحر، حيث يلتقي النهران، لعلّه يجد هناك وجهًا واحدًا يكفيه