• ذباح

الفَتح والجلبوع وجبل العرب والتهجير… وقفات على المفارق…

سعيد نفّاع

الفَتح والجلبوع وجبل العرب والتهجير

وقفات على المفارق

الوقفة الأولىوجامعة الجلبوع.

الجلبوع؛ هذا الجبل الجميل في بلادنا والمطلّ على ميدان معركة من أهمّ معاركنا التاريخيّة؛ عين جالوت، صار اسمه يقترن في مشهدنا بسجن يلتهم حريّة أحفاد أبطال عين جالوت؛ أسرى الحريّة، بدل أن يقترن بزنبقتهالآذاريّةالنيسانيّةالنادرة الخلّابة. لا أعرف إن كان السجّان صمّم شكل البناء بحيث لا يستطيع الأسير فيه أن يرى من باحاته الجبل، اللهم إلّا أنّ جزءًا يسيرًا من القمّة يطلّ عليك من زاويةالفورةلأحد الأقسام، يعيدك إلى ذكريات والزنابق.

أثمرتمعارك الأمعاءأن يكسب الأسرى في هذا السجن عام 2015م الحقّ في إعادة التحصيل العلميّ بعد أن كان سُلب هذا الحقّ عقابًا على اختطاف المجنّد؛ شاليط قبلها. لكنّ رضوخ الإدارة هذه المرّة جاء اكتفاءً لـشرّهموَمكره أخاك لا بطلوشرط الامتناع عن مدّ أيّ عون؛إن قْدرتم تْدّبروا حالكم فدبّروا!”. لم تطل المدّة حتّى دبّر الأسرى حالهم؛ تبنّت جامعة القدس العربيّة المشروع والموضوع؛العمل الاجتماعيّ، واعتمدتْ أربعة من الأسرى حملة الشهادات الجامعيّة في خمسة مواضيع، كنت أحدهم. (عادت حليمة بعد 7 أكتوبر لعادتها القديمة طبعًا!)

كان جاءني المُركّز الجِنينيّ؛ أحمد إلى القاووش (خرج مؤخّرا في صفقة التبادل) والبسمة العريضة تزيّن وجهه قائلًا: “بدنا نمون عليك ونحمّلك موضوعين بدل موضوع؛ اللغة العربيّة والتاريخ الفلسطينيّ“. لا أعرف إن كان أحمد عرف ما انتابني حينها من إحساس، وانطلقنا صفّا جامعيّا من 23 طالبًا يحاربون الأسلاك والقضبان بقلم رصاص!

الوقفة الثانيةما بين الفتح والاحتلال.

اتّبعت مع الشباب أسلوب التدريس بالكتب المفتوحة والأطروحات لا الامتحانات التقليديّة. تقدّمنا في تاريخ فلسطين وكان يوم أن اشرأبّت عيونطلّابيحين بادرتهم في نهاية أحد اللقاءات: “هل فتح المسلمين فلسطين كان احتلالًا؟!” هذا ما سيتناوله كلّ منكم بـالوظيفةوالنقاش للّقاء القادم، واستدركت في وجه العيون الشاخصة: “لا أعبّر هنا عن رأي، ولا يهمنّي الخلاصة التي سيصلها كلّ منكم، ما يهمنّي هو كيف سيصل إليها تعليلًا“. صار الموضوع حديثالفورةاليوميّ بين النزلاء والأسئلة والتساؤلات وذهب البعض بعيدًا. الواقع أنّ بعضًا قليلا جدّا منالطلّابوصل في اجتهاده إلى أن الفتح الإسلاميّ في فلسطين كان احتلالًا كأيّ احتلال ممّا أضفى على الدرس نقاش حامي الوطيس.  وبغضّ النظر نال كلّ منهم علامته التي يستحقّ بغضّ النظر عن الخلاصة.

الوقفة الثالثةوبلاد العُربِ أوطاني وجبل العرب!

ما أقضّ مضجع هذه الذكرى في ذاكرتي، هو ما يتفتّق عنه ذهن بعض الكتبة الإسلامويّين والـالمثقّفينالعرب والسوريّين إتحافًا لنا بعدم أصلانيّة الدروز في الجبل، وما هم إلّا مستوطنون جدد جاؤوا إلى أرض ليست لهم. بزّ بعض هؤلاء الكتبة بعضٌ راح يستل من خزائن عتيقة مهترئة تأريخًا لأهالي حوران وأصلهم القبليّ من الجزيرة وزمن تواجدهم في المنطقة، وبالتالي حقّ أولويّتهم!     

وعودة على الفتح والاحتلال. فتحًا كان المدّ العربيّ الإسلامي أو احتلالا لكنّه كحقيقة تاريخيّة ترافق مع انتقالات سكانيّة كانت كثيرة؛ جماعات وأفراد وبحريّة كاملة، وكانتبلاد العرب أوطانيليس كما في زمان سايكسبيكو طبعًالا؟!

إن كان هنالك بعض من يرعو، وما دمنا في الـتأريخ فلعلّ فيه عبرة رغم قول نابليون فيه: “إنّه الأكذوبة أو الحكاية التي نتّفق عليها“!

تعرّض دروز فلسطين للترحيل على يد الحركة الصهيونيّة، مرّتين؛ سكّان الجاعونة الدروز عام 1882 والمطلّة عام 1896، وفي أواخر ثلاثينيّات القرن الماضي جندت الحركة الصهيونية كل نشيطيها في الشمال للعمل على تنفيذ خطة لترحيل من تبقّى من دروز فلسطين وإلحاقهم بتحالف أقليات يضم الدروز في الجبل بعد أن يرحّل دروز فلسطين إليه، ويضم العلويين في جبال العلويين في الشمال والأكراد في الجزيرة، وقد رفد بن غوريون النشطاء في الشمال بدوف هوز نائب رئيس بلدية تل أبيب، ووجههم ألا يفوتوا هذه الفرصة. وقد حضّر إلياهو إفِشتاين المسؤول في القسم السياسي في الوكالة اليهودية والمتخصص في شؤون سورية ولبنان تقريرا تحضيريا جاء فيه:

إسكان الدروز في الأراضي المتروكة في الجبل يجلب الفائدة الاقتصادية للجبل ويمنع تسلط البدو عليهاسكان الجبل حوالي 70 ألفا منهم 57,764 من الدروز، 6 نسمات للكم المربع، يعني اخفض النسب من الاكتظاظ في أرض الانتداب الفرنسي وإضافة 10 آلاف درزي من أرض إسرائيل إمكانية سهلةهذا يقوي الدروز في الجبل سياسيا ويقوي مطالبهم بالاستقلال الذاتيالمزارعون الدروز يأخذون القروض من تجار دمشق الأغنياء في سنوات القحطتحسين وضعهم الاقتصادي يحررهم من ذلك” – (أرشيف الهجناه تل ابيب، الوثيقة 5أ-8ب.)    

الجماعة، قل عنهم ما شئت،كْثير كانوا تعبانين في الدراسات وأشطر منّا، يعني وبالنتيجة: بقيّة سكّان الجبل 12,236 نسمة من البدو والمسيحيّين. فكيف يصحّ اليوم أن ينبري بعض الكتبة الإسلامويّين وغيرهم من السوريّينالمثقّفينيبحشون في التاريخ ليقرّروا أنّ الدروز في الجبل مهاجرون حديثًاطبّواعلى أرض البدو ورحّلوهم؟!     

  وإن أردت أن تستزيد، ففي ولاية جبل الدروز حسب الإحصاء الفرنسي في 1921-1922م كان التعداد كالآتي؛ موحِّدون دروز 43,000 (84.8%)، مسيحيّون 7,000 (13.8%)، مسلمون سُنّة 700 (1.4%). إذا عطفنا ذلك على الإحصاء الصهيوني نرى أنّ الأعداد ليست من المرّيخ!                

صحيح أنّ أوّل انتقال للدروز إلى الجبل كان عام 1685م على شكل سريّة من سرايا فخر الدين المعنيّ، ولاحقًا 1711م بعد معركة عين دارا القيسيّة اليمنيّة وثمّ 1803 حملات الجزاربشير، وبعدها الصدامات المارونيّة الدرزيّة في لبنان 1860م، ولكن أبدًا كانت الهجرة لقرى مدمّرة في الجبل وأراضٍ فارغة من السكّان اللّهمّ إلّا من بعض قليل من عشائر بدو رّحّل.

الوقفة الرابعةوالتهجير والتهجير المُضاد.

تستطيع أن تقف الموقف الذي تريد من أزمة الجبل؛ أن تقدّس البعض وتصلّي عليهم أو أن تكفّرهم تخوّنهم، ولكن أبدًا لا تستطيع أن تنكر أنّ التهجير الأخير لأهل الجبل؛ الدروز والبدو وبغضّ النظر عن الخلفيّات والأسباب والأعداد وشكل الترحيل؛ طواعيّته أو إجباريّته، والتي صار الحديث فيها من نوافل القولبالمعنى الإنشائي لا الجوهريهي جرائم ضدّ الإنسانيّة كان من كان مرتكبوها. أمّا أن تصير النتائج مدعاة لأحقيّة في وجود فهذه جريمة أكبر. أمّ أنّبلاد العرب أوطني!” بطُلتكُرمىلجهالتنا وصحّ فينا قول عمر ابن كلثوم في معلّقته: “أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـافَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا“.

الوقفة الخامسةوالـ 5786ع. والـ 1447ه.!

إذا كان هذا هو المعيار وأصل الحقّ في الأرض والوجود، فماذا أبقيتم للحركة الصهيونيّة وماذا ستقولون لها وهي التي تدّعي: أنّ منبع حقّها في أوطاننا عمره: 5786 سنة، بينما الإسلام جاءها فاتحًا قبل 1447 سنة؟!      

سعيد نفّاع saeid-naffaa.com

18 تشرين الثاني 2025

7208450-050 و– sa.naffaa@gmail.com

   

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

جديد الأخبار
  • اعلان مربع اصفر
  • عكانت مربع احمر