عكا: الحملة المصرية على سوريا عام 1831 وحصار مدينة عكا

 

مسار الجيش المصري إلى الشام بقيادة إبراهيم باشا… الحملة المصرية على سوريا 1831م‎

 

كانت سوريا جزءا أصيلا من مشروع الاستقلال عن الدولة العثمانية الذي طالما راود عقل محمد على باشا، من بعد اعتلاءه عرش مصر بسنوات خمس، منذ عام 1810 بحسب ما يشير ويدلل المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي في كتابه” عصر محمد علي”، لكونها تشكل حاجزا حصينا بين مصر والدولة العثمانية تتقي به مصر شر تركيا إذا ما فكرت في غزو مصر.
يشير الرافعي إلى أن انهماك محمد علي في حروبه التي خاضها لحساب السلطنة العثمانية في الحجاز، والسودان، واليونان، هو ما صرفه عن سوريا برغم طلبه ولايتها من السلطان خلال الحرب ضد الوهابيين بحجة حاجته إلى مدد منها خلال قتال الوهابيين. وأن أغراضه منها لم تكن سياسية فحسب بل كانت اقتصادية أيضا.
بعكس باقي فتوحاته، لم تكسب مصر من الحرب اليونانية أي شيء، وقد أرادت تركيا تعويض محمد علي بإسناد جزيرة كريت إليه لكنها لم تكن ذات قيمة، بالنسبة لمحمد على فلم يكن من السهل حكمها لنزوع أهلها للثورة والعصيان. وفقا للرافعي لم يكتم محمد على نيته عن السلطان بطلب ضم سوريا لكنه لم يجبه في طلبه، فعزم محمد علي على أن ينالها بالسيف لذا تذرع برفض عبدالله باشا والي صيدا وعكا إرجاع المصريين الذين هاجروا فرارا من الضرائب والخدمة العسكرية، حيث كتب له محمد علي يتوعده ويعلمه بقدومه ليعيدهم يزيدون واحدا وهو عبد الله ذاته.
في أكتوبر من العام 1831م، أصدر محمد علي باشا أوامره بتحرك حملة عسكرية إلى الشام بقيادة ولده إبراهيم باشا، قوامها 30 ألف جندي مقسمين إلى 6 لواءات مشاة وأربعة لواءات من الفرسان، مجهزين بالذخائر والمدافع والمؤن. وفي 29 أكتوبر بدأ الجيش في التحرك برا من معسكر الخانكة مرورا ببلبيس و وبئر العبد والعريش وصولا إلى خان يونس وغزة، وبحرا من الإسكندرية إلى يافا.
مع دخول القوات البرية للجيش المصري إلى غزة بعد فرار جنود العثمانيين منها، ثم إلى يافا وإخلائها من الحامية التركية، كانت القوات البحرية بصحبة إبراهيم باشا، قد تحركت من الإسكندرية وصولا إلي يافا. رست السفن المصرية في حيفا وأنزلت بها الذخائر والمدافع والتقت القوات البرية بالبحرية، حيث اتخذ إبراهيم باشا من حيفا قاعدة له وشرع في مهاجمة عكا.

كان من الأسباب المباشرة للحملة علي الشام رفض عبد الله باشا والي صيدا، طلب محمد علي بإرجاع نحو 6 آلاف مصري هاجروا فرارا من الضرائب والخدمة العسكرية الإلزامية، حيث رفض والي صيدا محتجا بكونهم رعايا عثمانيين بحق لهم الإقامة لديه، مما أغضب محمد علي
حصار عكا
في 26 نوفمبر 1831، بدأ حصار الجيش المصري لمدينة عكا برا وبحرا، وكانت مدينة منيعة بها حامية من 3 ألاف مقاتل وحصينة لم تؤثر فيها نيران المدافع التي أطلقت لأيام على أسوارها وحصونها، لترد الحصون بنيران أحدثت أضرارا ببعض السفن المصرية، اضطرتها للرجوع إلى الإسكندرية لإصلاح ما أصابها، وخلال مدة 3 أشهر استعصت فيها عكا على الجيش المصري، سيطرت فرقة منه دون مقاومة على كل من صور وصيدا وبيروت وطرابلس شمالا، وكذا سيطرت كتيبة أخرى على مدينة القدس جنوبا.

 وأمام تقدم الجيش المصري، أرسل الباب العالي مندوبا إلى محمد علي باشا يطلب منه وقف القتال. لكن محمد علي أرسل إلى إبراهيم باشا يأمره بمواصلة الحرب وتشديد الحصار على عكا حتى يفتحها قبل أن تفكر تركيا بإرسال دعم لنجدة عكا، وهو ما حدث حيث عهد الباب العالي إلى عثمان باشا اللبيب برفع الحصار بجيش قوامة نحو 20 ألف مقاتل ضم إليه اللبيب جموع من العرب والأكراد.عندما علم إبراهيم باشا بتحرك هذا الجيش اجتمع بنخبة وكبار ضباطه لتدبر الأمر، استقر على إبراهيم أن يترك حول عكا قوة كافية لحصارها، وأن يتحرك بالجزء الآخر من جيشه لمواجهة الجيش التركي والتغلب عليه قبل أن يصل إلى عكا.

مع تقدم عثمان باشا بالجيش العثماني حاول أن ينتهز فرصة انشغال إبراهيم باشا بحصار عكا، فهاجم طرابلس التي كانت قد سيطرت عليها حامية مصرية فدخل المدينة، لكن جنود الحامية استطاعوا صد المهاجمين، إلا أن المدينة كانت مهددة بالسقوط مع زيادة أعداد جيش الأتراك، لكن مع تقدم إبراهيم باشا إليها بطريق الساحل واقترابه منها ارتد عنها عثمان باشا.
بعد أن وصل إبراهيم باشا إلى مدينة حمص متعقبا الجيش العثماني، رأى أن يرجع إلى بعلبك للتزود بالذخيرة، ثم مواصلة مطاردة الأتراك لكنه ما إن وصل إلى “سهل الزراعة ” جنوبي حمص، حتى تقدم عثمان باشا بجيشه للمهاجمة، وكان عثمان قد توهم في تراجع إبراهيم باشا ضعفا، فالتقى الجيشان في سهل الزراعة (موقعة الزراعة)، وكان الجيش العثماني أكبر عددا، لكنه لم يكن لديه ما لدى الجيش المصري من نظام وقيادة.
في سهل الزراعة أحاط الجيش العثماني بالجيش المصري من كل جانب وخيل لهم الانتصار، لكن الخديعة كانت قد دبرت، بترتيب الجنود في صفوف ثابتين وورائهم المدافع لا يراها المهاجمون، وما أن هجم القائد التركي بقواته وصاروا على مقربة من صفوف المصريين حتى ارتدت تلك الصفوف إلى ما وراء المدافع التي فاجأت نيرانها العثمانيين في وجوههم فحصدت منهم ما حصدت وأوقعت بهم الخسائر الفادحة ليدفعوا دفعا إلى نهر العاصي المار بحمص حيث غرق الكثير منهم لتنتهي المعركة بهزيمة الجيش التركي وتقهقره إلى مدينة حماه شمالا منتظرا المدد، ويعود بعدها إبراهيم باشا إلى بعلبك للاستعداد لاستئناف الزحف.
بعد موقعة سهل الزراعة وهزيمة الأتراك، في تلك الأثناء انخفض عدد القوات المصرية المحاصرة لعكا، إلى عشرة آلاف، فاغتنمها عبد الله باشا وخرج من معقله مهاجما ومنتصرا نصرا لن يدوم، حيث عاد إبراهيم باشا على رأس الجيش المصري إلى عكا وشدد عليه الحصار ثانية برا وبحرا بمساعدة العرب والدروز والموارنة.
في صباح يوم 27 مايو سنة 1832 اليوم المحدد من إبراهيم باشا لمهاجمة المدينة بعد أن كان قد أمطرها قبله بالمدافع القوية التي تسببت فيه بثلاث ثغرات، استولت الجنود المصرية عليها الثغرات الثلاثة، ودار قتال استمر حتى المساء، إلى أن طلب عبد الله باشا التسليم وسلم المدينة في مساء ذلك اليوم، لينتهي حصار دام ستة أشهر بلغت فيه خسائر الجيش المصري 4500 قتيل، وخسرت فيه الحامية 140 قتيل.
في القاهرة وعلى اثر سقوط عكا أقيمت الزينات في القاهرة ثلاثة أيام متواليات، وحظي عبد الله باشا والي عكا بعد تسليم نفسه، بحفاوة وإجلال من إبراهيم باشا، فأرسله إلى الإسكندرية، وأحسن الباشا محمد على مثواه واسكنه في قصر خصص له! وفق ما يخبرنا المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي في كتابه ” عصر محمد علي”.

 

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار