أعيشك عكا… بقلم: وسام دلال خلايلة

 

أعيشك عكا
بقلم: وسام دلال خلايلة

 

ح (23): عوْدَة ولَوْ لِحين
دموعُ أبي كانت عصيّة إلّا في حالةٍ واحدة ووحيدةٍ تتمرّدُ علَيه .. حين نهرولُ أنا والتوْأم (سامرْ وماهرْ) إليه لنبشّره: ” وِصِلْ .. وِصْلوا .. إجوا .. إجا عمّي ومرَتُه وبِنتُه الصغيرة (ولَدَها وهو كبير السن)”… يرتعش أبي ويتوتّر ودون استئذان تنهمرُ دموعُه – كيف لا وعمّي أخوه يصغره سنتين فقط وأبي هو بِكْرُ والديْه – فلهما الاثنان من نصيب الدّلال والتربيّة ما يختلف عن أخوتِهما .. فامتزجت الأخوّة معَ الصداقة .. لكنّ أبي لازم أبيه (جدّي) ليكن ساعدَه الأيْمن في “المَصْبنة” بعد عمله في المشفى .. بيْنما تمرّد أخوه صديقُه وسافر إلى خارج البلاد لقضاء تجارة .. في الأثناء، باغتَه قدرٌ لم يقدّر له .. فبقيَ في الأردنّ وأُحيلت العوْدةُ إلى حين .. حتى ذلك اليوم وبعد سنين مُضنية ومعاملات معَ المؤسّسة لإحضاره لزيارتنا.
اليومُ الموعود .. الوقت صباحًا .. أمّي تجهّز وتهيّئ غرفَ النوْم المَلاءات والوسادات الخاصّة بالضيوف .. الصالون وبريقه.. المطبخ والمأكولات وما تشتهي له المَعدة والنفسُ الطيّبة .. أبي بيْن فرَحٍ وحزْنٍ يُخفي توتّرًا شعرتُ به – فأنا مدللّته – “بابا بابا إجا عمّي إجوا إجوا وصلوا وصلوا وصلوا .. نحن صِحنا بأعلى صوتِنا مبشّرين وصول تاكسي صفراء غريبة رُسم عليها باللغة العربيّة “ماشاء الله” .. على سقفها حقائب سفر كبيرة مثبّتة بحبال .. وأبي مع دموعه هرْول إلى أخيه صديقه ليستقبله.
إقامة عمّي وعائلته كانت عندنا في بيتنا “العربيّ” بلا منافس وغير قابلة للنقاش.. فما أن يأتي المساءُ حتى تجتمع العائلة الصغيرة والكبيرة (الجدّة والعمّات وأولادهم) في شُرفة (بلكون) غرفة الصّالون الغربيّ المطلّة على الشارع الرئيسيّ وعلى مسمع أمواج البحر .. صغيرٌ في مساحته لكنّه احتوى الجميع .. فيجلسون على الكراسي والأحضان بالتناوب … خاصّة في تلك السهرات مع عمّي العائد من الأردن … تتراشق النكاتُ والذكرياتُ تتبعُها الضحكاتُ لتبدوَ تلك الأمسيات أبديّة لا نهايةَ لها .. حينها لم نأبهْ للصّباح والشمسِ فقد أحببنا القمرَ والنجومَ أكثر.
بيتُنا “العربيّ” كان مضيافًا للعائلة قاطبةً ترحيبًا لعوْدة عمّي ولَوْ لِحين … البلكون وضحكاتُنا يشهدُ لها الشارعُ وكواكبُ السّماء… تلك الأمسيات كانت تليقُ بوطنٍ حرٍّ.. بعد رحيلِ أبي عرفتُ ولأوّل مرّة مَعنى “العطش” إلى الحرّيّة.. وللحكاية بقيّة

 

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار