سلامة موسى رائد الدعوة الى الاشتراكية العربية

 

بقلم : الدكتور منير توما

كفرياسيف

 

وُلِدَ المفكِّر المصري القبطي التقدمي عام 1887 بمدينة الزقازيق ، وبعد الانتهاء من دراسته في المرحلتين الابتدائية والثانوية في مصر ، سافر عام 1907 إلى لندن ومكث هناك أربع سنوات التحق أثناءها بالجمعية «الفابية» التي كانت تدعو الى مبادئ الاشتراكية بين أفراد الطبقة المتوسطة والأغنياء حيث كان يتزعم هذه الحركة الأديب الانجليزي برناردشو . ولقد استمرت إقامته في لندن حتى عام 1911. وقد اكتسب خلال السنوات الأربع هناك ثقافة واسعة وتحصيل جمّ وقراءة فائقة ، غير أنّ سلامة موسى لم يتعلم في جامعة ، بل ثقف نفسه باجتهاده الشخصي . وكان أساتذته الذين تأثر بفكرهم ونهل من معينهم في كتاباتهم ، كبار الأدباء والفلسفة والاجتماع في أوروبا ، بالاضافة الى دراساته وتأملاته لعادات وتقاليد وحضارة تلك البلاد . وحينما عاد الى مصر ، قرّر النضال والكفاح ضد الاستعمار الانجليزي للجلاء عن بلادهِ . علاوةً على ذلك فقد صمّم أن يكافح الجهل والفقر والمرض الذي يعاني منه وطنه آنذاك . وانطلاقًا من كل هذا ، فقد جعل البعض من الكتّاب والمفكرين يطلقون عليه أبو الاشتراكية العربية ويعتبرونه رائدًا لها ، وخصوصًا أنّه أول من ألّف كتابًا عن الاشتراكية ، وساهم في تكوين أول حزب اشتراكي عام 1920 .
لقد كان سلامة موسى مقبلًا على القراءة والعلم والأدب ، وعلى حد تعبيره كان يريد أن يأكل المعرفة أكلًا ، وكان دائمًا في معظم ساعات وقته يقرأ باللغات العربية والانجليزية والفرنسية لا سيما وأنه كان قد سافر الى أوروبا كما ذكرنا لكي يتعرّف ويعايش الحضارة . وعاش في فرنسا وانجلترا وتعرّف على مجتمعيهما والأدباء والمفكرين هناك وتعلّم منهم الكثير . إن الاشتراكية «الفابية» التي انضم اليها سلامة موسى تتحقق على مراحل متدرجة ، وليست طفرة واحدة . وقد كتب أثناء وجوده في لندن أول رسالة باللغة العربية عن الاشتراكية عام 1913 معلنًا أن الطريق الذي يؤمن به ويسير فيه هو التطوّر وليس الثورة . إن التطوّر لدى سلامة موسى يؤدي مباشرة إلى الاشتراكية . وقد وجد أنّ قانون تنازع البقاء تلزم له الاشتراكية ، لكي يتم تطبيق وتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع ، وبالتالي يحصل في النهاية على تحديد وتنظيم وتحسين النسل . وكان سلامة موسى يؤكد على أنَّ الاشتراكية تساعد ولا تعرقل الانتخاب الطبيعي ، وذلك يتحقق بالتدريج وليس بطفرة ٍ سريعة . لقد اعتبر سلامة موسى التطور منهجًا علميًا يُطَبّق على كل شيء وفي الميادين كافةً ، في الطب والاجتماع واللغة وغيرها ، معتبرًا أنّ التطوّر هو ديانة طبيعية علمية ، وهذا الأمر جعله يركّز اهتمامه بتحرير الحاضر وهدم الماضي ، ليصل الى بناء المستقبل الذي سيتحدد لديه في النظام الاشتراكي ، وقاعدته هي إقامة تحالف بقيادة الطبقة الوسطى مع الطبقة العاملة ، وذلك بغية تحقيق النهضة التي يعتبرها هدفه الأساسي ، أي تبنّي الجانب الايجابي للحضارة الغربية التي يرى فيها حضارة انسانية وعالمية .
إنّ نظرية التطوّر بارزة دائمًا في كل كتابات سلامة موسى ، وكان يؤمن ويعتقد طيلة أيام حياته بأنَّ النهضة العربية لن تتحقق سوى باستيعاب عناصر النهضة الأوروبية المستندة على العقل وعلى العلم العملي والتقنيات الحديثة . ثم انتهاج الاشتراكية في مقابل الاستغلال الرأسمالي . ومن هنا ، فإنّ سلامة موسى يفهم ويرى النهضة على أنها «تحرير الشخصية البشرية من التقاليد والغيبيات ، واتّباع العلم التجريبي . إنها دعوة الإنسان كي يأخذ مصيره في يدهِ ، وأن لا يخضع للقدر ، وهذا ما جاء في كتاب «مقالات ممنوعة» لسلامة موسى .
إنّ «اشتراكية» سلامة موسى لاقت الكثير من النقد وتعدّد الآراء فيها . فبعض النقّاد والمفكرين وضعوه في أقصى اليسار ، والبعض رأى في اشتراكيتهِ «فابية» على غرار الاشتراكية الإنجليزية . ويعتقد البعض الآخر أنّ اشتراكية سلامة موسى كانت مادية وعلمية وماركسية حيث ارتبطت على الدوام بالتفسير الاقتصادي للتاريخ . ويرى محللو رؤى سلامة موسى الفكرية أنّ تأثره بالاشتراكية التي شهدها في فرنسا كانت أكثر ماركسية ، بينما اشتراكيته كما عايشها في بريطانيا كانت أكثر «فابية» . وقد نادى سلامة موسى دائمًا بالحرية الفكرية ، والنظم والأسس الديموقراطية ، بنفس الكيفية التي كان ينادي بها بالاشتراكية ، وبخاصة أنَّ الاشتراكية عند الفابيين البريطانيين هي امتداد ، وتؤام ومقابل للديموقراطية ، وأن وسيلة تحقيقها عندهم هي التعليم ، واهدافهم هي الإصلاح والتأميم .
لقد كان سلامة موسى يعتبر جميع الاشتراكيين في مصر والعالم إخوة ، وقد كرّس حياته من أجل التعريف بالاشتراكية ، ودراستها والدعوة اليها . وفي عام 1921 اشترك سلامة موسى مع علي العناني ومحمود حسني العرابي ومحمد عبدالله عنان في إعلان تأليف «الحزب الاشتراكي المصري» . وهنا فإنّ القول بكون سلامة موسى هو أبو الاشتراكية العربية هو أمر صحيح حقًا فهو أول من كتب عن الاشتراكية ، وكان يؤمن بها ويعتبرها علاجًا لمشاكل المجتمع . وهو أول من كتب كتابًا عن الاشتراكية. ويقول الكاتب فايز فرح في كتابه عن موسى سلامة أنه من «الطريف أن سلامة موسى كان اشتراكيًا قبل أن يقرأ كارل ماركس أو يتعرف عليهِ . فسلامة موسى يقول في كتابهِ «تربية سلامة موسى» :
«لم يمض عليّ عام في لندن حتى وجدتني اتجه نحو اليسار ، أي نحو الاشتراكية . ولم يكن هذا الوجدان سياسيًا فقط ، فقد وجدتني اشتراكيًا قبل أن أقرأ ماركس ، لقوة الجذب التي كانت عند الاشتراكيين في ناحيتي العلم والأدب . ذلك أن هؤلاء المجددين في السياسة ، كانوا أيضًا مجددين في العلم والأدب . ولذلك أدركتني الاشتراكية في تلك الأيام عن طريق الأدب ، أكثر مما ادركتني عن طريق السياسة» . ومما تجدر الإشارة إليه أنّ سلامة موسى كان يسعى نحو «اشتراكية معتدلة» بعيدًا عن الثورية كما جاء في بيانٍ اصدره عند تأسيس الحزب الاشتراكي المصري ، ومن اهم ما ورد فيه قول سلامة موسى «إن من أهم أهدافنا نشر التعليم بين العمال . ولم شملهم من أجل تحقيق المكاسب التي يطلبونها . ولتحقيق مطالب الأمة ، من أجور عالية ، الى معاشات في الشيخوخة الى منازل صحية» . وأكد سلامة موسى في هذا السياق قوله : إنّ الحزب لن يكون عدوًا لملاك الأراضي والمصانع من المصريين وأنه سيكون صديقهم الذي يعاونهم على تحقيق أغراضهم التي يشاركهم الحزب الرغبة في تحقيقها .
ومن اللافت أنّ سلامة موسى كان أول مَنْ دعا إلى إقامة الجمهورية بدلًا من الملكية، والى الاهتمام بالبيئة ، وعيّنته جمعية الشبان المسيحية مستشارًا ثقافيًا لها منذ عام 1933 . وقد توفي عام 1958 عن واحد وسبعين عامًا وله 47 كتابًا نُشر بعضها بعد وفاته، وكوّن تيارًا تقدميًا في مصر والعالم العربي في القرن العشرين.

 

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار