أعيشك عكا
بقلم: وسام دلال خلايلة
ح (34) عسَل وجبَل
شهر العسل بعد طول انتظار له خاصيّة المذاق والنكهة والحضور … بلا وعيٍ وبلا إرادةٍ استحضرتُ صديقةَ الطفولةِ “ياعيل” تلك الّتي كان لها صديق وعسَل منذ أن بلغتْ سنّ الرّشد! تلك التي كشفت لنا أسرار العلاقات مع الجنس الآخر مما لذّ وراق من أحلام الصِبا والصَبابة .. معرفتنا اعتمدت خبرتَها وتجربتها التي بدأت منذ سن الثالثة عشرة … انتظرتُ سنين بطولها لأتحقّق من صِدقِ تجربةِ “ياعيل”
.. “شهر العسل” شهر يختلف عن كلّ أشهر السّنة؛ فهو كالكؤوس البلاستيكيّة تُستعمل لمرّة واحدة في العمر .. على ضفاف النيل تمشينا وحلّقنا أنا وهو وانتشيْنا حبًا ورَقصنا مُتعاهديْن أن “نتحدّى العالم كلّه ونا وايّاك” .. وتناغمتْ آراؤنا فكان ملاذنا أمسيةً في دار الأوبرا في القاهرة للشاعر “مهدي الجواهرجي” بعرافة شاعر المقاومة “سميح القاسم” رحمهما الله..
رغم بُعد المسافةِ عن بيئتي ومَسقط رأسي إلا أنّني لمْ أُقسم بغُربتي كما يفعل الأهل في عكا بعد خروجهم من البوابة ” وحياة غربتي” حينها شعرتُ كلّ الأماكن هي مدينتي .. لكنّ الانتقالَ للنوم تحت سقف واحد مع شريك جديدٍ في الحياة أمرٌ ليس مفروغا منه.. شعور غريب انتابني!! تغاضيتُ عنه وكتمتُه لكنّي لم أقمعْه … ونستمرُ في تذوّق العسلِ وكأنّ الدّنيا خَلَت من الناس .. فقط أنا وهو لا أحدَ غيرنا…
ينتهي الشهر ويبقى العسلُ ولعوْدتنا جُهّزت وليمةٌ احتفاءً بنا (العروسان) شارك بها أهلُ الطّرفيْن (الشاريين والبايعين)..أما أنا فلمْ أرَ في السهرة إلّا هو .. ابتسامتي له هو حتى كِدت أرى الهالة فوق رأسِه وأنا الناسكُ المتعبّد .. لا معنى للمكان ولا قيمة للزّمان … انقضت أوّل ليلة في عشّ الزوجيّة في الجبل .. وجاء الصباح وموعد فنجان القهوة .. تجلس “حماتي” والدة زوجي مع جارتها .. ألقيتُ التحيّة ولبّيتُ الدعوة وشاركتُهن القهوة.. حماتي: “يا جارتنا خلَص جوْزوها بِكفي عاد يَعني بدّك ايّاها عِندك على طول تِخدْمك!؟؟ …. الجارة: لا يا جارتنا بَجوّزْهاش برّيت البلد غريبة .
.. بجوّزهاش غريبة”..(غريبة غريبة غريبة!!!) سمعتُها ودوّت صداها في أذنيّ وانسلختْ روحي عن جسدي .. وبدأت معاناة الغُربة والتقسيم ليولدَ حُلمُ العوْدة …وللحكاية بقية
