عِند أقدامِ التَّلِّ … عِطاف مَنَّاع صغير

عِطاف منَّاع صغيِّر

عِند أقدامِ التَّلِّ

عِطاف مَنَّاع صغير

في ذلك الضُّحى ،جالتْ  عيناه تَجمع  الجمالَ المُغلف الغيوم ِالمتكاثفة فوقَ سطح الماء المُترادف بانغامة المُستلقي بألوانه المُتماهية ،في كَنفِ ظلالِ الشُّروق ،المتناثر خَلف الجبال الشَّاهقة. السَّحاب يتدلى  مُزنةً تغازل النًّخيل المَصفوف ينتظر  بشغف وشوشات  المَطر .

جسدٌ وقوامٌ تَلفه المياه المَعدنية والبَصر يَجمع عَصف الرَّيح تتلوى أغصان النَّخيل عِشقًا دافقًا.

الطُّيور تُحلق نَحوَ الجنوب في رحلتها ، تَحطُ لأحيانٍ تَتأمل المكان تَنثرُ حكايات المَسار فوقَ القمم العالية، تَسترق هَمس المطرِ لأغصان ِالنَّخيلِ للعشبِ للتُّراب تَعزفها سقسقةً ولحنًا

الضباب المُستكين فوقَ الجبال والتِّلال المِلحِّية سائدٌ بالوانِه بلا مُنازع او مُخاصم وقد تراختْ الشَّمس في كبريائها تَواضعًا وخشوعًا .

روحٌ تجمع أسرارَ الكون بعمقِ سراديبها لتنطلقَ بالتَّسبيح والذِّكر لخالقِ الخلقِ والمَكنونات .

وهناك ..

وراء الجبال !

طِفلٌ في خيمةٍ التَصق جَسده بوحلٍ ،جرف ومياه ،رَمى برأسة فوق ركبتي أمِه وقد فاضت  عيناها بالدُّموع والبكاء. وكان أسمها زكية ..

لسانها قد أتقن الدُّعاء والرَّجاء وفي جبينها رُسِمت  خارطةُ التَّشردِ  والتَّهجيرفي بلادٍ أمست بعدَ عزٍ رمزًا للشَّقاء .

وتَعود لتَحتضنَ طفلها تَلفه بخِرقِ ملابسها البالية لطولِ مَسارٍ وظلام في المروج المذبوحة والجبال المحروقة الثَّاكلة لعهدٍ ازدانت بالأشجار

ثم رحلت تعابير وجهها في شريط الذِّكريات.. فتَتعوذ زكية من تلك الليلة لتشهقَ بالبكاء وتَتذكر قَنصَ زوجها تَحت الليمونة بساحةِ الدِّيار ، تفيضُ روحها في الذِّكريات لساعات وفجأة تَتَذكر طفلها تَتَحسسه  تَضمه  تُناديه .. بلا جدوى..بلا جواب ..    

لقد  مات !! .. مات الصَّغيرُ  من بَرد وصقيع غَلف جَسدَه ،فارْتحل وارتْحلت معه الأحلام ! وتسرعُ لتصرخَ وهي تحمل الجثة  تَدور،تلتفُ   وتَسأل ماذا تفعل ؟

لا أحد في الجوارِ والكلُّ قد مات فيهم الشُّعور والإحساس والكلام ..

وجوه الجَمع تَنْطق بالإسْتغراب في داخلهم يَهمسون، الكل سَنموت بلا مَلبس بلا ثياب بل قبر مُعَنْون أو بيت عزاء !

وتنظر زكية الى السَّماء ، تُلملم جسدها تَجمع نَفَسها بقوة ٍ،تَرحل بعينيها نَحو أقدامِ التَّل القريب ،هناك لن تجرفه الأمْطار هكذا تَمتمت وأخذت تبحت عن أداةٍ لتحفرَ القبر للصَّغير البريء في دُنيا العذاب يّلحق بها الشَّيخ الهزيل بظهرٍ معكوفٍ واقدام تلتوي يُتمتم، يُسبح يُكبر،” الله لا اله الا هو  الحي الباقي “، ثمَّ يُساعد زكية ليَضعا الجُثة في الحفرةِ الصغيرةِ بعد صلاة ..  وتواري زكية جُثة طفلها في غربةٍ واغْتراب ،  وتبقى هناك  عند الحُفرة .. تَبحث عن حجر ليبرزَ المكان تَبحث عن غصن زيتون تَضعه فوقَ القبرِ  ليجلبَ لرُّوحِ صغيرها في قبره السَّلام .. واشرق وجهُها كأنها انْتصرت بفكرتها وبها سَتحاربُ الظُلمَ ،العدوانَ ،الظلامَ والتهجير ..  ويتقلب الليل والنَّهار ،وتَسكن زكية المَكان في جوار القبر  صيفًا وشتاء بعد ما هاجر الجمعُ يَتفقدون جوانب أخرى للنَّجاة .  

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار