أصل وجذور كلمات ومقولات شائعة
بقلم : الدكتور منير توما
كفرياسيف
سأتناول في السطور اللاحقة أصول بعض الكلمات والعبارات الشائعة المستخدمة في مجالات حياتية مختلفة ومتنوعة مما يعود على المهتمين بمثل هذه الأمور بالفائدة الثقافية من خلال الإثراء المعرفي بالإطلّاع على المعاني الخافية وراء خلفيات هذه الكلمات والعبارات . وفيما يلي بعض هذهِ المختارات :
*الدم الأزرق : يَدّعي الفرد الذي ينتمي الى الطبقة الأرستقراطية أنّه من ذوي «الدم الأزرق» وسبب ذلك أنه كان في السابق فكرة ومعتقد بأنّ الشرايين في جلد الرجال والنساء من العائلات الارستقراطية أكثر زرقةً من الأشخاص الآخرين .
*الدم البارد : من السائد وصف عمل جرى عن تعمد وسبق اصرار أنّه قد فُعِلَ «بدم بارد» ، ويعود هذا الوصف أنّه في حينٍ ما ، كان هناك اعتقاد بأن درجة حرارة الدم تتغيّر ، فحينما يصبح الدم حارًا ، فإنّ الإنسان يصبح عاطفيًا – لذلك يكون «حامي الرأس» . وعندما يكون الدم باردًا ، فإنّ العقل والإدراك يكون مسيطرًا عليهما .
*في القارب نفسِه : يتساءل الكثيرون عن السبب في كون القول «الجميع في القارب نفسه» الذي يعني المساواة في الفرصة – أو فقدان ذلك . الإشارة والتلميح هنا يتعلق بتحطُّم السفينة . فعندما تتحطّم سفينة وتُترَك ، فإنّ التمييز الطبقي لا بُدَّ أن يتم تجاهله ، فكل شخص يتوجب عليهِ في هذه الحالة أن يقبل ويشارك في المصير العام – أي أنهم «جميعًا في القارب نفسه» .
*اليوبيل : يقود حب المعرفة والاستطلاع عند الناس للتساؤل عن الأصل في كلمة «يوبيل» التي هي عبارة عن احتفال بمرور مدة معينة على حدثٍ ما ، كاليوبيل الفضي بعد انقضاء 25 سنة ، والذهبي بعد خمسين سنة ، والماسي بعد مرور 60 أو 70 سنة .
لقد جاءت هذه الكلمة من الكلمة العبرية «יובל» والتي تعني «قرن الخروف» أو الكبش ، فحسب سفر اللاويين في العهد القديم من الكتاب المقدّس ، فإنّه بعد مرور خمسين عامًا من تحرّر اليهود من العبودية أو الأسر المصري ، كان يجب عليهم أن يعلنوا عن سنة راحة للحقول بحيث تترك الأرض في حالة استراحة بدون زرع ، وكذلك يجب أن يتم تحرير جميع العبيد العبريين . وبداية السنة اليهودية يُعلَن عنها عن طريق النفخ في قرن الخروف في رأس السنة .
*الحقيقة العارية : يُطلَق على الحقيقة المطلقة عبارة الحقيقة العارية ، لأنّه وفقًا لخرافة قديمة أنّ الحقيقة والكذب قد ذهبا يومًا للاستحمام . وعندما خرجا من الماء ، أسرع الكذب راكضًا ولبس ثياب الحقيقة . لكن الحقيقة عندها لم تكن عازمة ولم ترد أو ترغب أن ترتدي وتظهر بثياب الكذب التي تركها مرتديًا ثياب الحقيقة ، فخرجت الحقيقة وذهبت عارية .
*O.k. : جاء تعبير O.K. (أوكي) من الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1840 . وكان مرشح الحزب اليموقراطي ، مارتن فان بيرين ، قد أُطلِقَ عليه كنية أو لقب «ساحر كندرهوك» نسبةً الى “Old Kinderhook” أي كندرهوك القديمة ، وهي قرية وادي هدسون حيث كان قد وُلِدَ فيها هذا المرشح . وبالإشارة الى هذه القرية والى كنية «فان بيرين» تشكلّت احدى المجموعات الديمقراطية الهادفة الى تأييدهِ في مدينة نيويورك واطلقت على نفسها “The Democratic O.k. Club” أي «نادي O.K. الديمقراطي» . وقد قام مؤيدو فان بيرين في نيويورك بالتقاط المصطلح “O.k.” كنوع من الشعار ، وقد استعمل المشاركون هذا المصطلح كصرخة حرب في محاولاتهم تشويش وتعطيل اجتماعات المرشح الآخر .Whigs
وقد انتشرت هذه العبارة بشكل عام واسّست نفسها كمرادف لمشاعر أعضاء النادي الأصليين بأنهم ومرشحيهم كانوا «على ما يرام» أي أنهم في وضع «حسن جدًا» وموقفهم «صحيح» .
*«وُلِدَ وفي فمهِ ملعقة من فضة \ ذهب» : جاءت هذه المقولة من عادة كانت سائدة فيما مضى حين كان عرّابا الولد يهديانه في حفلة العُمّاد أي التعميد الكنسي ملعقة من فضة أو ذهب . لكن الولد الذي وُلِدَ لأبوين ثريين لم يكن بحاجة أن ينتظر لغاية حفلة تعميده ليرشف من ملعقة الفضة أو الذهب ، فهو عمليًا «وُلِدَ وفي فمهِ ملعقة من فضة \ ذهب» وذلك إشارة ضمنية الى كون اسرته في حالة يُسر أو ثراء مادي .
*«يرفع له القبعة» : نعرف جميعًا التعبير «تُرفع له القبعة» الذي يدل على إشارة احترام من جانب شخص معين تجاه شخص آخر . ومصدر هذا التعبير يعود الى فترة العصور الوسطى ، التي كان يلبس فيها الفرسان الدرع والقبعة الحديدية . وهذا اللباس كان مصنوعًا بغالبيتهِ من المعدن ، وقد كان الهدف منه الدفاع عن كل أجزاء الجسد من إصابة السهام والسيوف ، ومع ذلك لم يكن هناك تقريبًا أي جزء من الجسد لم يستتر . ولكي يتعرف الفارس على زميلهِ أو أحد معارفهِ ، اضطر الفارس أن يرفع القبعة الحديدية نفسها ، ومن هنا نشأت هذه العادة ، التي انتقلت من أوروبا إلى كل أنحاء العالم .
*الطربوش : إنّ كلمة «طربوش» دخلت الى العربية في مصر ، ولكن هذه الكلمة ليست عربية الأصل ، وهي مكونة من كلمتين ، وكل واحدة منهما جاءت من لغة مختلفة ؛ الكلمة الأولى هي الكلمة التركية Ter ومعناها عَرَق ، والثانية كلمة فارسية Pushidan= يغطي. وهكذا تكون الترجمة الحرفية للطربوش هي غطاء العَرَق.
*البيجاما : إنّ مصدر كلمة بيجاما هو من اللغة الهندية التي تعتبر اللغة الثالثة في العالم فيما يتعلق بعدد الناطقين بها بعد الصينية والإنجليزية. وفي اللغة الهندية نجد أنّ الصورة الأصلية لكلمة بيجاما هي Pajama أو Paijama، والترجمة الحرفية لها لباس الرِجْل. وفي الواقع أنّ كلمة بيجاما وصلت إلى الهندية من اللغة الفارسية القديمة التي فيها Pa أو Pai تعني رِجِل، و Jama تعني ثوب أو لباس، أي بدلة نوم المكونة من لِباس علوي وبنطال.
*الكوكتيل: هو مشروب، وعبارة عن مزيج من عصائر الفواكه، الرُوم ونبيذ الليكير، ومعني الاسم هو ذَنَب الديك (cocktail). أي أنّ cock بالإنجليزية تعني ديك، و tail تعني ذَنَب. وهنا يثور السؤال عن علاقة هذا المشروب بالديك أو ذنب الديك. فوفقًا لإحدى الروايات كان فيما مضى يُقدَّم كجائزة لصاحب الديك الفائز في مسابقة صراع الديوك. وحسب رواية أخرى، أنّ ألوان هذا المشروب تشبه الألوان المختلفة المتنوعة في ذَنَب الديك.
*الكابوتشينو: مشروب الكابوتشينو جاء إلينا من إيطاليا. أساس الكلمة هو cappa وهو معطف له قبعة في اللغتين اللاتينية والإيطالية. وهناك إحدى أخويات الرهبان الكاثوليك تدعى الكبوتشينيين، وذلك لأنهم يلبسون معطفًا طويلاً له قبعة، ولون هذا المعطف بني، وقهوة الكابوتشينو، التي تحتوي على الحليب، لها نفس اللون في حقيقة الأمر، ومن هنا جاء الاسم كابوتشينو.
*تسونامي : تُعرف التسونامي بأنها أمواج البحر الهائجة بشدة التي تحدث بسبب زلزال في قعر البحر على عمق أقل من خمسين كيلومترًا وبقوة تفوق 6.5 درجة على سُلّم ريختر. وأصل الكلمة من مصدر ياباني (tsunami) والمعنى الحرفي لها “أمواج الميناء”، والكلمة مؤلفة من (tsu) بمعنى الميناء، و (nami) بمعنى الموج.
*دموع التماسيح: معنى “دموع التماسيح” هو (دموع كاذبة)، فالتمساح بعد أن يأكل فريسته يفتح فمه حتى تأتي الطيور لتأكل بقايا الأكل من بين أسنانه، وفيما هو يفتح فمه يضغط الفكّان على الغدد الدمعية عنده فيدمع ويبدو كأنه يبكي. وكلمة تمساح هي لفظة غير عربية، فهي مأخوذة من اللغة المصرية القديمة “مِسح” وتعني (تمساح) وباللغة القبطية “إمساح”.
*الشوارما : إنّ الشوارما بالأساس هي لحم خروف مشوي، وقد انتشرت بين العرب بعد أن تعلموا كيفية تحضيرها من الأتراك خلال مئات السنين من الحكم العثماني في جزء كبير من العالم العربي. مصدر الكلمة بالتركية cevirme تشيفرما، وهي كلمة نتجت من الفعل cevirmek تشيفرمك، والذي يعني يقلب، يُدوِّر، وهي الطريقة التي يقومون بشواء اللحمة على النار بتقليبها.