شاكر فريد حسن
عكا ، تلك المدينة الفلسطينية التاريخية ذات الماضي العريق ، والمكانة الهامة المميزة ، التي لا تخاف هدير البحر ، والتي هزمت جحافل وجيوش نابليون عند أسوارها ، وردتهم خائبين يجرجرون أذيال الهزيمة ، وتصدت للغزاة على مر العصور والازمان الغابرة . هذه المدينة تعيش حالة استنفار ، وتواجه وتتصدى لمخطط عنصري تهويدي جديد ، وهو بيع "خان العمدان" لتحويله الى فندق سياحي . ويندرج ذلك في اطار محاولات تشويه وطمس معالمها وتشويه طابعها وتغييرملامحها العربية الاسلامية .
وخان العمدان هو أحد معالم المدينة الأثرية التاريخية ، ومن أكبر خاناتها وأجملها ، ويقع بجانب الميناء ، أقامه والي عكا أحمد باشا الجزار عام 1784. وهو عبارة عن فناء واسع مربع الشكل يحيطه رواق ذو اعمدة أحضرت من خرائب قيسارية ، وحول الرواق توجد غرف معقودة من طابقين يبلغ عددها 44 غرفة ، وفي وسط الفناء توجد بركة ماء من الرخام ، وعلى مدخل الخان أقيم عام 1909 برج الساعة وذلك بمناسبة مرور 25 عاماً على اعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني عرش الدولة العثمانية .
وتنبع أهمية الخان التاريخية من أهميته التجارية ، ولكن بعد احتلال فلسطين العام 1948 لم يعد له سوى قيمته الاثرية التاريخية ، وبات مهجوراً بفعل سياسة الاجحاف والاهمال السلطوية ، وفي أحيان كثيرة تم استغلاله كساحة للنشاطات الاجتماعية والمهرجانات والفعاليات الادبية والثقافية والفنية والمسرحية ، مثل مهرجان الصحافة الشيوعية الذي كان يقيمه الحزب الشيوعي احتفاءً بصحفه التقدمية اليسارية ، التي كانت تشحن وتعبئ الناس وجماهير الشعب بالفكر الثوري والروح المقاتلة ، ولم يتبقَ من هذه الصحافة سوى صحيفة "الاتحاد " العريقة .
ان المخططات السلطوية ضد عكا وسكانها العرب متواصلة ، ولم تتوقف يوماً ،وذلك بهدف تهويدها وافراغها من أهلها ، أصحاب الارص والوطن والدار . وكما في كل مرة تحاول السلطة ودوائرها ومؤسساتها تنفيذ مخططها الا أنها تلقى معارضة شديدة من اهلها الصامدين ، فيهبون هبة رجل واحد ، وينتفضون ويتحركون بكل قوة لإطلاق صرخة غضب مدوية في وجه هذه السلطة ومؤسساتها .
وقبل أسابيع انطلق في قلب وعمق هذه المدينة الشامخة والصامدة امام كل عدوان عنصري ، الحراك الشعبي المدني الوطني ، الذي تجسد في المظاهرة الحاشدة تنديداً واستنكاراً ورفضاً لبيع "خان العمدان" ، حيث علا صوت الجماهير معلناً ومؤكداً "لا للبيع"، ولا للصفقات والمشاريع المشبوهة على حساب موروثنا الوطني والتاريخي . ولعل هذه المظاهرة الشعبية الاحتجاجية تمثل الشرارة الأولى في المعركة النضالية والكفاحية لإسقاط هذا المشروع السلطوي .
أخيراً ، هنالك ضرورة قصوى لمواجهة مخطط بيع "خان العمدان" جماهيرياً وسياسياً واعلامياً وقضائياً ، وهذا يتطلب وقفة كفاحية وطنية وشعبية واسعة لأجل حماية اهلنا في عكا القديمة . فلتسقط صفقة البيع ، ولتبقَ عكا حارسة للحلم وللروح وللوعي وللانسان الفلسطيني ، وقلعة وطنية شامخة للصمود في أرض الوطن .