وقفة مع د. فؤاد عزّام حول دراستهِ للشخصية المركزية في رواية «صمت الفراشات»

وقفة مع د. فؤاد عزّام حول دراستهِ للشخصية المركزية في رواية «صمت الفراشات»

بقلم : الدكتور منير توما

كفرياسيف

كان الدكتور فؤاد عزّام قد أهداني مشكورًا نسخة من كتابهِ «ليلى عثمان : شعرية الرواية النسوية – رواية صمت الفراشات نموذجًا» ، وبالتالي فقد اخترتُ أن أتناول بالتعليق على ما ورد في دراسته وتحليلهِ للباب الخاص بالشخصية المركزية في رواية «صمت الفراشات» للكاتبة ليلى عثمان حيثُ أرغب في السطور اللاحقة أن أُعقِّب على عددٍ من الأفكار والموضوعات التي طرحها د. عزّام في تحليله شخصية الراوية نادية .

يخبرنا د. عزّام أنَّ الزوج العجوز الذي أُرغمت نادية على الزواج منه يسلك سلوكًا جنسيًا شاذًا بحيث يأمر عبده في الليلة الأولى من زواجه بأن يغتصب نادية التي تهرب من قصره بعد أربع سنوات من العذاب حيث تنتهي القصة بموت زوجها العجوز نايف ووراثة نادية لأمواله . وفي سياق الحديث عن شخصية الزوج العجوز بشأن اصدار أمره لعبدهِ عطية باغتصاب زوجته ليلة الدخلة ، فإنّنا يمكن وصفه بالإنسان «الديّوث» لشذوذه في تعريض شرفه للانتهاك بارادتهِ ، ومن ثمّ يمكن أن نُطلق عليهِ صفة البهيمية والسادية حين يعاشر الخادمة على سرير نادية وعلى مرأى منها ، ويأمر عبده بجلدها بالسوط لأنها تطلب منه زيارة أهلها . إنّ احدى الشخصيات الذكورية التي تدخل الراوية نادية في علاقة بها هي الدكتور جواد مدرّس نادية في الجامعة والذي احبته ورغبت في الزواج منه ، فالكاتب في دراستهِ يصف شخصية الدكتور جواد بأنّه يمثّل شخصية المثقّف الذي يعاني من الازدواجية في تعامله مع المرأة ، فهو يرغب في إشباع رغباتهِ الجنسية من نادية ، ولكنه لا يسمح لزوجته التي تعيش في امريكا بأن تمارس الجنس مع أحد ، حتى أنه مستعد لقتلها إن فعلت ذلك كما يذكر الكاتب في كتابه . وهنا نلمس حقيقة كون الدكتور جواد بالرجل النرجسي ذي النوايا والسمات التملكية الانتهازية والإستيلائية اجتماعيًا وأخلاقيًا ، فما يبيحه لنفسه من انتهاك الأعراض والحُرمات يرفض أن يتعرض له شخصيًا في شرفه ، فهو ليس شخصًا «ديّوثًا» في شخصيته ، ولكنه في الوقت نفسه ورغم كونه مثقفًا ، فإنّه رجلٌ يحاول أن يستغل نادية جنسيًا ، فهو بعيد عن القيم الأخلاقية لاسيّما وأنه عرض على نادية أن يرتبطا بزواج المُتعة كأنها جارية لديهِ .

ونأتي عن علاقة الحب التي اعتملت في قلب نادية نحو عطية عبد زوجها العجوز الذي اغتصبها ليلة الزفاف بأمرٍ من الزوج ، ولكن الكاتب في سردهِ لحبكة أو أحداث الرواية لا يخبرنا بصورة واضحة اذا كان عطيه قد اغتصبها وفضَّ بكارتها أولًا قبل أن يمارس زوجها العجوز الجنس معها ، فإذا كان هناك اغتصاب وفض بكارة فإنّ تعلّق نادية بحبها لعطيّة رغم معارضة أهلها لكونه عبد سابق ، ورفض عطية للزواج منها بذريعة حادثة اغتصابه لها ، وأيضًا بفعل ضغط أهلها ، فإنَّ حبّها الحقيقي لعطية ورغبتها الفائقة في الزواج منه نابع بالتفسير النفسي عن تبعية المرأة للرجل الذي لم تُفْتَضْ بكارتها من قبل عريسها ، بل من قبل رجل آخر ، علامة على هذهِ التبعية حيث تصبح البكارة علامة على أنوثتها البكر من جهة أخرى . وقد نجد الحب الجارف لنادية تجاه عطية نوعًا من الحرص على نيل رضاه وحبّه من خلال «بكارتها» هنا !

إنَّ الكاتب د. فؤاد عزّام يوجز لنا أحداث الرواية في الباب الذي يكرسه للشخصية المركزية نادية ، ويؤدي بنا أن نتخذ شخصيًا موقفًا نتفق فيه مع الكاتب الناقد في العديد من تحليلاته ، ولكننا نختلف في بعض النقاط جزئيًا ، فنحن نرى أنَّ نادية تمثِّل مختلف ألوان الهدر الوجودي في حياتها الأسرية والاجتماعية والإنسانية ، وتُجَسِّد أيضًا فشل مشروع تحقيق الذات وصناعة كيان في الوجود . وبالطبع فإنّ تحقيق الذات يتنوع تبعًا للمشروع الوجودي الخاص بكل إنسان ، وبالتالي فالفشل تتنوع ألوانه بالنتيجة . ولقد واجهت نادية الهدر الزوجي ، وهدر الرغبة ، وهدر المكانة والدور ، وهدر نوعية الحياة ، وهدر الغربة في الأسرة وخارجها . إنَّ الكاتب الناقد يتطرق في هذا الباب إلى دلالة اسم نادية في الرواية معتبرًا انَّ هذا الإسم مستعمل عند العرب كإسم عربي حديث ، وليس لدينا اعتراض على دلالات هذا الإسم عربيًا، علمًا بأنّ اسم نادية هو في الأصل اسم فرنسي وكذلك سلافي بمعنى «المُفعم بالأمل» «(hopeful) » ، وانني اعتقد أنّ الإسم هذا الذي وضعته مؤلفة الرواية هو الأنسب من ناحية تداعيات القصة ، فنادية كانت تأمل بحياةٍ تحقّق فيها ذاتها وهو لم يحدث فخاب أملها أي أنّ اسم ناديا بمعناه المفعم بالأمل هو اسم رمزي فيه مفارقة (symbolic ironic) . في كل من الحالات التي مرّت بها نادية وجدت ذاتها خارج تحقيق الذات في الحياة ، وبالتالي عاشت واقعًا وجدانيًا وكأنها خارج الحياة (out of life) المليئة . وبذلك عانت نادية كامرأة في هذا المجتمع الشرقي من الهدر النفسي والاجتماعي على صُعُدٍ متنوعة سبق وذكرناها آنفًا .

يشير الكاتب الناقد وبحق الى أنّ عنوان الرواية له قيمة دلالية هامة حيث يقول بأنه العبارة – المفتاح التي تعكس دلالات الرواية كلها . ونحن نتفق معه كليًّا في هذا الرأي . فالعنوان «صمت الفراشات» الذي اختارته المؤلفة ليلى عثمان مكوّن من كلمتين لهما دلالة رمزية جوهرية . فالصمت يرمز الى مقدمة للبوح والإفشاء ؛ التقدُّم الروحي ؛ غياب الحياة ، وهذه المعاني الرمزية تتلاءم وتلتقي الى حدٍ ظاهر في كينونة وسيرورة الرواية . أما الفراشة او الفراشات فإنّها ترمز الى الروح أو النفس ؛ الحرية ؛ الحياة ؛ الولادة الجديدة والتجدّد الروحي ؛ الابتهاج ؛ عدم الثبات ؛ الحب؛ العبث والطيش ؛ السطحية ؛ الزوال ؛ الشهوانية والخلاعة ؛ الإنارة والإستنارة ؛ الربيع ؛ البعث ؛ الحدس مقابل المنطق . وكل هذه الرموز تؤطِّر لتوالي أحداث وتطوّرات في صيرورة سرد الرواية وما طرأ بالأساس على المتغيّرات والثوابت في حياة نادية بالاضافة الى التحوّلات في شخصيتها التي اتصفت دائمًا بالهشاشة دون أن نتجاهل أن صمتها من النوع الذي يوحي بالحلم المقرون بالأمل كمعنى إسمها ، والمشوب بالضعف والسلبية (passiveness) بفعل أجواء الأسرة الضاغطة والمجتمع ذي القيود التي لا ترحم الفتاة أو المرأة .

وأخيرًا وليس آخرًا ، فإنّه لا بُدَّ لنا أن نُعبِّر عن رأينا في أنّه لا خلاف مع الكاتب الناقد الدكتور فؤاد عزّام في معظم تحليلاته للشخصيّة المركزية في رواية «صمت الفراشات» مع تحفظنا مِن اعتباره لهذهِ الرواية بأنها ليست ثورية ، وإنما إصلاحية، وذلك لأنه في اعتقادنا أن هذه الرواية رؤيوية انتقادية لسلبيات وعيوب المجتمع الشرقي العربي في نظرتهِ للمرأة حيث نرى أنَّ مؤلفة الرواية ليلى عثمان تسعى إلى أن تُبَيِّن لنا الفكرة بأنَّ المرأة الناضجة الواعية تدرك أنَّ ثورة الإنسان ليست بسبب صراعات داخلية في اللاشعور ولكنها بسبب صراعات خارجية في المجتمع الاستبدادي سواء أكان أبويًّا أو أُسَرِيًّا ، وأنّ النشاط الاجتماعي للفرد هو العامل الأساسي في تكوين نفسيتهِ ، وأنّ الأبوين والأسرة والمدرسة والشارع والعمل والصراعات الاجتماعية كلها تلعب دورًا مهمًا في تكوين الإنفعالات وشخصية الإنسان . وحيث أن وعي الإنسان إنعكاس للواقع الاجتماعي فإنّه يلعب الدور الرئيسي في تشكيل سلوك الإنسان . وهكذا تدرك المرأة الواعية أنّ الإنسان ليس عبدًا لغرائزه ، ولكنه إنسان له قدرة على الإرادة ، والاختيار الحرّ وتغيير عالمه من خلال قدراته الثورية الخلّاقة ، وأنه قادر أيضًا على تغيير نفسهِ وتطويرها دائمًا الى الأفضل والأرقى .

فللدكتور فؤاد عزّام اجمل واطيب التمنيات بموفور الصحة ودوام التوفيق والعطاء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار