العلاقات بين موسكو وواشنطن على شفا الانهيار

امريكا وروسيا

واشنطن-

في وقت لا يتوقف فيه التصعيد المتبادل بين موسكو وواشنطن منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل شهر واحد، وصلت العلاقة بين البلدين إلى مرحلة معقّدة.

وفي حين تتعهد واشنطن ببذل كل ما في وسعها من أجل إلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا، تؤكد موسكو أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد الحفاظ على العلاقات بين البلدين فعليها الكف عن التصعيد والتوقف عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وعدم شيطنة روسيا.

end of list

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشارت ألكسندرا فاكرو، أستاذة العلاقات الدولية والمديرة التنفيذية لمركز ديفيس للدراسات الروسية في جامعة هارفارد، إلى عدم وجود أي مصلحة للطرفين في الوصول لنقطة قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد كرر -في أكثر من تصريح- أن بلاده وحلفاءها سيعملون بكل قوة لإلحاق “هزيمة إستراتيجية” بروسيا.

علاقات على شفا الانهيار

شددت الخارجية الروسية على أن مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة مرهون بواشنطن وسياستها تجاه موسكو، مشيرة إلى أن هذه العلاقات تقف على عتبة الانقطاع.

وغرّد السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف قائلا إن “منح أميركا نفسها الحق في الحكم بشأن جرائم حرب مزعومة بأوكرانيا هو شيء مثير للاشمئزاز لبلد أزهق مئات الآلاف من الأرواح ودمر العديد من الدول في أنحاء العالم”.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد أعلن رسميا -أمس الأربعاء- أن بلاده تعتقد أن “روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا”. وفي بيان له، أشار بلينكن إلى “تكرار الوحشية في مدينة ماريوبول الأوكرانية، وهو ما يرقى لجرائم ضد الإنسانية”. وقال “تقييمنا يستند إلى مراجعة دقيقة للمعلومات المتاحة من مصادر عامة واستخباراتية”، وإن المحكمة الجنائية الدولية ستنظر في الأمر.

وخلال الأيام الماضية، تبادل الطرفان طرد أعداد متزايدة من الدبلوماسيين، خاصة بعدما صرح بايدن بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “مجرم حرب”.

وقالت البروفيسورة فاكرو، للجزيرة نت، “أظن أن الروس صعّدوا دبلوماسيا، لأنهم لا يملكون طرقا أخرى للرد على وصف بايدن لبوتين بأنه مجرم حرب”.

واقتصاديا لا تجمع الدولتين علاقات ضخمة كالتي بين واشنطن وبكين. وبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين عام 2021 ما يقرب من 29.7 مليار دولار طبقا لبيانات وزارة التجارة الأميركية، منها 6.3 مليارات دولار صادرات أميركية، مقابل واردات من روسيا بلغت 23 مليار دولار.

ويمثل مصدر الطاقة من النفط النسبة الأكبر من الواردات الأميركية، وعقب الهجوم الروسي، قررت إدارة الرئيس بايدن حظر استيراد النفط منها.

علاقات عسكرية حساسة

تشير تقارير أميركية إلى أنه منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، حاول وزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، مهاتفة نظريهما وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو والجنرال فاليري غيراسيموف، لكن الروس “رفضوا حتى الرد عليهما”، حسب تصريح المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، أمس الأربعاء.

وتأتي محاولات أوستن وميلي في الوقت الذي تقترب فيه قوات الدولتين من بعضهما بعضا جغرافيا؛ فقد وصلت قوات روسية إلى مناطق داخل أوكرانيا بالقرب من حدود بولندا ورومانيا العضوتين في حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، في الوقت الذي تنقل فيه واشنطن وحلفاؤها كثيرا من الأسلحة للجيش الأوكراني عن طريق ممرات سرية من رومانيا وبولندا لاستخدامها في قتال الروس.

كما تجري الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عمليات مراقبة ودوريات جوية فوق بحر البلطيق المحاذي للحدود الروسية.

ولهذه الأسباب فُتح خط اتصال مباشر بين الجيشين الروسي والأميركي لإخطار بعضهما بعضا بعدد من العمليات الجوية المحتملة، لا سيما مع وجود الجيشين على مسافة قريبة إلى حد ما، تجنبا لوقوع أي أخطاء غير مقصودة تؤدي إلى تصعيد لا يريده الطرفان.

ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون إن الهجوم الروسي، بعد شهر من القتال، وصل إلى طريق مسدود، مما أثار المخاوف بشأن الخطوات التالية للرئيس بوتين.

“تهديد حقيقي”

ومن بين الموضوعات التي ناقشها بايدن مع قادة حلف الناتو في جلسة مغلقة كيفية الرد إذا قرر الرئيس الروسي استخدام أسلحة نووية أو كيميائية أو شن هجوم إلكتروني ضخم.

وردا على سؤال في أثناء مغادرته البيت الأبيض أمس الأربعاء بشأن خطر الحرب الكيميائية، قال بايدن إنه يشعر بأنها “تهديد حقيقي”.

ومن المرجح أن يعزز حلف شمال الأطلسي قواته على طول جناحه الشرقي، وأن ينشر 4 مجموعات قتالية جديدة في بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا يبلغ تعدادها 40 ألف جندي.

وفي الوقت ذاته، أشارت مصادر عسكرية أميركية إلى استعداد واشنطن لإرسال 100 ألف جندي أميركي على الفور لتأمين حدود حلف الناتو.

ما بعد التصعيد الأميركي

وعلى مدى 70 عاما من التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وخلال حقبة الحرب الباردة، اقتربت القوتان من الانزلاق لحرب نووية أمكن تجنّبها إبان أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي، إلا أنه حتى مع هذه الدرجة الخطيرة من التوتر لم تفرض واشنطن عقوبات على القادة السوفيات ولم تجمد أرصدتهم المالية في المؤسسات الغربية.

من هنا، لا يستوعب القادة الروس حدة العقوبات الأميركية والتعهد بضرورة هزيمة روسيا في أوكرانيا، وتعهّد واشنطن بإجبار روسيا على دفع ثمن هذه الخطوة العسكرية.

وحتى الآن، لم توقف العقوبات الأميركية والغربية الحرب الروسية في أوكرانيا، ومن غير الواضح إذا ما كانت الخطوات الجديدة المتوقع اتخاذها خلال زيارة الرئيس جو بايدن لبروكسل ستغير ذلك.

ويأمل بايدن في النجاح بدفع الشركاء الأوروبيين إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا تقطع عنها أرباحها من النفط والغاز، أو الإعلان عن مساعدات عسكرية أو مالية جديدة ضخمة لأوكرانيا.

ولم تتردد البروفيسورة فاكرو، الخبيرة في الشأن الروسي، في القول “لكي نكون صريحين، إن العلاقات وصلت بالفعل إلى نقطة منخفضة بشكل كارثي”.

وحسب الخبيرة، لا تزال هناك مجالات قليلة لا يزال التعاون فيها مستمرا؛ فهناك رائد فضاء أميركي من المقرر أن يعود من محطة الفضاء الدولية بكبسولة روسية في وقت لاحق من مارس/آذار الجاري، وتم إنشاء خط تليفوني ساخن لتجنب أي اشتباك بين القيادة الأوروبية الأميركية بحلف الناتو، ووزارة الدفاع الروسية في بداية مارس/آذار الجاري، ويتم اختبار هذا الخط يوميا، حيث يقوم الجانب الآخر بالرد، “ومع ذلك، فقد انقطعت العلاقات الاقتصادية والسياسية بالكامل تقريبا”.

ولا تزال سفارتا الدولتين تقومان بمهامها التقليدية في موسكو وواشنطن، وإن كان ذلك بمستويات منخفضة وأعداد أقل من الدبلوماسيين. ورغم ذلك، فإن الخبيرة فاكرو تقدّر أنه لن يكون هناك قطع كامل للعلاقات بين الدولتين، لأن هذا لا يصب في مصلحة أي من الجانبين.

المصدر : الجزيرة
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار