أغنية «يا مَنْ يَحِنُّ إليكِ فؤادي» وجماليتها الفلكلورية بصوت السيدة فيروز كلمةً وأداءً

أغنية «يا مَنْ يَحِنُّ إليكِ فؤادي» وجماليتها الفلكلورية بصوت السيدة فيروز كلمةً وأداءً

بقلم : الدكتور منير توما

                                                                                   كفرياسيف

تعتبر أغنية «يا مَنْ يَحِنُّ إليكِ فؤادي» من الأغنيات الفولكلورية ، ويعود تاريخها الى القرن الثامن عشر ، وما زالت تؤدّى في أيامنا هذهِ بوصفها جزءًا من الفُلكلور . ويرى بعض الباحثين أنها من الموشّحات وأنّ ناظمها هو شاعر من آل الوزان . ويُعتقد أنّ أول من غنّى هذه الأغنية متري المُرّ ، ثمّ غنّاها بعده عدة مطربين ومنهم نزهة يونس . أمّا السيّدة فيروز فقد قام الأخوان رحباني عاصي ومنصور بإعدادها لها لتغنيها في أسطوانة أغاني من الماضي ؛ وفي البداية لا بُدَّ لنا أن نسوق كلمات الأغنية كما غنتها السيدة فيروز حيث ورد فيها ما يلي :

يا مَنْ يَحِنُّ إليكِ فؤادي

هل تذكرينَ عهودَ الودادِ

هل تذكرينَ ليالي هوانا

يومَ التقينا وطابَ لقُانا

حينَ الوفا للأغاني دعانا

طافَ الجمالُ على كُلِّ وادي

هل تذكرينَ غداة الورودُ

حنّتْ علينا وطابتْ وعودُ

كانتْ لنا في الغرامِ عهودُ

صارتْ حديثَ الرُبى والشوادي

إنّ خلفية قصة هذهِ الأغنية قد تكون حقيقية وقد تكون ليست حقيقية ، ولكن الأغنية بكلماتها والحانها تبقى لتعيش وتصبح «حديث الرُبى والشوادي» ؛ ويُلاحظ أنّ كلمات هذهِ الأغنية مفعمة برقيّ وتحضُّر المعاني مما يشير الى اخلاق الشاعر الرفيعة ، فكاتب هذه الكلمات يُجَسِّد حياته الروحية بحافزٍ من المبادئ الثابتة في نفسهِ بتربيةٍ قويمة ، فالإنسان القوي بخلقه وحياته الروحية ومبادئهِ ، يستطيع أن يستعيد ذكريات الغرام وهو واقع تحت جاذبية الحب ومبصر في الوقت نفسهِ حلاوة أيام الوصال مع الحبيبة بكل ما في ذلك من اشراق وبهجة من جهة ، وما كان فيها من حسرة وخيبة أمل . إنّ ذكريات الحبّ كما يمثّلها شاعر هذهِ الأغنية بكلماتهِ إنمّا تنُمّ عن فكرة سرمدية بأن الحب هو صورة الحياة والإنسان ، فليس عجبًا أن يكون الحب ملهمًا شعر الحب الخالد على مر الازمان بتنوعاتهِ المختلفة . وها نحن في أبيات هذه الأغنية نقرأ ونستمع الى أرق الشعر بأحاديث الهوى والحب .

ومن اللافت في هذهِ الأغنية ما فيها من مصدر الأخلاق الكريمة والوجد واللوعة والغرام ، والوفاء ، علاوةً على مظاهر الحب الطاهر ، تزينه رقة الشعور ، ورهافة الحس ، ونبل العاطفة ، بمعانيها السامية الرفيعة . ويمكننا في قراءتنا وسماعنا وتحليلنا لكلمات هذه الأغنية أن نتصورها تصورًا واقعيًا للحب . فنرى فيه الحب الوفي ، الذي يخلص فيهِ الرجال لامرأة واحدة ، لا يرى في الدنيا جديرًا سواها ، ولا يحس بقدرة الى الميل الى غيرها مهما حجزت الحواجز بينهما . فالشاعر في كتابته لهذه الأبيات لا يستطيع أن يفلت من ذكريات حبه المهيمن على ذاتهِ ، وهو الأسير لهذا العشق الذي ما زال يسيطر على ذاكرتهِ وجوارحهِ مسترجعًا الماضي الجميل حيث كان ينعم مع محبوبتهِ بالعيش المفعم بأمل الوصال .

ويُفهَم من كلمات الأغنية أنّ الحوائل قد حالت دون هذا الحب ، فاحترق صاحبه شوقًا الى من يحب ، بعد أن أصبحت القطيعة مع الحبيبة أمرًا واقعًا أبديًا بفعل ظروفٍ مانعة فرّقت الحبيبين عن بعضهما ، وأصبح حبهما ذكرى لم تزل تعتمد في مخيلة الشاعر العاشق ، فنرى في كلماتهِ العفّة وهي تطهّر هذا الحب الضائع وتقية من زلل الكلام .

إنَّ أروع ما في الحب في هذهِ الأغنية أنّه يلهب دفعة واحدة كل قوى الإنسان بشفافيةٍ ابداعيةٍ خلّاقة ، فالمحب هنا يفكر في محبوبتهِ بعقلِهِ ، ويحنُّ إليها بقلبهِ، ويطلب الاندماج فيها بجسدهِ ، فقوى العقل والقلب والجسد تشترك جميعًا في ابداع نشيد ونشوة الحياة ، فالشاعر هنا يعتبر الحبيبة غاية ووسيلة ، غاية في نَفْسِهِ ، ووسيلة يستنزلُ بها وحي الحياة الكبرى نحو العشق والغرام والحنين والوفاء للحبيبة .

ومن المهم أن نشير في هذا المقام أنّ حب الشاعر في كلمات هذه الأغنية يميل كثيرًا الى كونهِ حبًّا روحيًا يتعلق فيهِ العاشق بمحبوبة واحدة ، يرى فيها مثله الأعلى الذي يحقق له متعة الروح ورضا النفس واستقرار العاطفة ، وهو استقرار يجعل فتنته بواحدة تقف عندها آماله ، وتتحقق فيها كل أمانيهِ ، فهي الهدف الذي يطلبه ، والغاية التي يسعى اليها ، والأمل الذي يرتجيهِ ، فالمحبوبة عنده هي التي تعجبه وترضيهِ حتى بعد فراقهما ، فالذكريات تعبر عن أحاسيس الشاعر ومشاعره نحو ملهمتهِ بحسب تكوينه وفلسفته في الحب والعشق .

وهكذا ، فإنّ هذه الأغنية تصوِّر لنا خلاصة تجربة شاعر رومانسي بكل ما تعنيه هذه الكلمة حيث يعكس مشاعره بصدق وأمانة وحرارة ، فقدّم عبر هذه الأبيات الشعرية ذوب قلبهِ الذي أحب ، وعانى ، فكانت تجربة الحب هذه غذاءً لذكرياتهِ، يشفي به غليلَ قلبهِ المتشوِّق وعاطفته الصادقة الفيّاضة بحديث المحب الولهان.

وختامًا ، لا بُدَّ لنا أن نؤكد هنا أنَّ المطربة الرائعة نزهة يونس قد غنّت أغنية «يا مَنْ يَحِنُّ إليكِ فؤادي» أيضًا كما كنّا قد أشرنا سابقًا ، ولكن بكلماتٍ تتضمن اختلافًا ما في النص مع الحفاظ على مبدأ ذكريات الحب الرومانسي الأصيل الوفي الذي وردت سماته في أغنية صاحبة الصوت الملائكي السيدة فيروز ، ولقد ارتأينا أن نذكر أدناه كلمات هذه الأغنية كما شدت بها نزهة يونس :

يا مَنْ يَحِنُّ إليكِ فؤادي

هل تذكرينَ عهودَ ودادي

هل تذكرينَ الحبَّ القديمَ

أيامَ كانَ العيشُ سعيدا

أيامَ كُنّا نطوفُ الكرومَ

نقطُفُ نرجسَ ذاكَ الوادي

هل تذكرينَ ، هل تذكرينَ

حُبًّا يزيدُ إليكِ حنينا

قلبي لحُبِّكِ يبقى أمينا

لو عيلَ صَبْري وطالَ بُعادي .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار