الطاقة الشمسية.. هل هي فعلا بديل حقيقي للمستقبل؟

تحويل طاقة الشمس إلى كهرباء واستعمالها أصبح الآن واقعا نلمسه كل يوم، بناء تراكمي اشتغل عليه العلماء طيلة القرن العشرين، واليوم أصبحنا نعيش تجارب رائدة غيرت نظرة العالم إلى هذه الطاقة المتجددة التي استعملت لأول مرة سنة 1911.

ففي صبيحة الثلاثاء 26 يوليو/تموز 2016، أكملت الطائرة السويسرية “سولار إمبولس2” جولة كاملة حول الأرض باستعمال الطاقة الشمسية بشكل كامل، دون استهلاك قطرة وقود واحدة.

أما في ألمانيا فزودت أسطح المنازل الجديدة بألواح شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية التي تحتاجها، بينما يُحتفظ بالباقي في بطاريات ويباع الفائض للدولة.

وفي المغرب تم تركيب 28 ألف مضخة تعمل بالطاقة الشمسية لاستخراج الماء من الآبار في الضيعات الفلاحية، لتعوض بشكل كامل استعمال الغاز لاستخراج المياه الجوفية مع حلول سنة 2021.

الاستثمار في الطاقة الشمسية يمكن أن يكون بديلا حقيقيا في بعض المناطق التي تتميز بطقس مشمس في أغلب أوقات السنة، كما أن بعض الدول بدأت فعلا في إنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة من الألواح الشمسية، ومن بينها دول عربية.

 

عصر الطاقة الشمسية.. قادم

كلفة الاستثمار المرتفعة هي أول التحديات التي واجهت الدول الراغبة في إنتاج الطاقة الشمسية، خصوصا أن تحويل هذه الطاقة إلى كهرباء يحتاج أولا إلى ألواح تلتقط الأشعة، ثم بطاريات لتخزين الكهرباء المنتجة، وهي كلها معدات مكلفة ماديا.

وقد دفعت هذه الوضعية عددا من الدول -خصوصا مع بداية الألفية الجديدة- إلى التخلي عن مشاريعها في هذا المجال، أو مراجعة توقعاتها المستقبلية.

لكن الأبحاث العلمية من أجل خفض التكاليف لم تتوقف خصوصا في الولايات المتحدة، وتعززت هذه الأبحاث أكثر برغبة بعض الدول في خفض نسبة التلوث وضمان أمنها الطاقي بعد ارتفاع أسعار النفط.

وهكذا عاد السباق نحو الاستثمار في الطاقة الشمسية إلى سِكته ليشهد خلال السنوات العشر الأخيرة نموا بنحو 50%.

ومكنت أيضا الأبحاث المتواصلة من تقليص أسعار الكهرباء المنتجة من الشمس بنحو 10% سنويا منذ عام 2005، لتصبح بذلك أقرب إلى منافسة الفحم والطاقة النووية.

وفي 2017 قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول “ما نشهده هو ولادة عصر جديد للطاقة الشمسية، ونتوقع أن يرتفع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أكثر من أي تقنية متجددة أخرى حتى 2022”.

وتوقعت الوكالة ارتفاع توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة لتمثل 29% من مزيج الطاقة العالمي بحلول 2022، أي ما يعادل مجموع استهلاك الكهرباء في الصين والهند وألمانيا.

 

اتفاقية باريس.. توجه نحو الطاقة النظيفة

التوقيع على اتفاقية باريس في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015 خلال مؤتمر المناخ “كوب21” شكل آنذاك دفعة نحو الاعتماد أكثر على الطاقات المتجددة.

فقد حثت الاتفاقية جميع دول العالم على خفض انبعاثات الكربون وتقليص الاعتماد ما أمكن على الطاقات الأحفورية. والهدف هو الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

وما جعل الاتفاقية تدخل التاريخ هو التوقيع عليها من قبل معظم دول العالم، بما فيها الدول الكبرى الملوِّثة وعلى رأسها الصين والهند وروسيا، كما انضمت إليها لأول مرة الولايات المتحدة وكندا.

ومع مجيء الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في 2016 وإعلانه بعد سنة واحدة فقط انسحاب بلاده من اتفاقية باريس العالمية، سادت تخوفات من تأثير ذلك على الاستثمارات في الطاقات المتجددة. لكن على العكس ارتفع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في الولايات المتحدة منذ 2016.

 

تهديدات أمريكية.. لا وجود لها

إعلان ترامب الخروج من اتفاقية باريس وبدء المفاوضات على إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد يكون منصفا أكثر لبلاده كما يقول، لم يؤثر على التوجه نحو الطاقات المتجددة وخصوصا الشمسية، فخلال سنة 2018 -أي بعد مرور ثلاث سنوات على دخول ترامب البيت الأبيض- بلغت مساهمة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الأمريكي 18%، أي ضعف ما سُجل قبل عشر سنوات.

كما تراجع إنتاج الكهرباء انطلاقا من الفحم من 50% إلى 30%، لتحل الطاقة الشمسية والريحية النظيفة مكانه، وتتوقع الهيئة الأمريكية للطاقة أن يتجاوز حجم الطاقة المتجددة حجم تلك المنتَجة من الفحم ابتداء من سنة 2035.

وفي أفق 2020 ستشرع مزارع كبرى للألواح الشمسية في كاليفورنيا في توليد الطاقة الكهربائية الأكثر اقتصادا في العالم، مستفيدة من المساحة الهائلة للأراضي الأمريكية.

وفي مايو/أيار 2018، سُن قانون جديد يلزم جميع مباني كاليفورنيا السكنية الجديدة بالاعتماد جزئيا أو بشكل كامل على الطاقة الشمسية.

 

الصين.. أكبر المستثمرين

المشاريع العملاقة للصين شملت جميع المجالات ولم تستثن الطاقة الشمسية. وفي العام 2017 قادت الصين أكثر من نصف استثمارات الطاقة الشمسية الجديدة في العالم بأزيد من 86 مليار دولار، أي ضعف الاستثمارات الأمريكية في هذا المجال.

وتمتلك الصين أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، بقدرة إنتاجية إجمالية تقدر بـ”130 غيغاواطاً” لتتربع بذلك على عرش الدول عالميا في مجال توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.

كما توجد في صحراء “تنغر” بالصين أكبر محطة طاقة شمسية في العالم في الوقت الراهن، وتتجاوز قدرتها الإنتاجية 1500 ميغاوات.

ويرى مراقبون أن اهتمام الصين بالطاقة الشمسية نابع أولا من أنها بلد مصنع لنحو 60% من الألواح الكهروضوئية في العالم، وهو ما يعني أن من مصلحتها استمرار ارتفاع الطلب على الألواح الشمسية، ومواصلة تشجيع الاستثمار في هذا المجال.

كما أن الصين تريد تغيير الصورة اللصيقة بها كإحدى الدول الأكثر تلويثا للأرض عبر الاعتماد أكثر على مصادر الطاقة النظيفة، رغم أن المحطات الحرارية التي تعتمد بالأساس على الفحم لا تزال توفر نحو ثلثي احتياجات الصين من الكهرباء.

 

ديزيرتيك.. المشروع الضخم يتعثر

صحاري العالم تستطيع توفير كل ست ساعات ما يكفي من الطاقة لتلبية استهلاك سكان العالم خلال عام كامل.. هذا المعطى توصلت إليه الدراسات التي قامت بها مؤسسة “أيه بي بي” السويسرية السويدية الشريكة في مبادرة ديزيرتيك الصناعية.

وكانت هذه الدراسات هي السبب وراء فكرة مشروع ديزيرتيك الذي رأى النور رسميا في مدينة ميونخ الألمانية سنة 2009، وسرعان ما انضم إلى المشروع 57 شريكا من 16 دولة.

الفكرة تنبني على استغلال شمس الصحراء الأفريقية لإنتاج الطاقة الكهربائية، ثم نقلها إلى أوروبا. وقدرت تكاليف المشروع آنذاك بـ400 مليار يورو تُستثمر على مدى 40 سنة.

محطة نور 1 للطاقة الشمسية في المغرب وتعد المغرب من الدول الرائدة عربيا، وتحتضن مدينة ورزازات في الجنوب الشرقي للبلاد إحدى أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم

لكن بعد نحو أربع سنوات فقط، واجهت المشروع تحديات كبرى حالت دون استكماله خصوصا بعد انفصال مؤسسة ديزيرتيك غير الربحية عن باقي الشركاء في المبادرة الصناعية، بحجة أنها “لم تعد مرتاحة للأهداف التجارية التي عبرت عنها الأطراف المشاركة”. بالإضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي لبلدان جنوب أوروبا، وثورات الربيع العربي خصوصا في تونس وليبيا ومصر.

ورغم هذه المشاكل، ما زالت منظمة السلام الأخضر (غرين بيس) الداعمة للمشروع ترى أنه بإمكانه أن يستمر، إلا أنها غير متأكدة مما إذا كان سيتحقق حلم ربط المشروع بشبكة الطاقة الأوروبية.

 

الدول العربية.. الأنسب للاستثمار

تقع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منطقة “الحزام الشمسي” التي تتميز بسطوع الشمس طيلة أشهر السنة، وهذا يمنحها فرصا هائلة للاستثمار في هذا المجال وبمردود أكبر مقارنة بالدول الأوروبية التي لا ترى الشمس كثيرا.

وقد انخرطت جميع الدول العربية سواء المنتجة للبترول أو غير المنتجة في مشاريع الطاقة الشمسية وإن تفاوت حجم الاستثمارات من دولة إلى أخرى.

وتعد المغرب من الدول الرائدة عربيا، وتحتضن مدينة ورزازات في الجنوب الشرقي للبلاد إحدى أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم باستثمارات تناهز مليارين ونصف مليار يورو. ومن المتوقع لمشروع “نور” الذي يمتد على مساحة أزيد من ثلاثة آلاف هكتار أن يولّد عند اكتمال أضلاعه الأربعة طاقة تقدر بـ580 ميغاواطاً، وهو ما سيوفر طاقة نظيفة لنحو مليون منزل مغربي.

وفي مصر ساعدت الطاقة الشمسية في الحد من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، ويوجد أكثر من 32 مشروعا للطاقة الشمسية في مصر بطاقة إجمالية تصل إلى نحو 1.5 غيغاواط.

حتى الدول المنتجة للغاز والبترول تستثمر في الطاقة الشمسية، فدولة قطر تخطط لإنتاج نحو 10 غيغاواطات من الكهرباء من الطاقة الشمسية بحلول العام 2030.

وتخطط السعودية أيضا لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الشمسية في أفق 2030 سيصبح الأكبر في العالم بطاقة تقدر بـ200 غيغاواط.

أما الإمارات فتمتلك 68% من القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة في الخليج، ونحو 10% من القدرة العالمية. كما تعتزم إنتاج نحو 24% من إجمالي إنتاجها من الطاقة من مصادر الطاقة النظيفة وخصوصا الشمسية بحلول 2021.

 

في مصر.. أول محطة شمسية

الدول العربية هي إذن من أنسب المناطق في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية، وهذا يفسر اختيار فرانك شومان المخترع الأمريكي المتخصص في مجال الطاقة لمصر لإنشاء أول محطة للطاقة الشمسية في التاريخ عام 1911.

فقد احتضنت مدينة المعادي المصرية المشروع وكان عبارة عن خمسة ألواح بطول 62 مترا وعرض أربعة أمتار واستمر تشغيلها لنحو سنة.

كان اختراع شومان يولد ما يعادل طاقة محرك بقوة 60 حصانا، واستُخدم لضخ المياه من نهر النيل إلى حقول القطن المجاورة، وأدخلت عليه بعض التحسينات لزيادة فعاليته وأًصبح يولد طاقة تعادل 100 حصان.

لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى واكتشاف النفط الرخيص في الثلاثينيات، جعل العالم يصرف النظر عن استخدام الطاقة الشمسية، قبل أن تعود أفكار وتصاميم شومان إلى الواجهة في فترة السبعينيات مع عودة الاهتمام بالطاقات المتجددة.

 

الفضاء.. مستقبل الطاقة الشمسية

منذ ستينيات القرن الماضي طرح المهندس الأمريكي من أصل تشيكي بيتر غليزر لأول مرة فكرة بناء محطة فضائية لتوليد الطاقة الشمسية.

وتوالت الأبحاث فيما بعد في هذا الاتجاه، إلى أن نجح علماء يابانيون في العام 2015 في نقل 1.8 كيلوواط من الطاقة الكهربائية لاسلكيا باستخدام الموجات القصيرة. وهو ما مهد الطريق لتطوير فكرة توليد الطاقة الشمسية من الفضاء ونقلها بعد ذلك لكوكب الأرض، لتضع اليابان برنامجا طموحا لإنشاء أول محطة شمسية في الفضاء في حدود عام 2040.

كما أن الصين تُطور نماذج من محطات فضائية لإرسالها إلى الفضاء انطلاقا من عام 2020، لالتقاط أشعة الشمس وتحويلها إلى طاقة وإرسالها إلى الأرض.

وتكمن أهمية هذا النموذج في وجود الألواح الشمسية خارج الكرة الأرضية بعيدا عن أي إعاقة من الغيوم أو الغلاف الجوي أو دورة الليل والنهار، على اعتبار أن هذه المحطات الفضائية الشمسية يمكن أن تتحرك تبعا لحركة الكرة الأرضية.

 

 

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار