ظِمايَ كَالفَرَسِ الجَموحِ شعر: محمود مرعي

ظِمايَ كَالفَرَسِ الجَموحِ

شعر: محمود مرعي

قَرَّتْ عُيونٌ بِالجَريمَةِ وَالدَّمِ.. وَبَكَتْ عُيونٌ لِانْطِفاءِ الأَنْجُمِ

وَصَدى العَويلِ عَواصِفٌ تَجْتاحُنا.. وَالقاتِلُ الـمَأْفونُ مَدْفوعٌ عَمِ

كَمْ شَقَّ عَتْمَ اللَّيْلِ خَيْطُ رَصاصِهِ.. وَدَوِيُّهُ أَقْصى الكَرى عَنْ نُوَّمِ

كَمْ أَرْعَبَ الأَطْفالَ ضَغْطُ زِنادِهِ.. أَوْ أَثْكَلَ امْرَأَةً ضَعيفَةَ مِعْصَمِ

كَمْ عابِرٍ أَهْوى الرَّصاصُ بِجِسْمِهِ.. فَوْقَ الرَّصيفِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ قَدْ رُمي

جَفَّتْ مَنابِعُ خَيْرِنا وَتَسَرَّبَتْ.. لِلْمُهْلِكاتِ نَواخِرٌ في الأَعْظُمِ

وَخَبَتْ مَواقِدُ أَلَّفَتْ حَتّٰى العِدى.. وَشَبَتْ جِمارٌ مِنْ سُعارِ السُّوَّمِ

وَتَغَلْغَلَتْ فينا الضَّغينَةُ وَالْتَظَتْ.. بِرُؤوسِنا الثَّاراتُ ظَمْآى لِلدَّمِ

وَتَصَدَّعَ البُنْيانُ، خَرَّ بِأَهْلِهِ.. وَالكُلُّ في طُنُبِ السَّلامَةِ يَحْتَمي

وَالكُلُّ يَبْرَأُ مِنْ مَحاصِدِ جَهْلِنا.. وَجَميعُنا الذِّئْبُ الَّذي لَمْ يَأْثمِ

وَغَدا الـمُسَدَّسُ سَيِّدًا في سادَةٍ.. جُبِلوا عَلى فَضِّ الوِفاقِ الـمُبْرَمِ

البائِعينَ حَياتَنا لِعَصائِبٍ.. نَقْدًا، وَبِالدُّولارِ لا بِالدِّرْهَمِ

طَرْدُ الأَمانِ عَنِ النُّفوسِ أَمانَةٌ.. في عُرْفِهِمْ، حَظِيَتْ بِبَرِّ الـمُقْسِمِ

فَالقَتْلُ غولٌ لا يَنامُ وَلا يَني.. عَنْ فَرْضِ حُكْمِ الغاشِمِ الـمُتَلَثِّمِ

صارَ السِّلاحُ إِمامَنا وَلِسانَنا.. فَهْوَ الفَصيحُ اللَّفْظِ، خَيْرُ مُتَرْجِمِ

وَتَقولُ لي يا صاحِبي، دَعْهُمْ وَمِلْ.. لِلرَّوْضِ، أَكْرِمْ بِالرِّياضِ وَأَنْعِمِ!

فَالرَّوْضُ مَهْدُ الشِّعْرِ، عَبْقَرُ جِنِّهِ.. في وِرْدِهِ عَذْبُ القَوافي فَاغْنَمِ

هٰذا القِرى لِلرُّوحِ، فَانْبِذْ غَيْرَهُ.. وَدَعِ الوَرى حِلْفَ التَّخَلُّفِ وَاقْدِمِ

يا صاحِبي، أَهْلي أُولاءِ وَعُزْوَتي.. وَالأَهْلُ بِالإِنْصافِ أَوْلى فَاعْلَمِ

ما جازَ هَجْرُ الأَهْلِ عِنْدَ مُصابِهِمْ.. وَالدَّهْرُ دولابُ السَّنامِ وَمِنْسَمِ

حَتّٰى وَإِنْ أَخْنى الزَّمانُ عَلَيْهِمُ.. وَانْحازَ في الأَحْكامِ لِلْمُتَحَكِّمِ

وَانْدَقَّ عُنْقُ العَدْلِ، فِعْلُ مَكيدَةٍ.. حيكَتْ بِلَيْلٍ مِنْ خَبيثٍ أَرْقَمِ

يَزْدادُ ما نَطَقَ الرَّصاصُ تَبَسُّمًا.. وَتَراهُ مِنْ حَقْنِ الدِّماءِ بِمَأْتَمِ

مِنْهُ السِّلاحُ وَمِنْهُ كُلُّ رَصاصَةٍ.. جُلِبَتْ نَهارًا أَوْ بَياتًا، فَافْهَمِ

حَتّٰى الأَمانَ يَرَوْنَهُ خَطَرًا عَلى.. أَرْكانِ دَوْلَتِهِمْ، وَحالَ تَسَمُّمِ

يَسْتَكْثِرونَ عَلى الخَليقَةِ أَمْنَها.. فَزَوالُهُ حَتْمٌ بِفِعْلٍ مُحْكَمِ

زَرَعوا الـمُخَدِّرَ في نُفوسِ شَبيبَةٍ.. فَنَما خَرابًا وَانْتَشى بِالـمَغْرَمِ

ثُمَّ اسْتَطالَ وَهاجَ، آتى أُكْلَهُ.. بَيْنَ الشَّبابِ، أَحَلَّ كُلَّ مُحَرَّمِ

وَفَشا السِّلاحُ فَكُلُّ مالِكِ قِطْعَةٍ.. تَلْقاهُ تُضْمِرُ قَوْلَ: رَبِّي سَلِّمِ

صِرْنا نَحِنُّ لِعَهْدِ مُخْتارِ الحِمى..  لِجَنى البَيادِرِ مِنْ حَصادِ الـمَوْسِمِ

وَلِلَمَّةِ الرِّعْيانِ في رَأَدِ الضُّحى.. وَالأَكْلِ فَوْقَ العُشْبِ دونَ تَبَرُّمِ

وَالأَكْلُ مِمَّا قَدْ تَيَسَّرَ، بُقْجَةٌ،.. فيها الرَّغيفُ وَزَعْتَرٌ بِالسِّمْسِمِ

أَوْ لَبْنَةٌ، مَنْقوشَةٌ وَطَماطِمٌ.. أَهْنا وَأَمْرَأُ مِنْ طَعامِ الـمَطْعَمِ

شَظَفُ الـمَعيشَةِ رَغْمَ عَضَّةِ نابِهِ.. أَهْنا مِنَ التَّرَفِ الـمُلَطَّخِ بِالدَّمِ

فيهِ الأَماسي الغافِياتُ عَلى الرِّضى.. وَحديثُها الخَمْرِيُّ تَحْتَ الأَنْجُمِ

وَمَشى الزَّمانُ كَهارِبٍ بِمُهَرَّبٍ.. يَبْغي اجْتِيازَ كُوى السَّبيلِ الـمُبْهَمِ

فَالحِمْلُ هاضَ جَناحَهُ مِنْ ثِقْلِهِ.. وَدَوائِرُ الدَّبَراتِ كَيُّ الـمِيسَمِ

ما بَيْنَ طَرْفٍ وَانْتِباهَةِ غَفْلَةٍ.. أَلْفَيْتَنا صَرْعى بِكُلِّ مُخَيَّمِ

إِنَّ القَطيعَ يَقودُهُ مِرْياعُهُ.. وَيَقودُنا غَيْرُ السَّوِيِّ الأَحْكَمِ

مِرياعُنا بَشَرٌ تَبَخَّرَ خَيْرُهُ.. ما بَيْننا، وَيُطيلُ شَكْوى الـمُعْدَمِ

وَتَراهُ صُنْدوقَ الزَّكاةِ لِغَيْرِنا.. يَحْثو العَطايا كَالكَفيلِ لِيُتَّمِ

وَإِذا أُصيبَ بِسَهْمِ نَقْدٍ فاضِحٍ.. خُبْثَ الطَّوِيَّةِ، صَبَّ نارَ جَهَنَّمِ

فَتَرى الرَّصاصَ مُلَعْلِعًا وَسَطَ الدُّجى.. وَجُنودَ غَزْوٍ لِلْحِمى وَالـمَحْرَمِ

مَلَّ الأَمانُ مُقامَهُ بِجِوارِنا.. شَدَّ الرِّحالَ إِلى البَعيدِ الأَسْلَمِ

صِرْنا كَأَطْفالِ الشَّوارِعِ ما لَنا.. ما حامَ نَسْرُ الـمَوْتِ، حِلْفُ مُحَمْحِمِ

يَفْري الكَوارِثَ وَالدَّواهي جُمْلَةً.. حَتّٰى يُقالَ قَضى زَمانُ الدَّمْدَمِ

وَقَضى السِّلاحُ مِنَ الصَّدا بِرَصاصِهِ.. مِنْ أَيِّ حَجْمٍ كانَ، حَتّٰى الدُّمْدُمِ

صارَ الأَمانُ أَمانِيًا مَفْقودَةً.. في كُلِّ قَلْبٍ دَعْوَةُ الـمُتَظَلِّمِ

فَقْدُ الأَمانِ مِنَ النُّفوسِ يَزيدُ في.. بَثِّ الحَنينِ إِلى الزَّمانِ الأَقْدَمِ

لِزَمانِ قَبْلَ الكَهْرُباءِ وَنورِها.. أَيَّامَ فانوسٍ مُضيءٍ مُعْتِمِ

لِـمَضافَةٍ أَنْوارُها حُضَّارُها.. فَالكَهْرُباءُ بِها القُرى لَمْ تَحْلُمِ

لِثَقافَةِ الشَّيْخِ الوَقورِ بِمَجْلِسٍ.. إِنْ قالَ أَسْمَعَ لِلْأَصَمِّ الأَبْكَمِ

كانَتْ نُفوسُ النَّاسِ تَنْضَحُ طيبَةً.. لَمْ يَجْرِ حِقْدٌ في الدِّما وَالأَعْظُمِ

وَإِذا النَّوايا غُمِّسَتْ بِمَوَدَّةٍ.. عافَتْ نُفوسُ الخَلْقِ عاطِرَ مَنْشَمِ

لٰكِنْ إِذا رَضِعَتْ سُمومَ جَهالَةٍ.. عادَتْ جَهالَتُها مَآثِرَ مُجْرِمِ

وَمَحامِلُ القَتْلى بِغَيْرِ تَوَقُّفٍ.. وَالقَتْلُ في الجِنْسَيْنِ دونَ تَأَثُّمِ

حَتّٰى الخِلافُ عَلى الطَّريقِ خِتامُهُ.. جَسَدٌ مُسَجَّى، فَاحْمِلَنْ وَتَرَحَّمِ

وَإِذا الْتَفَتَّ لِأَهْلِنا في غابِرٍ.. فَهُمُ الكِرامُ مِنَ النُّجارِ الأَكْرَمِ

رَغْمَ الهَوانِ تَمَسَّكوا بِثَقافَةٍ.. بَسَقَتْ، فِلَسْطينِيَّةٍ لَمْ تُهْزَمِ

غَرَسوا بِذاكِرَةِ الـمَكانِ وُجودَهُمْ.. فاضَتْ بِهِمْ تَرْوي النُّفوسَ كَزَمْزَمِ

زادوا أَثافي يَعْرُبٍ أُثْفِيَّةً.. وَانْظُرْ لِأَرْبَعَةٍ تَلوحُ كَمَعْلَمِ

بيضُ القُلوبِ لَدى اخْضِرارِ دُروبِهِمْ.. حُمْرُ السُّيوفِ عَلى السَّوادِ الأَقْتَمِ

أَكْرِمْ بِما وَرِثوهُ أَوْ قَدْ وَرَّثوا.. وَاقْرَأْ ثَقافَتَهُمْ بِعَقْلِ الـمُنْتَمي

تِلْكَ الثَّقافَةُ لا ثَقافَةُ خانِعٍ.. نَخِرِ الشَّجاعَةِ مُفْلِسٍ وَمُسَمَّمِ

تِلْكَ الثَّقافَةُ مَلَّكَتْكَ حَضارَةً.. لِتُضيءَ حاضِرَةَ الزَّمانِ الـمُظْلِمِ

لا تَسْقِني العَذْبَ الزُّلالَ فَإِنَّني.. لِحَضارَتي الأَرْقى وَشُرْبَتِها ظَمِ

وَلِبَعْثِها فَوْقَ الوُجودِ مَنارَةً.. تَهْدي السُّراةَ إِلى حِياضِ مُعَلِّمِ

وَظِمايَ كَالفَرَسِ الجَموحِ مُحَمْحِمٌ.. حَتَّى الوُرودِ عَلى الجَنى الـمُتَوَسَّمِ

حَتَّى تُفَضَّ تَمائِمُ السِّحْرِ الغَويْ.. بِسنابِكِ الفَجْرِ الضَّحوكِ الـمَبْسَمِ

حَتَّى يَخِرَّ دُجى البَصائِرِ، وَالضِّيا.. فَيْضٌ يَفُضُّ أَذى العَقيرِ الـمُعْدَمِ

وَالمُرْجِفونَ المارِقونَ بِلا سَما.. في الأَرْضِصَرْعى لِلْأَيادي وَالفَمِ

حَتَّى تُرَدَّ لِلَيلِها غِيلانُهُ.. فَالصُّبْحُ سَرْجُ الفارِسِ الـمُتَقَحِّمِ

قوتُ الحُروبِ مَطاعِنٌ وَجَماجِمٌ.. قوتُ القُلوبِ ضِيا الحَضارَةِ فَاطْعَمِ

وَالحَرْبُ فِعْلٌ مُشْبَعٌ بِتَخَلُّفٍ.. لكِنْ إِذا وَجَبَتْ فَفِعْلُ تَقَدُّمِ

وَالخَلْقُ في رَغَدٍ وَخَيْرِ مَعيشَةٍ.. بِظِلالِ سِلْمِ الحَقِّ لا الـمُسْتَسْلِمِ

وَالسِّلْمُ مَرْساةُ السَّفينِ وَدونَها.. سَتَظَلُّ تائِهَةً بِعُرْضِ الخِضْرِمِ

أَوْ تَنْطَحُ الشُّطْآنَ يَحْطِمُها الثَّرى..  وَيُقالُ جَهْلُ الخَلْقِ أَوْدى بِالعُمي

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار