رسالة في التعايش (1)

رسالة في التعايش (1)

مقدمة

بعيدا عن كلمات الملاطفة , والكلمات الزائفة , والخطابات المعسولة , والشعارات الرنانة , وقولوها بصراحة وبصوت عال وواضح وبدون تلعثم او تردد , فلا عيب في ذلك , ولنكن على قدر من الشجاعة والرجولة . يجب ان نتعايش على مبدأ الامر الواقع الذي فرضته وتفرضه طبيعة الحياة التي جمعتنا على ارض واحدة , ومكان واحد , وزمن واحد . التاريخ ! واقع الاحتلال ! وسياسة الامر الواقع . يجب الا نتذاكى , ولا اعبر هنا عن موقف خاص فقط او عن فهم خاص للتعايش . فها هي الولايات المتحدة استطاعت تحت شعار التعايش السلمي ان توقف حربها مع ما سمي الاتحاد السوفياتي سابقا خلال الحرب الباردة خدمة لحاجة الطرفين الى حل يرضي الطرفين رغم اختلاف نظاميهما , ليس حبا او مودة بينهما , ولكن للحفاظ على سلامة البشر والارض من الحروب, وللحد من الصراع بين معسكرين مختلفين سياسيا وعقائديا , وتحت شعار التعايش الاقتصادي بمعنى ضرورة التبادل التجاري المبني على المصالح التجارية , عالم المال والاعمال بين الدول والامم والشعوب . ويعتبر هذا نوعا من التعايش . وهناك التعايش الاجتماعي الذي يفرض على الناس داخل المجتمع الواحد على اختلاف معتقداتهم وطوائفهم والوانهم واطيافهم السياسية واجناسهم واعراقهم ان يتعايشوا على مبدأ المشاركة والندية والمساواة ! وهو لب القضية لدينا . حيث اشعر ان البعض “يتعايش” بمعنى “يتحايل” هنا من اجل ان نذوب في وعاء غيرنا , فنفكر كما يفكرون , ونشعر بما يشعرون , ونتألم كما يتألمون ,يريد لنا ان ننسى اصولنا وانتماءنا وهويتنا تحت شعار التعايش . كثيرة هي المواقف التي تدلل على ذلك , ولا انسى احد المواقف التي حدثت امامي , حيث ان احدى النساء العربيات يوم مجزرة الشجاعية والحرب على غزة والتي استشهد فيها من استشهد من الاطفال والرجال والنساء , وبعفوية تامة ذكرت امامي قائلة : “اليوم قتل طفل يهودي صغير مسكين ! يا حرام “. نعم أقول حرام قتل الابرياء , والاطفال والنساء والشيوخ , وحرام تجريف الاراضي وقلع الاشجار وحرق المزروعات وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها ! وحرام كذلك تجويع الشعوب وتركيعها واذلالها واغلاق المعابر امامها ! لماذا لا تبدين ألمك على كل ذلك , ام ان البعض منا يعيش على كوكب أخر ؟! اذا التعايش كلمة واسعة فضفاضة , فما المقصود منها ؟ حيث ان هناك تعايشا بين الشعوب , هو تعايش بين الدول , تعايش بين الجيران , هناك تعايش اجتماعي _ سياسي . وقبل الخوض في التعريف أقول : هل يجوز مثلا , او هل من المفروض ان يتعايش العراق مع الاحتلال الامريكي ؟! وعلى باكستان مثلا ان تتعايش مع الهند اذا قامت باحتلالها ؟ ! هل من المفروض علينا اهل الداخل قبول الاحتلال الاسرائيلي للمسجد الاقصى بدعوة ضرورة التعايش ؟ او فرض توقيت زمني لدخول المستوطنين اليه, والقبول بالتقسيم الزماني والمكاني له ؟ واكبر دليل على ذلك فرض السلطات الاسرائيلية ذلك الامر على الحرم الابراهيمي في الخليل بقوة سلاحها ! وتسمي ذلك تعايشا !!وها نحن نشهد فرض الحصار على مدينتنا الغالية في الكثير من المناسبات ومنها ما كان في يوم الغفران لدى الشعب اليهودي , فما عدنا نستطيع الوصول الى بيوتنا بسياراتنا , وهذا ما حدث مع عدد من أهلنا في عكا ! رغم عدم وجود قانون يمنع ذلك ! فكان المطلوب ان نعيش اجواء هذا اليوم تماما كما يعيشه اليهود , ولكن بطريقة القوة والتسلط والاغلاق والحصار . حتى ان طفلا كان يلعب على دراجته الهوائية امام بيته راح احد رجال الشرطة يصرخ في وجهه ويهدده بمصادرتها ان بقي يلعب بها . هذا من قبيل فرض التعايش . فما تعريفه ؟ وما هي مميزاته, هل له شروط ؟ هل هو مستحيل ؟ في حياتنا كعرب وكمسلمين, هل له ضوابط ؟ ام ليس له مكان في قاموسنا ؟ وحقيقة ما يهمنا فقط الحقيقة , لا زيادة المعجبين والمؤيدين , ولا اثارة غضب المخالفين . نحن نعيش في وطننا وعلى ارضنا التي لم يتكرم بها علينا احد من البشر . نريد ان نحفظ هويتنا , تاريخنا , حاضرنا ومستقبلنا . فهل يوفر هذا المصطلح لنا ذلك ؟ !حتى نعرف هذا المصطلح لا بد من شرحه وتعريفه ومعرفة الغاية منه , ولذلك اعتقد ان هذا التعامل مع هذا المصطلح هو فن المستحيل !
و للحديث بقية …..

الشيخ محمد ماضي – عكا

 

 

 

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار