عكا بين دوامتي العنف المجتمعي والعنف السياسي

نورا منصور

ها هي عكا مرة اخرى تشيع بألمٍ جثماناً لشخص كان جزءا لا يتجزأ منها, من تاريخها وحضارتها, من اسوارها وبحرها, ومن معالمها. ما حصل ويحصل هو ليس اعتداءا على شخص او فرد, شابة, شاب او كهل. انما هو اعتداء صارخ على مجتمع بأكمله, على بلد بأكمله, وعلى كل عكيّ وعكيّة. من يقتل عكّيا او عكّية, فانه يقتل عكا بأكملها.
لا يمكن الحديث عن الحادثة الاخيرة التي قُتل بها جمال ماضي (أبو خالد) ذو الستين عاما, حيث كان ذاهباً لفض نزاع محليّ, بمعزل عن حالات القتل والعنف والاعتداء السابقة والمتكررة. اذ يجب التطرق الى السياق العكي والعربي كله في الداخل عامةً, والى اّفة العنف في عكا خاصةً والتي حصدت أرواح العشرات من شبابنا وشاباتنا, والتي تستهدفنا جميعاً.

 

حتى نستوعب ما حدث وما زال يحدث علينا طرح سؤالين جوهريين:


أولاً, لماذا ينتشر السلاح, العنف والجريمة في عكا والمدن أو القرى العربية, بينما يتم السيطرة عليهم في المدن والبلدات اليهودية؟

لا شك في اننا نتفق جميعاً على انه لا يعول على سلطة احتلال واستعمار في حل قضايا واشكاليات جوهرية للشعب الذي يعيش تحت احتلال وقمع وتهميش من قبلها. لكن, بالرغم من ذلك, فللسلطة هذه مسؤوليات وواجب تجاه الشعب الذي تمارس سلطتها عليه, والتي عليها ان تقوم بها, حسب جميع المواثيق والقوانين الدولية, وحتى المحلية, مثل: ضمان الأمن والأمان, وتطبيق القانون بشكل متساوٍ على الجميع.
في الواقع لا يخفى عن احد ان السلطات الاسرائيلية تتقاعس, تغض النظر, بل وتتامر في ما يتعلق بقضايا العنف والجريمة في مجتمعنا العربي في الداخل. لقد شاهدنا حالات عدة لحوادث عنف في مجتمعنا العربي, تقف بها الشرطة جانبا لتتفرج علينا, ونحن نقتل بعضنا بعضا. وفي حالات أخرى, شاهدنا الشرطة تتعامل معنا كأعداء فتقوم باعدام شبابنا وشاباتنا ميدانياً, كما حصل مع الشاب خير حمدان من كفر-كنا العام الماضي, وغيره العشرات من الشباب.
بالمقابل, نجحت الشرطة الاسرائيلية في السنوات الاخيره بالحد من ظاهرة العنف في تل ابيب, رمات -جان وبلدات او مستوطنات يهودية اخرى, بالرغم من انتشار السلاح بشكل واسع في المجتمع الاسرائيلي, بموجب الخدمة العسكرية الاجبارية.
من أخطر ما تقوم به السلطات هو استهداف نسيجنا الوطني والاجتماعي, وذلك من خلال تعزيز عادات وتقاليد مجتمعية بالية مثل العصبية القبلية, الأخذ بالثأر والعنف ضد النساء.
لن أطيل الحديث عن دور السلطات في محاربة هذه الظواهر, لانه من غير المنطقي ان نتوقع من عامل يساهم في خلق وتأجيج مشكلة معينة, ان يقوم في السعي بشكل صادق لمعالجتها وحلها. لكن هذا لا يعني التوقف بمطالبتها بأن تتحمل مسؤولياتها وملاحقتها حتى تقوم بدورها, وهذا ما يفعله الى حد ما جزء من مؤسساتنا الحقوقية, ممثلينا وجمعياتنا.

أما السؤال الثاني فهو, لماذا يرفع العكيّ, بسهولة سلاحه في وجه اخيه؟

ليس غريبة عنّا هذه الاحداث التي ما هي الا صورة مصغرة لما يحدث في عالمنا العربي والاسلامي من اقتتال وفتنة.وهي ايضاً انعكاس لعدم قابليتنا, على صعيد جماعي, في استخلاص العبر من الجانب الدموي في تاريخ أمتنا العربية والاسلامية, والتمسك بالجانب القيمي والانساني. فنقوم بشيطنة بعضنا البعض, نكفّر, نخوّن ونحلل العنف والقتل كما شئنا. والمؤسف انه بالرغم من تعدديتنا واختلافنا في مجالات شتّى, لا زلنا لا نستطيع التعامل مع الاخر المختلف, رأياً ,انتماء أو حتى شكلاً, بطريقة اخلاقية وانسانية. فمن يقوم بتكفير وتخوين الاخر والتحريض عليه, فهو يشرعن العنف ليس ضد شخص معين فقط, بل يشرعنه ضد مجتمع بأكمله ,على جميع الاصعدة وفي جميع القضايا. فلا يقتصر العنف ضد “الكافر”او “العميل”, بل يصبح نمط حياة وأداة لحل المشاكل والنزاعات الداخلية.
فلنأخذ جميعنا مسؤولية ولنعترف بفشلنا: فشلنا في ان نحب بعضنا البعض. فشلنا في احتواء بعضنا البعض. فشلنا في بناء مجتمع يحب لاخيه العكي والانسان بشكل عام ما يحب لنفسه. فأيدينا كلنا, دون استثناء ملطخة بدماء هذه الضحايا! لقد فشلنا في ان نرى بعضنا بعضاً كأشخاص كأبناء بلد وابناء شعب, ووقعنا في فخ تم التخطيط له بحذر بعد دراستنا بشكل مكثف, على صعيد مجتمع وافراد.
لنعتذر لعائلات الضحايا عن تقصيرنا المخزي ولنلتفت الى انفسنا, ونسأل ضمائرنا: ماذا فعلت انا على الصعيد الشخصي؟ وماذا بامكاني ان أفعل؟ فلكلنا دور ,ابتداء من الاحزاب والمدارس العربية, مرورا بمؤسسات المجتمع المدني ,اصحاب المصالح في القطاع الخاص, الجوامع والكنائس, وانتهاء عند كل فرد, شاب وشابة, أب وأم, مرب ومربية,عكي وعكية. فكما قال النبي العربي محمد: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
جمال ماضي كان في طريقه لرأب الصدع والحول دون تفاقم نزاع بنيَّة الاصلاح عندما قُتل, فلنكمل نحن مسيرته, والنكف عن التهليل للعنف والقتل حالاً, لننبذ ثقافة العنف ,التطرف ,العصبية القبلية, الطائفية, الذكورية والحزبية, التي ما هي الا ترسبات من عصر الجاهلية. ونحاول معاً اصلاح الجانب المهترئ من حضارتنا, تطوير ما يمكن تطويره والبناء على قيمنا الاخلاقية والانسانية التي نتغنى بها شعبا وحضارة, اذ انه اضاءة شمعة, خير من لعن الظلام.

 

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار
٣٤٤٣٢