مع الإعلامي والكاتب نايف فايز خوري في كتابهِ الروائي «السيرة الحرفوشية \ آل خوري – إقرت»

منير توما

مع الإعلامي والكاتب نايف فايز خوري في كتابهِ الروائي «السيرة الحرفوشية \ آل خوري – إقرت»

بقلم : الدكتور منير توما

كفرياسيف

صدر حديثًا رواية تحمل عنوان “السيرة الحرفوشية/ آل خوري- إقرث” للكاتب والإعلامي ابن قرية إقرث المهجرة الأستاذ نايف فايز خوري الذي أهداني مشكورًا نسخة من هذا الكتاب حيث قرأته باهتمام وإمعان، فقد أراد الكاتب من كتابته لهذا الكتاب الروائي أن يطلِّع الأبناء والأحفاد على جذر عائلتهم المشرِّف الذي يعود إلى الخوري سمعان حرفوش وذلك من خلال روايته هذه ذات الطابع التاريخي متعدِّد الحيثيات والمعلومات التي امتزج فيها التاريخ وتقاليد العهود المختلفة التي مرّت فيها عائلة خوري الإقرثية التي يعود نسبها إلى آل حرفوش من الأصول العراقية السورية، وبالتحديد إلى الخوري سمعان حرفوش الذي بنى كنيسة “إقرت” وكان خادمًا لرعيتها حتى وفاته عام 1886. وسنأتي لاحقًا على تفاصيل حياة وأسرة هذا الكاهن الفاضل بكثير من الإضاءة.

ومن المهم الإشارة في بداية تناولنا بالتعليق لهذه الرواية أن نؤكّد أنّه إذا كان الاسم دليلاً على استمرارية الأجداد في الأحفاد، فإنّ له وظائف أخرى ترمز إلى الانتماء والولاء، إمّا إلى دينٍ بعينه أو مذهب، أو إلى شخصية بذاتها، تعني الكثير للإنسان، سياسيًا أو فكريا أو اجتماعيا، فيُعَبِّر عن ذلك، من خلال تسمية مولوده على اسم هذا أو ذاك من الشخصيات المعينة. فيصير الاسم في هذه الحال، وإن كان مستعارًا من هنا أو هناك، مخصوصًا بهذا الصبيّ، أو هذه البنت، فيعرفان به مرفوقًا باسم الوالد وشهرة العائلة للتمييز بين أسماء متماثلة ناشئة عن التكرار. فتأتي الاستعانة باسم الأب أو الشهرة، وأحيانًا اللقب، دليلاً للتفريق بين هذا وذاك. ومن حيث أنّ المتصل الوراثي أو Habitus (الأبيتوس) ما هو إلّا توجه اجتماعيّ ينشأ عليه الفرد من خلال التربية والتعليم والتجربة في الحياة العملية، فإنَّ عائلة خوري الإقرثية اكتسبت اسم أو لقب الخوري نسبةً إلى الجد الأكبر لها قدس الأب الخوري سمعان حرفوش الرومي الكاثوليكي آنف الذكر، مما يشكِّل بتضافر الأحوال التاريخية، وفي استمراريتها التي لا تنقطع، مجمل الأفكار والتصورات الواعية واللاواعية التي توجه الفرد في سلوكه العام. وأهمية هذا المتصل الوراثي، أو النزوع الشخصي الاجتماعي، أنّه يسيِّر حياتنا حتى دون أن ندرك ذلك.

ومن هنا، ينطلق الكاتب، في هذه الرواية ليمتدّ بنا على خمسة قرون تتوزّع بين العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، في حقبات تاريخية يقسِّمها الكاتب بالتسلسل على عدة أبواب يمتزج فيها الواقع الحقيقي مع الخيال وفقًا لمقتضيات البناء والسرد الروائي الذي يتناول أحداث الحياة اليومية بما يتخلّلها من حوارات تتضمّن مشاعر وأحاسيس وعقائد إيمانية ثابتة.

يفتتح الكاتب روايته بباب عنوانه “مذكرات سِراج في العراق” وفيه يتمّ تشخيص (personification) أو أنسنة السِراج الذي كانت قد ابتاعته الشيخة من أحد الباعة حيث يدعوها السِراج بِ ستّي الشيخة بكونها زوجة الشيخ، فالسِراج ينير المكان بسهولة ووضوح على حد تعبيره. ومن الطريف أنّ الكاتب يورد مشهدًا رومانسيًا بين الشيخ والشيخة يصوِّر مداعبات غرامية بينهما حيث يقول الشيخ لها وهما في الفراش:

  • “بعدك أحلى من كل الصبايا، وتفهمين الأمور أكثر من كل النساء.”

وتجيبه الشيخة قائلةً:

  • “أنت الرجل الذي أحبّ أن أدلعه وأغنجّه، وأشعر بالمتعة الفائقة معه فيرتعش جسدي كله”.

وهنا وفي هذا المشهد، نرى أنّ الكاتب يبغي من وراء الأوصاف الرومانسية بين كبيرين في السن نسبيًا ولهما ذلك المقام الاجتماعي في بيئتهما، أن يثير في القارئ الابتسامات التي قد تنمّ عن السخرية من ممارستهما بهذا الشكل الذي يلائم عاشقين أو زوجين في مرحلة الصِبا أو الشباب الزاهر. ومن زاوية أخرى، قد يكون الكاتب قد أراد من هذا المشهد أن يبعث روح الفكاهة في نفوس القرّاء بغية إثارة النشوة النفسيّة في المتلقي على أقل تقدير مع أننا قد نجد بعض القرّاء يتحفظون من ذلك.

وننتقل بعد ذلك إلى باب “الرحيل غربًا” بعد أن تقرّر الانتقال بعد نفاد الكلأ، وقام الشيخ نايف حرفوش بحثّ أبنائه على الإسراع في تحميل الدواب وتجميع الماشية، وبعدها نصل إلى الباب التالي الذي يحمل عنوان “على مشارف عروس الصحراء”، وهنا تتقدم القافلة نحو الغرب، نحو تدمر، واحة السعادة والحضارة كما يصفها الكاتب الذي يخبرنا على لسان السِراج الراوي أو السارد للأحداث أنّ الشيخ نايف كان يحدِّث عن عظمة هذه المدينة وكونها محطة تجارية في غاية الأهمية، وعن مملكة تدمر التي ازدهرت في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد. ويسترسل الكاتب في الحديث عن تدمر مُزَوِّدًا القرّاء بمعلومات عن آثار تدمر ومحيطها، وعن نيّة الشيخ نايف الاستقرار في هذه المدينة. وفي الباب المعنوَن بِ “أسرار من الخباء” نرى أنّ السِراج وهو السارد في الرواية، كما سبق وذكرنا، يروي كيف أنه في أحد الأيام رأى راعيًا يدخل خباء كانت قد دخلته فتاة لتنظف الأرض، وترتّب ملابس الشيخة والشيخ، فقام الراعي خلفها وأخذ يمارس أعمالاً شائنة بالفتاة التي قد تكون في سن بناتهِ، ويتم وصف هذا الحادث كنوع من الاغتصاب المثير للتقزّز والقرف كما شعرت بذلك الفتاة نفسها التي رآها السِراج تجهش بالبكاء بعد أن ضاجعها الراعي المعتدي. وهنا يصوّر الكاتب بشاعة وفظاظة العمل الجنسي دون إرادة الفتاة حتى ولو كان ذلك مجرد مداعبات وتحسّسات خصوصًا إذا حدث ذلك مع فتاة بريئة. وهنا يدين الكاتب الاعتداءات الجنسية وآثارها على الفتيات، مستخدمًا أسلوب التساؤلات حول إرهاصات وتداعيات ما يحدث للفتاة المعتدى عليها في أعقاب ذلك. وكل تلك الأوصاف يأتي بها الكاتب على لسان الراوي أي السِراج الذي ينير الخباء أو البيت. ومن اللافت أنّ الكاتب قد أجاد وأحسن في جعل السِراج ساردًا للأحداث، فالسِراج هو العين التي ترى الأشياء، وكما جاء في الإنجيل المقدس بقول السيد المسيح: “العين سراج الجسد”. وهذا الترميز يتماهى مع كون السراج في لغة الرموز يمثِّل ويرمز إلى الذكاء، والتعلّم والحِكمة، وكلمة الله، والحياة، والخلود، والتذكّر، والإرشاد، والنور، والنجوم، والطيبة، والأعمال الحسنة، واليقظة، والطهارة والنقاء، والعذرية، والحب، والتقوى، والإحسان، والجمال، والتضحية الذاتية. وكل هذه المعاني الرمزية للسراج ستتجلّى وتتضّح دلالتها في أحداث الرواية اللاحقة في السطور التالية لتُظهِر ما كان وما سيكون في إنارة الأمور بوضوح بواسطة السراج الذي يمثّل بالأساس حكمة ورؤية الكاتب بعينٍ ثاقبة.

وبمتابعتنا لأحداث الرواية نأتي إلى باب “فؤاد وسعاد”، فيحدِّثنا الكاتب بلسان السِراج عن قوة وبسالة وشجاعة فؤاد الابن البكر للشيخ نايف حرفوش، عن إنقاذهِ للثور من أسفل البئر وإعجاب الناس بقوتهِ لا سيّما سعاد الفتاة التي أحبته حبًّا جمًّا لإعجابها به، ومن ثمّ اختيار الشيخة أم فؤاد لسعاد عروسًا لابنها فؤاد الذي قَبِل واقتنع باختيار أمه وأبيه لها، وبالتالي وقع هو أيضًا بحبها حين تلاقيا عند الخيمة، وبثَّ كل منهما حبه للآخر في لقاءٍ رومانسي لشابٍ وصبيّة في ميعة الصبا وريعان الشباب وما صاحب ذلك من إيماءات وكلمات معبّرة عن لواعج القلب ولهيب العاطفة والهوى. وهنا يعرض لنا الكاتب الجانب الرومانسي النقي الخالي من الابتذال الأخلاقي بين العشّاق في الحب الذي يجمع بين قلبيهما ويؤدي بهما إلى الارتباط والزواج المقدّس.

وممّا يجدر التركيز عليهِ في هذه الرواية أنَّ أسرة الشيخ نايف حرفوش بما فيهم الشيخة زوجته والأبناء حين كانوا يجتمعون لتناول الطعام يدأبون على الصلاة باسم السيد المسيح إلى الآب والابن والروح القدس مع رسم إشارة الصليب إضافةً إلى ذكر السيدة مريم العذراء والتضرع إليها بالشفاعة في مواقف متعدّدة، وقد لمسنا كل ما ورد من إيمان عائلة حرفوش بهذا الشأن في معظم أحداث الرواية والذي شمل أيضًا أسرة المُطَبّب والخوري فيما بعد سمعان حرفوش.

وفي باب “لقاء الأحبة” من الرواية نشعر بهذهِ الأجواء الطيّبة وأواصر المحبة والألفة بين أفراد الأسرة الواحدة وما سيجمع بين الأنسباء فيما بعد من روابط وعلاقات السعادة والهناء بفعل الزواج المرتقب بين فؤاد وسعاد. ولا يفوت الكاتب أن يُدخِل منديل سعاد في لقاء فؤاد وسعاد بعد إرجاعهِ إلى أهل سعاد، ونحن نرى في إقحام المنديل أهمية رمزية معتبرَة بكون المنديل في عالم الرموز رمزًا للإغواء (seduction)، والغَزَل (flirtation)، ومن ناحية أخرى رمزًا للغيرة (jealousy) باعتبار أنّ حب فؤاد لسعاد قد يعتريه غيرة من الرجل على محبوبته.

وحين ننتقل إلى باب “في مدينة السعادة- تدمر” من الكتاب، يخبرنا الكاتب بأنَّ أسرة آل حرفوش تنحدر من شمال العراق، ويعتقد أنهم من الغساسنة. ويضيف كاتب الرواية أنّ الأسرة اختلطت بالسكان المحليين في تدمر حتى صار منهم المسيحيون والدروز والمسلمون السنيون والشيعيون. جدهم الأعلى الأمير حرفوش الخزاعي. أما زعيم آل حرفوش في تدمر فهو الأمير موسى حرفوش الذي اتّفق مع الدولة العثمانية على أن توليهِ مسؤولية مدينة تدمر لإدارة شؤونها وحمايتها من الغزوات وقطّاع الطرق. وقد قام الأمير موسى حرفوش بجمع أفراد أسرة حرفوش للتعرّف عليهم، ثمّ عقد في ظهر يوم الأحد اجتماعًا عائليًا موسّعًا في قصره بعد قدّاس الكنيسة. وفي مجريات القداس في الكنيسة جاء كبير حرّاس الأمير لإخبارهِ بغزو مجموعات من العصابات وقطّاع الطرق الدخلاء على المنطقة للسلب والنهب. فخرج الجميع للدفاع عن مدينتهم بمختلف أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم. وكان هناك دور مهم للشيخ محمد العبدالله شيخ تدمر وصديق الأمير موسى حرفوش، في المشاركة في صد وطرد الغزاة، بينما كان المطران أنطون حرفوش ومن معه في الكنيسة يصلون لوالدة الإله العذراء مريم صلاة المدائح. وفي وقفة الشيخ محمد العبدالله في التصدي للغزاة مع جماعته المسلمين دليل واضح على وحدة أهالي المدينة من جميع الشرائح والأديان والطوائف، والتآخي بينهم. وفي باب “شتات الزلزال” نعلم أن زلزالاً شديدًا ضرب تدمر وأوقع دمارًا كبيرا جدًّا مما اضطر أن يهيم الجميع على وجوههم في البراري والجبال والوديان، واللجوء إلى بعض القبائل المجاورة لتدمر، ومنهم بعض العائلات المسيحية، كعائلة حرفوش التي اتجهت جنوبًا، وعائلات أخرى اتجهت غربًا.

في هذه الظروف الصعبة والقاهرة وصلت عائلة حرفوش إلى مشارف بلدة خبب جنوب سوريا في سهل حوران الخصب، وتتبع إداريا لمحافظة درعا.  وكانت العائلة تتألف من الأمير موسى والمطران أنطون وعائلة سمعان المطبّب مع زوجته مرتا الحامل، وابنهما بولس البالغ أربع سنوات، وغيرهم من العائلات. وقد تم استقبال عائلة حرفوش في دار المطرانية حيث رحب بهم مطران خبب المطران جورج خوري واستقبلهم جميعًا مع مرافقيهم وفي مقدمتهم المطران أنطون، والأمير موسى، وأفراد آل حرفوش. ولقد قام المطرانان والأمير بتدبير أمور وأشغال المرافقين واستيعاب الأولاد في مدرسة خبب، وعَمِلَ المطبِّب سمعان في مستوصف البلدة لتقديم النصائح والوصفات الشافية. ويشير الكاتب في سياق السرد الروائي أنّ خبب امتازت بشخصيات ثقافية عديدة وفنانين كبار مشهورين. وبتواتر الأحداث ظهرت دعوة إلى الأولاد والرجال الذين بلغت أعمارهم حتى 45 سنة من رعايا الدولة العثمانية للالتحاق بالخدمة العسكرية، ومن بينهم رعايا البلاد العربية من المسلمين وغير المسلمين، فالكل مطلوب للخدمة العسكرية. وكان الصبي بولس حرفوش، من الأولاد الذين اقتادهم الجنود العثمانيون إلى حملة السفر برلك في السويس، وكان بولس الذي يبلغ من العمر أربع سنوات ونصف قد لاقى خلال فترة وجوده في تلك الخدمة الأمرين من المعاناة والقسوة وشظف العيش الذي لا يحتمله الصغار ممن كانوا في سنهِ، ولكن تشاء الأقدار أن يظهر في طريقه من جاء صدفةً وقام بإنقاذه من هذا الجحيم، وكان هذا سائق عربة النفايات ميخائيل الذي يعرف أهله والذي هرّبه في العربة وأوصله إلى أهله سالمًا مما جعل أمه مرتا تحضنهُ غير مُصدِّقة بعد أن احترق قلبها لوعة وحسرة على بُعده عنها، بحكم اختطافهِ. وهكذا وبعد الشكر للعذراء مريم والصلاة ليسوع توجه سمعان حرفوش إلى المطران أنطون وطلب منه أن يحقق له إيفاء نذر، نذره ليسوع ولمريم العذراء، أنه إذا عاد ابنه بولس سالمًا معافى إلى البيت، فإنه سيضع نفسه في خدمة الرب يسوع طيلة حياتهِ، وأنه يشعر بدافع قوي للخدمة، وأنّه مدعو للكهنوت. وبالفعل فقد استجاب له المطران بعد موافقة زوجة  سمعان وعائلته على الانتماء لسلك الكهنوت ليصبح أبونا الخوري سمعان حرفوش الذي استعد للخدمة في أي مكان يدعى إليه بكونه عامل في حقل الرب، وذلك قد حدث عندما استدعاه المطران أنطون ليعرض عليهِ ما كان المطران جورج قد أخبره برسالة المطران جبرائيل الأسعد، مطران صور وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك بأن يبعث له كاهنًا أو راهبًا من أبرشيته لأنه بأمس الحاجة إلى كاهن، وسيتم تعيينه في إقرث. وهكذا وافق الخوري سمعان حرفوش على هذا الاقتراح بأن يكون راعيًا لكنيسة إقرث التي قام شباب القرية مع معلِّم العمار أبو حسين السيّد الذي جاء من صيدا خصيصًا لبناء كنيسة إقرث، وكل ذلك بتوجيه وتشجيع الخوري سمعان حرفوش.

وقد كان الخوري سمعان إلى جانب خدمته الكهنوتية الكنسية يداوي بالأعشاب والوصفات الطبيّة كلّ من يطرق بابه طلبًا للعلاج وقد أنجب الخوري سمعان بالإضافة إلى ابنه بولس ابنًا آخر هو حنّا، ثم بناته تقلا، نزهة، نجمة وسعدى، الذين تزوجوا جميعًا. وعاش الخوري سمعان حرفوش في إقرث مع زوجته مرتا حتى وفاته عام 1886، ودفن في الكنيسة التي بناها، في الجهة الجنوبية الشرقية من الهيكل داخل الكنيسة.

وبعد استعراضنا للسيرة الحرفوشية الخاصة بآل خوري- إقرث، يتّضح لنا أنّ الكاتب الأستاذ نايف خوري يقدِّم بصورة مُبَطّنة وغير مباشرة أربعة أنماط أو أنواع من الحب في الرواية وشخوصها، فها نحن نرى أول أنواع الحب وهو الحب الإيروسي (Eros) أي الحب الرومانسي (passionate love) بين فؤاد وسعاد، ذلك الحب الذي غالبًا ما يأتي من الأفكار والرغبات والأفعال التي تقتصر بشكل عام على العشق أو الحب الجسدي أو المواعدة. أما النوع الثاني من الحب في الرواية فهو الحب الحنون (الفيليا) “philia” أي الحب الأخوي أو الحب بين الأصدقاء (love of friends and equals)، وهو أحد أشكال الحب الذي يكنّه الأصدقاء لبعضهم البعض، وكذلك الحب المتبادل بين الأخوة والأصدقاء الحقيقيين والذي يقدر فيها المرء وجود الآخر في حياتهِ كما سبق ورأينا في تلك المودة والإخلاص في التعامل بين شخصيات متعدّدة في الرواية كالأمير موسى حرفوش والمطران أنطون والخوري المطبّب سمعان والشيخ محمد العبدالله علاوة على تفاني ميخائيل في إنقاذ الطفل بولس بن سمعان حرفوش من براثن جحيم خطفهِ. أما النوع الثالث من الحب فهو السورجي (storge) أي حب العائلة وبالأخص الحب الذي ينشأ بين الآباء والأمهات نحو الأبناء (love of parents for children) وهو أكثر أنواع الحب طبيعيةً ويتطوّر غريزيًا، وهو الشعور الذي تتماسك به العلاقة الأسرية، ذلك الحب الذي تجلّى بوضوح في علاقة الشيخ نايف وزوجته الشيخة تجاه ابنهما فؤاد والأبناء الآخرين، وكذلك الحب الأمومي والأبوي للابن بولس بن سمعان حرفوش وبخاصة عند عودته من حادثة خطفهِ.

وفيما يتعلّق بالنوع الرابع من الحب أو تحديدًا المحبة وهي ما تُعرَف بِ (أڠابي) “Agape” حيث أنّها أسمى أشكال الحب للدلالة على الحب الإلهي أي محبة الإله للبشرية ومحبتها له، أي محبة تلقائية غير مشروطة، فالأڠابي هي “التمركز حول الله”. وهذا النوع من الحب أو المحبة قد رأيناه على مدار أحداث الرواية في ذكر السيد المسيح والسيدة العذراء مريم في صلاة الشخصيات الطيّبة لهما وتضرعاتهم لهما دائمًا في كل المواقف الحياتية التي مَرّوا بها وعايشوها، فكان يسوع المسيح والسيدة العذراء محورًا إيمانيًا دائمًا وثابتًا لهم تمسّكوا بهِ على طول المدى.

وفي ختام الكتاب، يفرد الأستاذ الكاتب نايف خوري بابًا خاصًا بقائمة الكهنة من بعد الخوري سمعان الذين خدموا في إقرث، وقائمة بأسماء المخاتير حتى التهجير عام 1948، بالإضافة إلى باب عن عائلة خوري- إقرث يتضمن قائمة طويلة بأسماء المنتمين إلى آل خوري- إقرث ابتداءً من الجد الخوري سمعان حرفوش؛ وتلك القائمة هي بمثابة شجرة العائلة حتى أيامنا هذه تشتمل الأجداد والأولاد والحفدة إلى آخر السلسلة؛ أمدّ الله في أعمار الأحياء، ورحم الله الراحلين وطيَّب الله ثراهم.

وأخيرًا وليس آخرًا، نشدّ على أيدي الأستاذ الكريم نايف فايز خوري، مقدّمين له خالص التحيّات وكلمات الإطراء والثناء على الجهد الذي بذله في كتابة هذه الرواية، وله منّا أطيب التمنيات بموفور الصحة ودوام التوفيق والعطاء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار