صراعات في المجتمع الإسرائيلي

عكا للشؤون الإسرائيلية

بقلم المتابع للشأن الإسرائيلي/د. عبد الرحمن القيق

حاول الإسرائيليون تذكيرنا في الصراع الثقافي والسياسي بيننا وبينهم كعرب، وأن دولنا العربية متخلفة وديكتاتورية، ويعرضون علينا نماذج من غياب الديموقراطية عند العرب، وكنا وقتها لا نشعر أنهم يتحدثون عن أمر جديد، ولا يقدمون لنا معلومة نحن لا نعرفها، والسخيف بالأمر أنهم كانوا يعرضون هذه الأفكار بهدف تقديم إسرائيل كـ “واحة للديموقراطية” ونموذج لليبرالية الغربية.

وكنا نعلم أيضاً أنهم كذابون؛ لأنهم أولاً: دولة احتلال، وثانياً: رأس حربة في المشروع الاستعماري، ومن تكن هذه مواصفاته لا يمكن أن يكون واحة للديموقراطية، ولكننا وقتها لم نكن نعرف المجتمع الإسرائيلي جيداً إلا ضمن سياقات الخطاب التعبوي، وليس العلمي، ولكننا حين تعرفنا على المجتمع الإسرائيلي وتعمقنا في فهمه أكثر، تفاجأنا من حجم الضعف الداخلي الاجتماعي والسياسي، والمفردات السياسية والاجتماعية والدينية المستخدمة بينهم في إطار الخلافات الداخلية، بل إن حالة التمزق العرقي بينهم أكبر مما يتخيلها العقل.

وكثير من الصراعات الداخلية التي تدور في دولة الاحتلال جوهرها صراعات على النفوذ والسيطرة لفئات أو طبقات اجتماعية استفادت من مرحلة بناء دولة الكيان في الحِقبة الأولى، خاصة سكان غوش دان، ومع الزمن انكمشت الأدوار السياسية وتضاءلت، وبات الهدف الحفاظ على ما هو تحت اليد؛ لأن هذه الفئات شكلت في مرحلة من المراحل الدولة العميقة “البن غورونية”، ولكن مع حالة التدافع وتغير موازين القوى، وتطور الوضع الطبقي لصالح طبقات أخرى كانت شبه مهمشة، تحولت السيطرة من الغربيين تدريجياً نحو الشرقيين على المستوى السياسي، لم يعد الغربيون لهم تأثير في الواقع الحزبي في الكيان، ولكن بقيت مواقعهم في مفاصل في الدولة، ولهذا لم يتوقف الصراع على المواقع والنفوذ، بهدف السيطرة والإزاحة والاستبدال.

هناك محاولات تفكيك لامبراطورية الدولة العميقة في الإعلام والقضاء والجيش، وتُسحق في هذا الصراع القيم والمبادئ، والديموقراطية وكل المبادئ التي يتحدثون عنها، وحين نتابع منسوب هذا الصراع بين القوى ارتفاعاً أو انخفاضاً مباشرة، تشعر أن دولة الكيان باتت كأي دولة من دول الشرق الأوسط في الديكتاتورية والفساد السياسي والمالي.

وفي استخدام النفوذ لتغيير القوانين، والعربدة التي يمارسها “بن غفير” ومن لف لفه والتهديدات التي تصدر من جهة المتطرفين لاعتقال قيادات الأحزاب السياسية وغيرهم، دلالة على أن المقولات التي كانت تُلقي بها دولة الاحتلال ضد النظام العربي لم تعد لها قيمة؛ لأنها تمارس ما يمارسون، وأن واحة الديموقراطية بدأت تضيق وتتغير؛ لأن عناوين الصراع ليست على حقوق الانسان ولا حقوق الفرد في الدولة، أو حرية التعبير، وإنما هي صراعات لها بُعد عرقي وطائفي.

فالأشكناز لا يزالون يسيطرون على مفاصل في الدولة، مثل الإعلام والجيش والقضاء، وهناك من يريد إزاحتهم، وهناك من يفسر أن منع درعي من أن يكون وزيراً راجع لأنه من أصول شرقية.

لقد باتت عناوين الصراع داخلية، ولا علاقة لها بالحريات، بل بصراع الأعراق والأثنيات وكم هي حصص كل طرف منهم، سواء الشرقي أو الغربي، أو المتدين أو العلماني، وعندما تنتهي الدول بجدليات من هذا القبيل فهذا يعني أنها تمر في مراحل الضعف وبدايات نحو السقوط إن شاء الله.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار