أقامت مؤسّسة تنوير في حيفا أمسية أدبية للكاتب ناجي ظاهر بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة «المصيبة الثانية»، بمشاركة د. فؤاد عزّام، د. جهينة خطيب، الأستاذ عطا الله جبر والفنان عبد عابدي.
افتتحت الأمسية السّيدة سهاد كبها، مديرة مؤسّسة تنوير، التي رحّبت بالحضور وشكرت جميع الفنانين المشاركين في معرض الفن التشكيلي «آذار الثقافة، المرأة، الأرض» التي تُعرض في المؤسّسة هذه الأيام بمشاركة مجموعة من الفنانين ثم تولّت إدارة الأمسية الكاتبة حوا بطواش.
ثم تحدّث د. فؤاد عزّام في مداخلة له عن السّمات البارزة في أدب ناجي ظاهر، واعتبر أن هناك تطوّرًا ملحوظًا لدى الكاتب منذ روايته الأخيرة «مُحاق». وتطرّق إلى سمة اللابطل التي يتّسم بها معظم الشخصيات المركزية في قصص المجموعة، ففي معظم القصص الشخصية المركزية هي طفل يفشل في تحقيق الهدف، والهدف الأساسي هو حلّ مشكلة التهجير، تهجير الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم، وهذا الأمر يتناسب مع الواقع، فالتهجير ما زال مستمرا منذ النكبة وحتى يومنا ولم تنجح الشخصية المركزية في حل هذه المشكلة.
كما تحدّث عن السّرد فأشار إلى وجود خطّين في سرد القصص: تقليدية السّرد وحداثيّة السّرد. السّرد التقليدي يسهّل على القارئ ويوصل الرسالة، أما السّرد الحداثي فيصعّب على القارئ لكن فيه تطوّر أكثر من ناحية الكتابة. وعن أسلوب السّرد لدى ناجي ظاهر في هذه المجموعة قال إنه بضمير المتكلّم وفي معظم القصص يروي الكاتب بأسلوب المتأخّر زمنيًّا.
بعد ذلك تحدّثت د. جهينة خطيب عن التهجير القسري وتأثيراته النفسية والاجتماعية في هذه المجموعة القصصية، وتطرّقت إلى عنوان المجموعة القصصية «المصيبة الثانية»، وقالت إنّه يستفزّ القارئ لمعرفة ما المصيبة الأولى والثانية، وهذه نظرة تشاؤمية ولكن واقعية فالمهجّر بانتظار المصيبة الثانية فالأولى كانت النكبة والتهجير من بلده. كما ذكرت أن المشترك بين القصص هو موضوع التهجير وأثر هذا التهجير. جميع الشخصيات الرئيسية مهجّرون هجرة داخل الوطن وهذه أصعب هجرة. المهجر لا يبتسم، غارق في لوعة الهجرة.
وذكرت أن معنى النكبة لدى المهجّرين الداخليّين تنفصل عن المعنى التاريخي والسياسي المتعارف عليه، وتحمل المعنى الشخصيّ أكثر : الأرض وكروم الزيتون التي صودرت، النّضال الذي قادوه على مدى السنين من أجل ترميم وبناء حياتهم من جديد، المجتمع المحلي الذي تفتّت وتشتّت، والألم والحزن والضّعف والهوان الكامن ، النّكبة في البيت الشخصي الذي تهدم، ونمط الحياة الذي انقطع.
كما أشارت إلى أنّ قصص المجموعة تعبّر عن إحساس المهجّر عن بيته ووطنه بما يحمله من أحلام وآمال، ووضّحت وجع التهجير الداخلي أن تكون مغتربا ولاجئا في وطنك.
وتحدّث الشاعر والباحث عطا الله جبر في مداخلته عن الكاتب ناجي ظاهر باعتباره صديقه المقرّب الذي تجمعه به معرفة وصداقة على مدى سنوات، فأكّد على حبّ ناجي ظاهر للناصرة حبّا كبيرًا رغم حنينه إلى قريته المهجّرة، سيرين. وقال إنه رغم الفقر الذي عاشه والضّياع والتهجير بقيَ ناجي ظاهر ابن البلد مؤتمنا على كلّ القضايا. في كل كلمة يكتبها يكتب عن المدينة، التهجير، الفقر، المعاناة، وعن الآخر الذي يريد أن يغتصب الحق. هذه هي المواضيع الأساسية في كل أدبه، وهي ليست جديدة. فهو يعيد كتابتها ليقول: أنا ما زلتُ أعاني. لم تنتهِ قضيتي. لم يُغلق الملف، والجرح ما زال ينزف يوميًّا منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا.
واعتبر أن بناء القصص في المجموعة هو بناء حداثيّ، ومن أهمّ أسس هذا البناء الحداثيّ أنه حوّل القصة من بناء تقليديّ إلى صورة تبدو وكأنها بسيطة جدًّا ولكن تحمل أبعد أعماق المأساة التي نعيشها.
وأشار إلى أن قصص ناجي ظاهر لا صنعة فيها، فهو لا يحاول الكتابة بلغة منمّقة، بل بلغة بلا تعقيدات، يمكن لكل الأجيال قراءتها فتُفهم وقد تُفهم على درجات متفاوتة، وفيها البُعد الإنساني، التناقض بين السّالب والموجب، الفقير والغنيّ، المغتصب والذي يريد أن يحرّر نفسه، هذا البُعد الإنساني، هي مواضيع إنسانيّة وليست محليّة، فلسطينية فقط فنحن جزء لا يتجزّأ من كون كامل في كل هذه المواضيع.
ثمّ تحدّث الفنان عبد عابدي في مداخلته عن الإبداع البصري وقال متأسّفا إنّنا شعبٌ قليل الاهتمام في العمل البصري، وذكر أن الإبداع البصري في الكُتب الأدبية كان له دور في الماضي في الكتب المهمّة، فالرسم هو تعبير حسيّ، بصريّ، صامت للأحداث التي واكبت الكتابة. وقال إن هناك من الكُتّاب الذين اعتبروا أن الفن البصري هو تتمة للإبداع الكتابي وهناك من اعتبروا العمل الإبداعي أو الرسم هو شريك غير مرغوب به في الكتابة. وذكر أن كتّاب مثل سميح القاسم، سلمان ناطور كانوا من الأشخاص الذين دأبوا على إيجاد عامل مشترك بين اللوحة المقروءة بصريا وبين الكتابة وذكر أن ناجي ظاهر مهتمّ منذ سنوات بالعمل البصري في كتبه.
بعد ذلك أجرت الكاتبة حوا بطواش حوارًا قصيرًا مع الكاتب ناجي ظاهر، فتحدّث عن مجموعته القصصية مشيرًا إلى وجود موضوع واحد لكل قصص المجموعة فهي متتالية قصصية، أراد من خلالها أن يدخل إلى حياة المهجّرين، وبالتحديد إلى تجربته التي عاشها، فعاد إلى سنوات السّتينيات والسّبعينيات وبدأ يغترف من هناك الأحداث والأهم من ذلك كلّه هو اغترافه بالخيال، وقال إن بذرة صغيرة في الواقع كانت تفجّر فيه عالمًا واسعًا من الخيال، فيكتب القصّة بكل ما لديه من مشاعر وبكل ما يمتلكه من وعي ولاوعي.
كما تطرّق إلى تركيز كتابته عن موضوع التهجير، فقال إنّه يكتب عن العديد من المواضيع، لكن الموضوع الرئيسي في حياة الكاتب هو موضوعه الشخصي. لا يستطيع أي كاتب أن يخرج من نفسه ويتحدّث عن أمور أخرى. وذكر أنه كتب ستّ روايات كلّها تحدّثت عن الأوضاع الراهنة ولم يعُد فيها إلى الماضي وإلى التهجير. انما تحدّث عن إسقاطات التهجير على مجتمعنا العربي وتحدّث عن المسكوت عنه. ولذا، اعتبر أن المسألة هي ليست مسألة تقوقع، كما يظنّ البعض، بل هو جرح خالد لا يمكن للكاتب أن يهرب منه مهما حاول.
كذلك تحدّث عن المدرسة الواقعية التي ينتمي إليها في كتابته، وقال إنّنا لا نختار المدرسة التي نكتب بها، بل هي التي تختارنا. وأضاف أنه يعتقد أن التجربة التي عاشها لا يمكن أن تأخذه إلا إلى المدرسة الواقعية. لكن الواقعية تختلف عن الواقع كلّيًّا، كما يرى. هناك الواقع وهناك الواقعية. وقال إنه كاتب واقعية. كل ما كتبه اعتمد على الخيال وعلى جنونه عندما يدخل إلى عالم القصة ويتفجّر عالم الخيال رويدًا رويدًا. الواقعية تختلف عن الواقع. هو واقع يعتمد الخيال وتخلق واقعًا آخر موازيًا للواقع.
وفي ختام الأمسية قدّمت السيدة سهاد كبها، مديرة مؤسّسة تنوير، شهادة تكريم للكاتب ناجي ظاهر.