تُعدّ مشاهد وصول اللاجئين اليهود إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي من أبرز ما يهتم الإعلام العبري بإبرازه وتسليط الضوء عليه، حيث تظهر في مناسبات عدة، آخرها إبان الحرب الروسية-الأوكرانية، صور ومقاطع للمهاجرين الجدد على سلالم الطائرات مُلوِّحين بالأعلام البيضاء والزرقاء وإشارات النصر. لكن ما تتجاهله دولة الاحتلال عمدا هم اليهود الذين اختاروا مغادرة الدولة العبرية بعد أن هاجروا إليها في وقت سابق، في ظاهرة تُعرَف في العبرية باسم “يورديم” وتعني الانحدار أو النزول.
على سبيل المثال، كشفت إحصائيات إسرائيلية أنه بعد شهرين من بدء الحرب الأوكرانية، عاد نحو 1,800 يهودي روسي من أصل 5,600 استفادوا من قانون العودة، مُتوجِّهين إلى موسكو بصحبة جوازات سفرهم الإسرائيلية.
يعني ذلك أن ثلث مَن وصلوا دولة الاحتلال من اليهود الروس سارعوا إلى المغادرة. وفي أعقاب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي تمخَّض عنها تنصيب الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، تصاعد طلب الإسرائيليين للحصول على جنسيات أوروبية، وسُجِّل أعلى معدل لتقديم الإسرائيليين على الجنسية الفرنسية، بزيادة نسبتها 13%. ولوحظت أيضا زيادة في نسبة طلبات الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي عموما، إذ سجَّلت السلطات في البرتغال زيادة 68% في طلبات الجنسية من إسرائيليين، وسجَّلت السلطات البولندية والألمانية زيادة 10% في الطلبات خلال المدة نفسها.
على أي حال، لا يُعَدّ رحيل المهاجرين اليهود من إسرائيل أمرا جديدا، فمنذ تأسيس دولة الاحتلال نهاية الأربعينيات كانت الهجرة العكسية ظاهرة مرصودة، حيث غادر 10% من المهاجرين اليهود بين عامَي 1948-1950، ما دفع حكومة الاحتلال إلى سنّ قيود صارمة عن طريق فرض طلب تأشيرة خروج غالبا ما رُفِض منحها لطالبيها من الإسرائيليين. ورغم تلك القيود، غادر 100 ألف مهاجر مع حلول الذكرى العاشرة لتأسيس دولة الاحتلال عام 1958، وبحلول عام 1967 كان أكثر من 180 ألف إسرائيلي قد هاجروا، وذلك رغم استمرار العقبات التي وُضعت في طريق مَن يريد الهجرة من قِبَل حكومة الاحتلال.
في هذا الفيديو من ميدان، نسلط الضوء على ظاهرة الهجرة العكسية لليهود من إسرائيل، ونحلل أسبابها ودوافعها المتغيرة. ففي العقود الماضية، كانت الأوضاع الأمنية المتدهورة سببا رئيسا، لا سيما أثناء انتفاضتَي عامَي 1987 و2000، اللتين دفعتا بعض مهاجري الاتحاد السوفيتي السابق إلى ترك دولة الاحتلال نحو بلدان أخرى. ولاحقا أسهم تدهور الوضع الاقتصادي وعدم المساواة وخيبة الأمل بسبب تعثُّر التسوية مع الفلسطينيين في تصاعد هذه الهجرات.
لقد أثبتت تجربة السنوات والعقود الماضية للكثير من المهاجرين أن الأراضي المحتلة ليست ذلك الوطن الحُلم المزدهر الذي وُعدوا به، لذا فإن إسرائيل الآن لم تعُد دولة هجرة كما كانت عليه في العقود الخمسة الأولى من تاريخها. ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية، التي أعلنت عن نيتها العمل لتغيير قانون جوازات السفر بُغية جعل الحصول على جواز سفر إسرائيلي أكثر صعوبة، ومن ثَمّ إثناء المهاجرين الجدد عن الحصول عليه سريعا ثم مغادرة البلاد؛ ستتسبَّب في زيادة نفور المهاجرين ومن ثمّ تفاقم ظاهرة الهجرة العكسية خلال السنوات القادمة.