مُصابُكُمْ مُصابُنا… شِعْر: الشَّاعِرُ العَروضِيُّ مَحْمود مَرْعي

مُصابُكُمْ مُصابُناشِعْر: الشَّاعِرُ العَروضِيُّ مَحْمود مَرْعي

إِلى أَهْلِنا وَأَشِقَّائِنا في دَوْلَةِ الـمَغْرِبِ الشَّقيقِ، مَلِكًا وَحُكومَةً وَشَعْبًا، نَقِفُ مَعَكُمْ وَإِلى جانِبِكُمْ في هٰذِهِ الأَيَّامِ العَصيبَةِ الَّتي تَمُرُّ عَلَيْكُمْ، سائِلينَ الـمَوْلى، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَتَغَمَّدَ الشُّهَداءَ بِواسِعِ رَحْمَتِهِ، وَأَنْ يَجْزيهِمُ الفِرْدَوْسَ الأَعْلى مِنَ الجَنَّةِ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلى الجَرْحى وَالـمُصابينَ بِالشِّفاءِ العاجِلِ، وَلَيْسَ ما نَخُطُّهُ سِوى أَضْعَفِ الإِيمانِ وَجُهْدِ الـمُقِلِّ.

قَدَرٌ تَغَشَّانا أَوانَ سُباتِ.. صَدَعَ القُلوبَ وَصادَرَ الغَفَواتِ

يا موجِعَ الأَحْياءِ لا الأَمْواتِ.. رِفْقًا بِمَنْ تَخِموا مِنَ الغَصَّاتِ(1)

رِفْقًا بِمَنْ ضاعَفْتَ حُزْنَ قُلوبِهِمْ.. رِفْقًا بِمَنْ غادَرْتَ في الحَسَراتِ

تَخْتارُ أَوْقاتَ الزِّيارَةِ مُدْلِجًا.. وَالنَّاسُ صَيْدُ النَّوْمِ لا اليَقَظاتِ

سَرْبَلْتَ بِالأَنْقاضِ أَحْبابًا لَنا.. وَتَرَكْتَ أَعْدادًا مَعَ الأَنَّاتِ

سَرْبَلْتَ بِالأَنْقاضِ إِخْوانًا لَنا.. بِالأَمْسِ كانوا يَحْلُمونَ بِآتي

فَلِحافُهُمْ رَدْمٌ وَرَدْمٌ فَرْشُهُمْ.. كَيْفَ النَّجاةُ لَدى انْعِدامِ نَجاةِ؟

ناموا عَلى أَمَلِ النُّهوضِ لِرِزْقِهِمْ.. وَاسْتَيْقَظوا جُثَثًا بِغَيْرِ حَياةِ

جَسَدٌ هُنا، رِجْلٌ هُناكَ وَساعِدٌ.. رَأْسٌ تَفَجَّرَ بَيِّنَ الشَّدَخاتِ

جُثَثٌ عَلى جُثَثٍ قَضى أَصْحابُها.. بِمَلامِحٍ وَمَشاهِدٍ نَكِراتِ

وَدِماهُمُ لَـمَّا تَجِفَّ عَلى الثَّرى.. خَطَّتْ طَريقًا أَكْدَرَ القَسَماتِ

أَحْصَيْتَهُمْ وَحَصَدْتَهُمْ في ظُلْمَةٍ.. ما أَكْثَرَ الغَصَّاتِ وَالظُّلُماتِ

وَالبَعْضُ تَحْتَ الرَّدْمِ صَوْتُ أَنينِهِ.. يَتَفَقَّدُ الأَطْفالَ في الغُرفاتِ

لَمْ يَأْتِهِ رَدٌّ وَأَخْمَدَ صَوْتَهُ.. رُكْنٌ تَقَوَّضَ بَعْدَ طولِ ثَباتِ

وَالخَلْقُ بَيْنَ مُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ.. سُنَنُ الرَّدى في القَطْفِ وَالـميقاتِ

فَأُولو القُبورِ حَصيدُ زَلْزَلَةٍ طَغَتْ.. وَأُولو النَّجاةِ نَثَرْتَ في السَّاحاتِ

فَتَفَرَّقوا بَدَدًا لِهَوْلِ مَشاهِدٍ.. لا يُبْصِرونَ سِوى الدَّمارِ العاتي

كُلٌّ إِلى جِهَةٍ بِغَيْرِ هِدايَةٍ.. كَفَراشِ يَوْمِ الحَشْرِ في السَّاحاتِ

يَتَراكَضونَ كَتائِهٍ لا يَهْتَدي.. ظَنَّ النَّجاةَ بِجُحْمَةِ الغَمَراتِ

فَيَخوضُها لِشَتاتِ فِكْرٍ قَدْ عَرى.. وَالهَوْلُ يُسْلِمُهُ إِلى أَشْتاتِ

ظَنَّ اليَمينَ يَسارَهُ مِنْ هَزَّةٍ.. دَكَّتْ مَبانِيَ بِالثَّرى وَغُفاةِ

فَانْقَضَّ عالِيها وَخَرَّ خَفيضُها.. بِأُناسِهِ وَأَثاثِهِ وَرُفاتِ

يا موجِعَ الأَحْياءِ مَهْلًا إِنَّنا.. لَـمَّا نُفارِقْ سالِفَ الآهاتِ

لَمْ نَنْسَ ما أَسْلَفْتَ أَوَّلَ عامِنا.. في الشَّامِ أَوْ في التُّرْكِ مِنْ صَرَخاتِ

بِالأَمْسِ سورِيَّا وَتُرْكِيَّا وَها.. في أَرْضِ مَغْرِبَ وَفْرَةُ الأَقْواتِ

لَكَأَنَّ قِدْرَكَ بِاثْنَتَيْنِ تَمايَلَتْ.. فَعَدَلْتَها في الصَّيْفِ بِالصَّفَواتِ

تَشْتو بِتُرْكِيَّا وَفي شامِ الهَوى.. وَبِمَغْرِبٍ صَيَّفْتَ وَهْوَ مُواتِ

وَفَجَعْتَنا بِزِيارَةٍ وَزِيارَةٍ.. بِتْنا نَخافُ تَتابُعَ الزَّوْراتِ

تَأْتي وَتَمْضي بِالحُمولَةِ تارِكًا.. بَحْرَ الخَلائِقِ صاخِبَ الـمَوْجاتِ

وَاللَّيْلُ سِتْرٌ مُسْدَلٌ فَوْقَ الَّذي.. خَلَّفْتَ إِذْ أَقْبَلْتَ بِالرَّجَفاتِ

لا الآهُ تُجْدي فاقِدًا وَتُريحُهُ.. أَوْ ثاكِلًا أَبْناءَهُ وَبَناتِ

لا الصَّمْتُ يُسْلي لا الكَلامُ مُهَدِّئٌ.. لا الدَّمْعُ يُطْفي حارِقَ الشَّهَقاتِ

صَبْرًا أَحِبَّتَنا يُذيبُ الحُزْنَ لا.. يُبْقيهِ طَيَّ الصَّدْرِ وَالخَفَقاتِ

صَبْرًا يُحيلُ اللَّيْلَ صُبْحًا وَالأَسى.. نورًا يُضيءُ مِنَ العُلى الشُّرُفاتِ

صَبْرًا فَرَبُّ العَرْشِ مَنْ يَجْزيكُمُ.. وَبِلا حِسابٍ، قالَ في الآياتِ

قوموا ادْفِنوا الشُّهداءَ وَاسْموا وَانْهَضوا.. وَتَناهَضوا لِلْفَجْرِ بِالعَزَماتِ (2)

وَتَعاهَدوا الجَرْحى بِكُلِّ عِنايَةٍ.. كونوا لَهُمْ سَلْوى وَخَيْرَ أُساةِ

فَمُصابُكُمْ، هٰذا الـمُنيخُ، مُصابُنا.. وَالجُرْحُ وَحَّدَ وَالأَسى الفِلِذاتِ

وَجِدارُ أُمَّتِنا الأَعَزُّ مَناعَةً.. بِأُخُوَّةٍ هِيَ خِيرَةُ اللَّبِناتِ

وَاللهَ نَسْأَلُ أَنْ يَلي شُهَداءَكُمْ.. خَيْرَ العَواقِبِ وَاسِعَ الرَّحَماتِ

وَيُحِلَّهُمْ أَعْلى الجِنانِ تَكَرُّمًا.. وَشِفاءَ إِخْوانٍ مَعَ الأَخَواتِ

  1. تناصّ مع قول الشَّاعر محمود درويش: الـموت لا يوجع الـموتى، الـموت يوجع الأحياء.
  2. تناصّ مع قول الشَّاعر الـمرحوم توفيق زَيَّاد: ادْفِنوا موتاكمْ وانهضوا.

(الـمَشْهَد/الجَليل)

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار