شائعة الفلسطيني مسئول عن بيع أرضه.. كيف ساهمت الإدارات العثمانية والعائلات العربية الثرية في ضياع الأرض؟

مستوطنه
الشيماء أحمد فاروق

من الأساطير التي رُوجت بعد الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، أن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم، وهذه العبارة تم تداولها عبر السنين ودعمتها السردية الإسرائيلية؛ لتعزيز شرعيتها بمجموعة من الإدعاءات المتنوعة والتلاعب اللغوي الذي مارسه الاحتلال في خطاباته السياسية، ولكن ما قصة هذه العبارة وجذورها التاريخية؟.

 

– معاناة الفلاح الفلسطيني تحت الحكم العثماني

روى كتاب “فلسطين ضحية وجلادون” القصة، وهي عندما كان يعاني الفلاح الفلسطيني الفقير من الضرائب الباهظة التي فرضت عليهم ممن تولوا حق تحصيل “الالتزام”، الذي كان يدفع للوالي العثماني.

بين الكتاب: “كان الفلاح مضطرا إلى تحمل استبداد وتعسف الجهاز الحكومي والقضائي التنفيذي وشهيته المفتوحة لتحصيل المال من الفلاحين، وبلغ فساد الجهاز التنفيذي إلى حد التلاعب بالملكية العقارية الشخصية ونقلها من شخص إلى آخر بعد تزوير الوثائق، وبلغت الضائقة المعيشية ذروتها مع شح المحاصيل وعبء الضرائب الذي فرضته السلطات من خلال شريحة أطلق عليهم الملتزمين، وعن طريق الالتزام يضمن الملتزم جمع الضرائب من قرية أو عدة قرى فيدفع للسلطة المبلغ المتفق عليه ويقوم هو بجباية ضريبة عالية تضمن رأس المال وربحه الشخصي”.

وأضاف: “كانت نتيجة هذا الوضع هروب بعض الفلاحين من أراضيهم وتبوريها، وبناء عليه سن قانون عام 1860 ينص على مصادرة كل أرض بورت 3 سنوات فأكثر، أو تحويل الأراض لملكية الشرائح الثرية ذات النفوذ.. وانتقلت بذلك أراضي مرج عكا، ومرج بن عامر، وسهل الحولة، والسهل الساحلي بين مدينتي يافا وحيفا ومنطقة طبرية إلى ملكية نخب برجوازية ثرية، وتنوعت بين عائلات فلسطينية كبرى أو أخرى من أصول عربية”.

وتملك السلطان عبدالحميد الثاني مساحات شاسعة من الأراضي، وكانت ملكا لقبائل تسمى البواطي والزيناتية والغزاوية والبشاتوة، عندما عجزت عن دفع الضرائب، ولكنه أبقى المزراعين يعملون فيها كأجراء، وتملكت عائلات غير فلسطينية مساحات أخرى كبيرة في فلسطين، وكان أبرزهم عائلة سرسق.

 

– عائلة سرسق.. حلقة من حلقات فقدان الأراضي الفلسطينية

حصلت هذه العائلة على أول صفقة لها من الأراضي الفلسطينية عام 1869، حين ابتاعت 17 قرية من قرى مرج بن عامر لحسابها وحساب الدائنين من عائلات لبنانية أخرى هي: “بسترس، وفرح، وتويني”.

وتشير المراجع التاريخية، إلى أنه بعد 3 سنوات من هذه الصفقة، عقدت الحكومة صفقة بيع ثانية لعائلة سرقس وعائلة الخوري، وتحول الفلاحيين الفلسطينيين من ملاكي أرض إلى عمال أجريين بعد ذلك، وبلغ عددهم 5 آلاف فلاح من 30 قرية، وتصف هذه المراجع سرسق أنه كان ذي سلطة دكتاتورية وتعسفية وكان اسمه يرهب الفلاحين.

وقبل عام 1890، كان من الصعب تملك أجانب أراضي فلسطينية، ولكن بحسب “المصدر السابق ذكره”، وازدادت ديون الدولة العثمانية وخضوعها لضغوطات وإملاءات الدول الأوروبية صدر قانون يسمح للأجانب في التملك وابتياع الأراضي.

ومع بداية الانتداب البريطاني، ولأن القرويين دفعوا العشور لعائلة سرسق في بيروت مقابل حق العمل في الأراضي الزراعية في القرى، فقد اعتبرتهم سلطات الانتداب في فلسطين مزارعين مستأجرين، وحق عائلة سرسق في بيع الأرض إلى الصندوق القومي اليهودي أيدته السلطات.

وتابع الكتاب: “لم تكن عائلة سرسق فقط التي تبيع الأراضي الفلسطينية التي تملكتها، فقد باعت عائلة القباني اللبنانية مساحات من شاسعة على دفعتين، الأول 10 آلاف دونم في منطقة يافا، و30 ألف دونم في منطقة وادي الحوارث، وعائلة بسترس وفرح باعت أراضي في منطقة عكا”.

 

– ما هو الصندوق القومي اليهودي

ويشير كتاب “الصندوق القومي اليهودي”، الذي يروي ملابسات وتفاصيل نشأة هذه الفكرة، إلى أن هرتزل –الأب الروحي لفكرة الدولة اليهودية- كان يرى أهمية قصوى لإقامة مصرف صهيوني كأداة مالية للحركة، وأن عملية الهجرة والاستيطان في فلسطين غير ممكنة دون مؤسسة مصرفية، وأن الوسيلة التمويلية للحصول على موافقة السلطان العثماني على تملك أراضي يكون بواسطة مد الدولة العثمانية بالقروض التي تتيح تسديد ديونها.

ومن هذه الفكرة تطور الأمر عبر سنوات، حتى وصل إلى عام 1901، في المؤتمر الصهيوني الخامس الذي حدث فيه اتفاق كبير على مناقشة فكرة وجود صندوق يهودي وفق مبدئين، وتخيل الشعب اليهودي ملكية الصندوق وتكليف لجنة الأعمال المصغرة في الحركة للإدارة، وتعيين لجنة خاصة للصندوق مهمتها صياغة دستوره، وتمويل الصندوق بشكل ثابت من تبرعات اليهود واستخدام أمواله لشراء الأراضي فقط.

وتبين المراجع التاريخية، أن الصندوق استطاع ضمان ميزانية سنوية من الأموال لمشاريعه طيلة الفترة 1901م وحتى 1948 نافست ميزانيات دول كبرى، وقسمت جهوده خلال تلك الفترة إلى توفير رأس المال وشراء الأراضي وجمع المهاجرين ومنحهم القروض لضمان بقائهم في فلسطين.

يذكر أن سياسة الصندوق كانت مختلفة، في الفترة من 1901 وحتى 1917 بعد إعلان وعد بلفور، فالبداية كان أكثر تخبطا ولم يكن هناك نهج واضح لتملك الأراضي، وكان السعي للامتلاء يحدث ببطئ لتجنب لفت الأنظار، وبعد وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ثم وعد بلفور، اتجه الصندوق للشراء والتملك بشكل مطرد، بمعاونة الإدارة العسكرية البريطانية التي سعت للتخطيط وتنفيذ الفكرة الصهيونية ودعمها من خلال إزالة أي عقبات أو معوقات تواجه الصندوق أو اليهود عامة أثناء تملكهم الأراضي.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار