• 8714564

الشاعر الفلسطيني نمر سعدي: أترك لذاكرتي الشعرية حريتها المطلقة في أن ترسم ما تريد!

الشاعر الفلسطيني نمر سعدي

الشاعر الفلسطيني نمر سعدي: أترك لذاكرتي الشعرية حريتها المطلقة في أن ترسم ما تريد!

حاوره: عبد اللطيف الوراري / شاعر وناقد من المغرب
يعرف شعر اللحظة الراهنة دورة جمالية مغايرة تضطلع بها حساسيةٌ جديدةٌ يقودها وعي شاب منشق وغاضب ويائس، ولكنه مندفع إلى قول ما لا يُقال، وإلى بناء عالم محلوم به وسط الخسارات وعرام الزيف الأكاذيب التي لا تحصى؛ إذ جعلوا في الصميم حساسيتهم التعبيرية كفلسفة وممارسة وجود وشكل رؤية تعيد اكتشاف المنسي والمهمل في حياتنا الإنسانية المنذورة على الدوام للتلاشي والضياع. يأتي الشاعر الفلسطيني وابن حيفا البعيدة نمر سعدي في طليعة أفراد هذه الحساسية. جاء إلى الشعر في تسعينيات القرن الماضي، وكان العالم وقتئذٍ يشهد رجاتٍ وقلاقلَ في كل مكان، وكأن وعيه الشعري نشأ في سياق قيامي؛ وربما هذا ما يفسر نزوعه الشعري إلى أسلوبٍ يهدم من أجل أن يبني، ويعيد التسمية، من أجل أن يفهم ويؤول، متحدرا من أصقاع وثقافات سحيقة تعطي للقصيدة عزاء ما، ولكلماته المتداعية معنى آخر. لا يخطئ قارئ شعره هذا الأسلوب، الذي بقي يصقل نفسه في مرآة التاريخ والحاضر، مازجا بين القدرة على الجمع بين المتناقضات والرغبة في الحب، الذي لا يقبل القياس مثل إيقاع ذاتيته السائل، منذ «عذابات وضاح آخر» 2005، وحتى ديوانه الأخير «ظلال مضاعفة بالعناقات» 2025، الذي أزعم بأنه يمثل خلاصة الشعر المعاصر في تطوره الجمالي الذي لم تنهبه تقليعات الموضة. من ذات إلى ذات، يتشابك الشاعر مع هويته الفلسطينية المتحولة، لكن لا يستغرقها الآني والأيديولوجي؛ وهو ما كان يحفزه على أن يكون لصوته الفردي لون وقاع خاص به، وأن يكون للحب الذي بنى عليه مختبر استعاراته جدارة التسمية في عالم الكذابين ومن في ركابهم.
* أسألك ابتداء: ما الذي قادك إلى الشعر؟ هل ثمة واقعة أو أثر شخصي جعلك تكتب الشعر؟
– من الصعب أن تستعيد تقاطيع حلم أو تداعيات ذكرى، أو ترجيع صدى قصب الحنين. شغفي بالشعر وُلد وترعرع معي، فأنا مسكون بالشعر منذ الطفولة. هذا ما أتذكره بعد أكثر من أربعين سنة من بداية مراودة هذا الشغف الجميل لحواسي، سنوات الثمانينيات كانت خصبة على مستوى تكوين ثقافتي الأولى. قرأت فيها بعض دواوين الشعراء الجاهليين، وبعض الروايات العربية التاريخية لجورجي زيدان، مثل رواية «فتاة غسان» و»أرمانوسة المصرية»، والأجنبية المترجمة، لاسيما رواية «البؤساء» لفيكتور هوغو و»الفارس الخالد» لميشال زيفاغو. ثمة بدايات مغسولة بضوء قمر ناحل وعشق ما وحبر غامض، وشمته إحدى النساء على جسدي ذات خريف بعيد، وخيط من الدخان الضبابي قادني إلى الشِعر وملكوته. أتذكر أنني كنت أقرأ كثيرا في عام 1989 في كتاب «تاريخ الأدب العربي» للناقد اللبناني حنا الفاخوري، منتشيا بمجازاته وبلغته البصرية والملونة، ومزهوا بالزخرفة اللغوية الأنيقة وباستعاراته الغنية، تعلقت بالشعر العباسي، برقة البحتري وعمق أبي تمام، مأخوذا بحماسة المتنبي وخيلائه وكبرياء شعريته العالية – أحببت في البداية المتنبي أكثر من أبي تمام. كتاب الفاخوري كان منبعا ثرا تحوم عليه روحي الظامئة للمعرفة، وأول برق يصافح روحي ويشعل كياني ويشدني إلى حدائق الشعر. كنت شغوفا بالشعر الجاهلي أيضا.. امرئ القيس وطرفة وعنترة بن شداد والشعراء الصعاليك، بعد ذلك جاء جرير والفرزدق ثم أبو نواس وأبو تمام وصولا إلى المتنبي والمعري. في العصر الحديث شغلني أمير الشعراء أحمد شوقي فترة ليست بالقصيرة، سيطر فيها على كياني كله. غرتُ من عبقريته في حداثتي ومن مجده الأدبي، أو هكذا كان يُخيل لي، من قوة لغته وعمق شاعريته وصفائها. كنتُ أحلم بمجد أدبي كمجد شوقي، قبل أن أعرف شارل بودلير وبول فيرلين وآرثر رامبو، الشعراء الفرنسيين الذين جعلوا الصعلكة والتشرد والعوز المادي والقلق الروحي صميم مجدهم الأدبي، ولكنني حاولت التفلت في ما بعد من أسر شوقي وأحابيل جماليات شعره المذهل والتعرف على شعريات عربية مغايرة غيرت نظرتي للقصيدة، مثل تجارب بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وعبد العزيز المقالح ونزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم ومحمد الثبيتي وعلي الدميني وأمل دنقل وأحمد ضيف الله العواضي وغيرهم.
* أصدرت باكورتك الشعرية «عذابات وضاح آخر» عام 2005. كيف تستعيد من خلالها حماسة الشاعر وأطراف شهوته التي تنحدر إلى حقبة التسعينيات؟
– أصدرت «عذابات وضاح آخر» مع ديوان حمل عنوان «يوتوبيا أنثى» عام 2005 في مطبعة فينوس في الناصرة بطبعة محدودة النسخ، حوالي 350 نسخة لكل ديوان، ومتواضعة الغلاف. كان «يوتوبيا أنثى» أنضج وأعمق وأكثف شعريا، فيه تذويب لقراءات تجارب شعرية كثيرة مترجمة وغير مترجمة عربية وأجنبية لا يتسع المجال لذكرها. «العذابات» لم يكن ديواني الأول، ولا «اليوتوبيا» كان ديواني الثاني. كنت أكتب شعرا منذ بداية التسعينيات، ولكني أهملت أكثر شعر الصبا وبددته، ثمة بعض الدواوين والإرهاصات الشعرية التي سبقت «عذابات وضاح آخر» ولكنها لم تخرج إلى النور. «عذابات وضاح آخر» كان عبارة عن تجربة تأثرت فيها إلى حد ما بديوان البياتي الأخير «نصوص شرقية»، كتبته على شكل قصيدة طويلة مكونة من قصائد صغيرة ومقطوعات مرقمة على أوزان وبحور شتى تحيل إلى طريقة بعض الشعراء الإنكليز ومنهم شكسبير. بدأت كتابة هذا الديوان في أيار/ مايو عام 2002 وانتهيت منه في حزيران/يونيو 2003، ربما يشكل نقطة مفصلية في تجربتي، ولكنه ليس ديواني الأول على أي حال.
* تنتمي إلى جيل التسعينيات في الشعر الفلسطيني. ما الذي أضافه هذا الجيل، وما علاقته بـ»الموضوع الفلسطيني» وتبعاته وأصواته؟
– لم أقرأ كثيرا لشعراء فلسطينيين من جيلي. ما قرأته لا يشكل رأيا نقديا حقيقيا عن تجربة هذا الجيل. أعتقد أن الخطاب الشعري الذي هيمن على ذائقة هذا الجيل، هو خطاب ينتصر نوعا ما لقصيدة النثر، التي لم أكتبها بشكل مكثف. حاولت كتابتها، ولكن كتجريب فني فهي منثورة في دواويني كالملح في الأرض، لا أكثر. ثمة أصوات رائعة في مدونة الشعر الفلسطيني تنتمي لهذا الجيل، ولكنها أصوات فردية، هناك من أثبت خطاه وترك أثره بجدارة ثم خلد إلى الصمت، أو الركض في دروب الحياة وراء لقمة العيش، ومنهم من تمرد واستمر قابضا على جمر القصيدة. ولكن بعد محمود درويش وسميح القاسم لا نكاد نعثر على شعراء مكرسين أو حقيقيين يتمتعون بإجماع شعبي أو أدبي، ربما عانى هذا الجيل من عقدة اختراق سقف التجارب الفلسطينية الشعرية الكبرى، وأبرزها تجربة محمود درويش، ولكن في رأيي أن أغلب شعراء جيل التسعينيات وما بعد التسعينيات الفلسطيني، تنقصهم الثقافة الشعرية العميقة ومعرفة الأوزان والبحور وطريقة توظيف الأسطورة أو الإيقاعات، ثمة نقد محلي يُنشر بين الحين والآخر يتهم الأدب الفلسطيني المكتوب في أراضي 48 بالسطحية وعدم العمق.
* لكن جيلكم، وحتى الجيل الذي جاء بعدكم، يكاد يكون غير مقروء، لأسباب قاهرة. وحتى خفوت الصوت السياسي والأيديولوجي في الشعر الفلسطيني ساهم في «حجب» أصوات هذا الجيل.
– لا أستطيع أن أحكم على تجارب غيري من الشعراء الفلسطينيين الشباب، ولست وصيا على قصيدة، أو على أحد، ليس لأنني أعيش عزلة شعرية بطريقة أو بأخرى، ولكن لعدم اطلاعي بشكل كافٍ على تجاربهم الجديدة، التي أعتبرها مبشرة بالخير، على الرغم من فجاجتها أحيانا في مواضع كثيرة، فهي تحتاج للممارسة والوقت. المشكلة تكمن في آلية التلقي في زمن الصورة والتكنولوجيا، ولأعترف بأننا نعيش حالة استسهال كتابي، سواء بالشعر أو بالنثر، ولا نلوم فيسبوك أو تويتر أو غيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي على امتلاء الفضاءات الافتراضية بالكتاب وبالشعراء والمنظرين الجدد، هي ثورة معلومات ونظام عولمي يخضع البشر لقوانينه. بعد الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، نلمس فراغا شعريا كبيرا، لا أجد ذلك النص الشعري الفني المغاير، أو المختلف. لدينا أسماء كثيرة، ولكن من يكرس نفسه للحياة الإبداعية، ويخلص لمشروعه ويعيش تجربته بكل عمق ورهبنة؟ هناك تجارب فردية وذاتية لأصوات شعرية جميلة في الداخل الفلسطيني، وفي الضفة الغربية والشتات، ولكنها أصوات خافتة النبرة لشعراء شباب يتلمسون طريقهم، منهم من يمتلكون صوتهم المرهف الخاص وبصمتهم الجمالية، وآخرون ما يزالون يبحثون عن ضالتهم. لكنهم جميعا يبقون كمن يغرد خارج سربه أو كنخلة وحيدة في صحراء ممتدة. لم تتخلص تلك التجارب الجديدة بعد من صراع الأشكال الشعرية، وتأثيراتها.
خفوت الوجودي والسياسي في شعرنا الفلسطيني أصبح ملموسا وجليا لدى البعض من المبدعين الشباب، مقابل الهم الذاتي والنبرة الوجدانية والعاطفية، ولكنه اكتسب طفرة وازدهارا وتنوعا لدى شعراء الجيل الثاني، أقصد شعراء ما بعد مرحلة محمود درويش، وسميح القاسم، وعز الدين المناصرة، وتوفيق زياد، وراشد حسين وشقيقه أحمد حسين وغيرهم. الشعراء الشباب لديهم أحلام طموحة، ولكن شعريا ينقصهم الكثير لتكتمل تجاربهم. على سبيل المثال، نحتاج لقصائد لا نشعر حين نقرأها بوطأة الصراع الثقافي الأيديولوجي بين الأشكال الشعرية فيها، يتوجب نسيان هيمنة قصيدة النثر، أو رفرفة التفعيلة، أو صخب الشعر العمودي. نريد شعرا فحسب، شعرا مغايرا منطلقا، يتجلى عبر الأبعاد الفنية، هاضما للثقافات العميقة، القراءات المتعددة، متمثلا للشعريات العالية المتوهجة، ومخترقا سطح النمطي والمتداول، ذلك أن القصيدة الفلسطينية بشكل خاص والعربية بشكل عام، أصبحت فاقدة لخصوصيتها ولبصمتها الشخصية، ولحساسيتها الفنية، فالنصوص الشعرية تقريبا كلها متشابهة ويحكمها جو معين وتجمعها لغة واحدة، في ظل غياب نقدي يواكب رؤية الشعر الفلسطيني التائهة بين استيهامات الواقع والخيال.
* بقيت وفيا لشعر التفعيلة، وللإيقاع على وجه الخصوص في بناء ممارستك الشعرية، ما جعل شعرك يتسم بالغنائية وتذويت التجربة التي تؤمن بجدوى الحب، رغم المحل الطبيعي وقساوة الحياة. هل ما تزال تعتقد بأن الشعر يمكن أن يبنى بالوهم واللعب باللغة عالما بديلا لما نعيشه من خوف ووحشية وعدم تسامح؟
– الشعر دون كيشوت عصرنا الحديث البائس، دون كيشوت مقهور وخاسر ومكتهل ومغلوب على أمره ومحكوم بقسوة الحياة. لن يجمل قبح العالم ولن يغير شيئا في حياتنا المندفعة إلى الهاوية أو عصر الروبوتات، هو تعبير غامض عن اكتفاء روحي ذاتي. وبتفسير أعمق أستطيع القول إن الشعر هو رديف ومعادل موضوعي للحب. الشعر حلم أو ما يشبه حلما، هو لغة الأحلام السائلة، أو عشق غامض لا تستطيع تفسيره، ورأيي يتقاطع مع كثير من آراء الشعراء في هذا التعريف.
* من خلال مجموع أعمالك الشعرية التي انتظمت في الصدور، وآخرها «ظلالٌ مضاعفةٌ بالعناقات» (2025)، نلاحظ احتفاءك بالتناص عبر انفتاحك على مدونة الحياة وأصواتها السحيقة التي تعيد تشكيلها وفق منظور إنساني شمولي. كيف تقيم هذه العلاقة المتوترة بين خطاب كثيف مثل الشعر يتواصل مع محكي طفولتك وسيرة الأنا، وذاكرة حاشدة بالأحداث والاستيهامات تعيد ابتكار هوية الذات الشعرية في اختلافيتها وتعددها؟
-الطفولة هي البئر الأولى التي يمتح منها كل شاعر، والكتابة هي مخزون قراءات وتأملات وذكريات وتناصات لا تحصى. في قصيدتي تشابك جميل مع الماضي والحاضر والمستقبل، على الرغم من عدم تركيزي على كتابة شعر اللحظة أو المناسبة، فكثيرا ما أستعمل نوعا من التورية أو الحس الوجودي في الشعر، فمن الصعب أن تتبع خطى سيرتي الحياتية من خلال دواويني ونصوصي الشعرية. فأنا أترك لذاكرتي الشعرية حريتها المطلقة في أن ترسم ما تريد، أو تعيد ابتكار الأشياء.
* ما هي طقوسك الخاصة أثناء الكتابة؟ وهل تعود إلى تنقيح ما تكتبه؟
– تختلف طقوسي من وقت لآخر، ولكني أكتب عادة عندما أكون بمفردي وفي فسحة من الهدوء الروحي الذي بتنا نفتقده هذا الأيام، وكثيرا ما أكتب الشعر بقلم حبر أو رصاص على الورق قبل رقنه على الحاسوب، وتلك عادة نشأت عليها منذ زمن بعيد، لم تكن الهواتف والحواسيب الشخصية منتشرة فيه، وأتذكر نصا لي بعنوان «حبر بطعم الشغف» أقول فيه: «في أواخر التسعينيات كنتُ أكتبُ القصيدة وأشمُها على الورق، كما يشمُ العاشقُ رسالةَ حبيبته الأولى، كان لحبر القصيدةِ عبقٌ خاص، أبعثها بالفاكس أحيانا أو أضعها في الظرف البريدي وأرسلها لعنوان صحيفة «الاتحاد» الحيفاوية، وفي مرَات كثيرة أذهبُ بنفسي لتسليمها للمحرِر الأدبي في ذلك الوقت لأنتظرها في الثلاثاء الأدبي على أحرِ من الجمر، كانت همومي صغيرة والحياةُ بريئة حينها».
قرأت عن نزار قباني وكيف كان يصهل كالحصان عندما تأتيه القصيدة أو يطرق بابه أو نافذته مطر الإلهام المفاجئ.. وقرأت عن طقوس أكثر غرابة لطقوس وحالات الكتابة لدى الشعراء.. ولكن أجد طقوسي قريبة أحيانا من طقوس الشاعر أحمد شوقي مثلا؛ حين كان يغمغم بالقصيدة وهو يتجول بعربة حصان على ضفاف النيل، أو يتركها لتختمر في ذهنه طوال النهار ليكتبها في الهزيع الأخير من الليل. وأستعير هنا قول الروائي الأمريكي بول أوستر، لأنه يعبر عن طقوسي في الكتابة أجمل تعبير: «أكتبُ دائما بخط اليد، وأستخدمُ غالبا قلم الحبر، وأحيانا قلم الرصاص، لإجراءِ التصحيحات. لو استطعت الكتابة مباشرة على الآلة الكاتبة أو جهاز الكمبيوتر، لفعلت ذلك. ولكن لوحات المفاتيح كانت دائما تُشعرني بالرهبة. لم أتمكن يوما من التفكير بوضوحٍ وأصابعي في ذلك الوضع. القلمُ أداةُ أكثرُ بدائية بكثير. تشعر كأن الكلمات تخرج من جسدك ثم تحفرها في الصفحة. كانت الكتابة دائما بالنسبة لي تجربة حِسية. وجسديةٌ».
* كيف تنظر إلى ما يجري اليوم من حروب ومآسٍ أمام مرأى العالم الحر والمتحضر؟ هل بوسع الشعر، والفنون عموما، أن يفعل شيئا؟
– للأسف، لا. أقولها بمرارة روحية كبيرة. لا تأثير للشعر أو للفن إلا كتأثير أثر الفراشة. وهذا التعبير أعجبني كثيرا، ولكن لن يكون سببا ضروريا في حدوث إعصار أو عاصفة ما في منطقة نائية. نعم بوسع الشعر أن يقول شيئا وحتى أشياء، ولكن لن نجد من يسمعه في هدير المدافع والطائرات وصخب البشرية في عالم المادة. الشعر طائر وحيد في مواجهة العاصفة. وصف أحدهم الشعر بالكائن الهش، أو بأنه عديم التأثير في مجرى الحياة، بينما مصالح الإمبراطوريات الكبرى تتصارع وتتحكم في مصائر الشعوب منذ فجر التاريخ، لا الفنون ولا الشعر بقادرين على تغيير شيء في هذا العالم المادي المحكوم بمنطق وموازين الحديد والنحاس، أو بالسير نحو الهاوية. ربما نستطيع أن نصف الفنون بأنها أداة أو أسلوب لتجميل قبح الواقع بواسطة الرتوش الجمالية والغيوم الخفيفة.
تبقى الفنون ويبقى الشعر طريق نجاة للروح البشرية الصافية.. فسحة للتأمل، أو أداة للأمل. الناس يتذكرون لوركا وينسون فرانكو جنرال إسبانيا. تفنى الحروب في الأرض وتبقى الأغاني تضيء ليل الغريب، وتبقى شجرة الزيتون متألقة في وجه الشمس. تفنى حروب الإغريق وتبقى قصائد هوميروس وتعاليم سقراط وأفلاطون.
***

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

جديد الأخبار
  • اعلان مربع اصفر
  • عكانت مربع احمر