• ذباح

نمر سعدي: ساعي بريد اللهفة

0

نمر سعدي: ساعي بريد اللهفة

محمد الهادي الجزيري / شاعر وناقد من تونس

الكلُّ يصارع الوحش والوحشة فيه..، هكذا أصف الفلسطينيين.. فمنهم من يقاوم قبح الواقع وفظاظة الحياة والعدوَّ بالسلاح ولو بحجارة.. ومنهم من يدافع عن أرضه في منابر الأمم.. ومنهم من يواجه الرداءة والضحالة بالقلم والموهبة..، وما دمنا في مجال الأدب.. نقترح عليكم إطلالة على طفل كبير وشاعر فحل..، اسمه نمر سعدي.. له في مجال الشعر والأدب صولات وجولات.. فهو كما يقول في سيرته الشعرية “شاعر على قيد القصيدة” وله أكثر من 20 عنوان..، يكتب قصيدة التفعيلة، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية، وقصيدةَ النثر.

سأجوب معه جنائنه شبهَ صامت..، أو شبهَ معلّق على فنّه في القول.. فمثله تتكلَّم عنه  كلماته..، أتنزَّه نزهة سريعة.. وأترك شعره يتكلَّم ويعبِّر عنه… لكي يستدَّل به العابرون والغاوون وعشاق القول الصافي، أمَّا عنوان المجموعة فهي.. “ساعي بريد اللهفة”

وقد وزَّع نزيفه على أرقام.. وتحت كلِّ رقم جرح مكلوم…، كما كُتبتْ قصائدُ هذا الديوان بين الأعوام 2023 و 2025…

النموذج الأوَّل:

” وطناً من قصائدَ كوني لأكتبَ

كوني دثاري.. هوائي وناري

شتائي وصيفي.. خريفي وعشبَ النجومِ

صدى الريحِ في شجرِ الليلِ

والصوتَ في حجرِ النهرِ

كوني الكمنجةَ والأقحوانةَ

كوني النجومَ البعيدةَ

والأغنياتِ الشريدةَ “

تعريف سريع وبسيط وعميق لمفهوم الوطنية..، ساقه الشاعر في حديثه عن الوطن وكلُّ ذلك بين قوس مغلق: قوس الكتابة والأغنيات الشريدة.. فدأبه هو البحث والتمحيص والعطاء والبذل.. ذاك هو الوطن.

النموذج الثاني:

 “لا تغلقي قلبكِ تماماً

اتركي بابهُ موارباً فلا بدَّ من عصفورٍ تائهٍ

يدخلُ فيهِ هارباً من العواصفِ المطريَّةِ.. ولا يخرجُ

لا تغلقي شبَّاككِ تماماً

اتركي منفذاً صغيراً فلا بدَّ من فراشةٍ عطريَّةٍ

تدخلُ فيهِ هاربةً من طيرٍ جارحٍ”

يضرب بقوَّة وهو ينتقل من مناخ تفعيلي معتاد عليه.. إلى طقس نثريٍّ جديد على شاعر مثله..، ولا يعوقه وزن ولا قافية لكي يوَّلد المعنى..، فإذ به فراشة ضعيفة تلوذ به هربا من طير جارح…

النموذج الثالث:

“قصائدي ذرُّ ريحٍ في الحياةِ وأحلامي

رمادٌ وهذي لعنةُ الشُعرا

حرثتُ في البحرِ واستمطرتُ أخيلةً

من السرابِ الذي سمَّيتهُ ثمرا

وكنتُ غنَّيتُ في الطاحونِ أغنيةً

صارتْ هواءً.. وماءً يابساً.. حجرا

(لينتهي في خاتمة الفقرة)

……………..

أنا السرابيُّ يا هذا الزمانُ وأحلامي

جهنَّمُ من سمَّيتهم بشرا

فكنْ لزنبقتي يا ليلُ آنيةً

وكن لأغنيتي أو نبضها وترا

وكنْ لرملِ فمي ماءً.. وأخيلةً

للقلبِ.. والحبقَ البيتيَّ والسهرا “

هنا يصطدم الشاعر بالواقع الصلب..، ويعترف بصراحة مريرة أنّه واهم.. فكلُّ شيء في العالم يسير وفق القوَّة والمال وقس على ذلك …

النموذج الرابع:

“لن يأتي غودو في المساءِ ولا الصباحِ ولا الظهيرةِ، أنتَ وحدكَ في مهبِّ الريحِ، وحدكَ كالسرابِ، كحيرةِ النجمِ الشريدِ، كريشةِ العنقاءِ، كالمعنى وكالنهرِ البعيدِ، وكالكمنجةِ في سريرةِ آخرِ الغجرِ الغنائيِّينَ، لن يأتي سوى سربِ البرابرةِ الذي تناثروا في الأرض”

 شدَّني هذا المقطع..، فقد لخَّص كلَّ شيء كان وسوف يكون..، فنحن أمام شاعر فلسطيني.. مغاير تماما.. لا صياح ولا ادِّعاء للنضال ولا بحث على المجد..، شاعرٌ مجهولٌ يلبسُ حزنهُ العاري..  يكتب الشعر.. ولا غيره…

النموذج الخامس:

“إلهي دمعتي تجري لطفلٍ

يجوعُ وطفلةٍ في البردِ تعرى

أفكِّرُ في غدٍ والروحُ تذوي

أسىً من هذهِ الدنيا وقهرا

أيكسو الشِعرُ عرياناً ويرفو

جراحَ المثخنِ الأوَّاهِ تترى؟

أيطعمُ جائعاً في الأرضِ أم هل

يحرِّرُ من حديدِ النارِ أسرى؟”

 

وهذا ما نختم به جولتنا معه.. فلا شيء نودِّع به نمر سعدي كالبكاء الحرِّ..، متمنين لفلسطين قدرا أجمل وألطف من عنف الإنسان المتحضر.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

جديد الأخبار
  • اعلان مربع اصفر
  • عكانت مربع احمر