الحركة يمكنها تجهيز عشرة آلاف مقاتل من حاضنة شعبية تحظى بالحصول على المساعدات والخدمات، في تكرار لنموذج حزب الله
غزة – خرج مقاتلو حركة حماس إلى العلن مباشرة بعد وقف إطلاق النار، في خطوة استعراضية توحي بأن الحركة تريد فرض حكمها في القطاع بقوة السلاح وأنها ستعمل على “تطفيش” أي قوة خارجية لإدارة غزة ما بعد الحرب مثل تشكيل إدارة انتقالية بدعم إقليمي وأممي بمشاركة مقاولين أجانب تابعين لشركة أمنية متخصصة يكون هدفها تأمين توزيع المساعدات وتحضير الظروف الملائمة لإعادة الإعمار.
ويرجح أن حماس ستتعامل معهم على أنهم أعضاء شركات شبيهة ببلاك ووتر أو فاغنر وجبت مواجهتهم والإعلان عن حرب تحرير ثالثة. وتشير مصادر فلسطينية في قطاع غزة إلى أن حماس، التي تعمل على إعادة السيطرة الأمنية بشكل سريع، لا تستبعد خوض مواجهة أمنية مع أي قوة من خارج القطاع تريد تحييدها عن الحكم سواء أكانت مكونة من عناصر تابعين للسلطة الفلسطينية أم كيانات خارجية.
◙ حماس لا تستبعد خوض مواجهة أمنية مع أي قوة من خارج القطاع تريد تحييدها عن الحكم سواء أكانت مكونة من عناصر تابعين للسلطة الفلسطينية أم كيانات خارجية
وقال مصدر فلسطيني مطلع على الأمر إن حماس يمكنها تجهيز عشرة آلاف مقاتل من الحاضنة الشعبية، التي استفادت منها الحركة في السابق وتتمتع بالحظوة حاليا في الحصول على المساعدات العينية والنقدية والخدمات، للقتال ضد أي قوة خارجية.
وتراهن حماس على تأمين حزام شعبي وفصائلي من خلال توظيف الدعم الذي يصلها من الخارج، وخاصة من قطر، لخدمة حاضنتها في استعادة لنموذج حزب الله بلبنان، والاستعداد لمواجهة القوات الأجنبية خصوصا إذا كانت شركات أمنية.
ورغم أن الهدف المعلن من وجود مقاولي الشركات الأمنية هو تصفية مخلفات الحرب برفع الأنقاض وفتح الطرقات وإعادة النازحين إلى قراهم ومدنهم وتأمين وصول المساعدات وتوزيعها لتشمل جميع المحتاجين، فإن مقاتلي حماس يستدعون في التعامل مع هؤلاء المقاولين صورة مقاتلي بلاك ووتر أو فاغنر.
ولقطع الطريق على وجود قوة خارجية تهدف إلى ضبط الوضع ومنع حماس وحاضنتها الشعبية من الاستئثار بالمكاسب، ستصور الحركة مواجهة هذه القوة على أنها حرب تحرير ثالثة، بعد حرب 2000 التي شهدت عسكرة حماس للانتفاضة، وحرب أكتوبر 2023 التي حولت القطاع إلى ركام ودمار وقادت إلى مقتل أكثر من خمسين ألفا وجرح آلاف آخرين عدا النازحين، ثم الحرب الثالثة التي تبدأ من 2025 وما بعدها من أجل منع أي قوة أخرى من السيطرة على القطاع أو المشاركة في إدارته.
وفي ظل الرخاوة التي عرفها اتفاق وقف إطلاق النار وفصله بين مرحلة تبادل الرهائن والأسرى، ومرحلة اليوم التالي لحرب غزة، عملت حماس على تحويل وجودها الأمني إلى واقع جلي. ولم يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أي رؤية لمستقبل غزة بعد الحرب باستثناء الإصرار على أن حماس لا يمكنها أن تضطلع بأي دور والتصريح بأن السلطة الفلسطينية لا يمكن الوثوق بها أيضا في ظل قيادتها الحالية.
ويشرف مسؤولو حماس على إزالة الأنقاض، ويتولى مسلحوها قوافل المساعدات على طرق قطاع غزة، بينما استأنف رجال الشرطة بزيهم الأزرق دورياتهم في الشوارع مجددا، في رسالة واضحة مفادها أن حماس لا تزال في السلطة.
ووصف مسؤولون إسرائيليون الظهور العسكري الذي نظمه مقاتلو حماس للاحتفال بوقف إطلاق النار الأحد أمام حشود المحتفلين بأنه محاولة منظمة بعناية لتضخيم قوة الحركة.
ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ تحركت حماس لإعادة فرض الأمن والحد من عمليات النهب والشروع في استعادة الخدمات الأساسية لبعض مناطق القطاع، بعدما تحولت مساحات واسعة منه إلى أرض خراب بسبب الهجمات الإسرائيلية.
وقال إسماعيل الثوابتة مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة الذي تديره حماس “نريد منع أي نوع من الفراغ الأمني.” وأضاف أن نحو 700 شرطي عملوا على حماية قوافل المساعدات ولم تتعرض ولو شاحنة واحدة للنهب منذ الأحد، وهو ما يتناقض مع السرقات الهائلة للغذاء التي ارتكبتها العصابات الإجرامية أثناء الصراع.
ورغم الخسائر أكد الثوابتة أن الإدارة التابعة لحماس استمرت في عملها، وقال “لدينا حاليا 18 ألف موظف يعملون يوميا لتقديم الخدمات للمواطنين.”
وقالت شرطة غزة إن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من ألف و400 من قادة وضباط ومنتسبي الجهاز وأصاب ما يزيد عن ألف و950 آخرين، مضيفة أنها اعتقلت نحو 211 شخصا على مدار أكثر من 15 شهرا.
وقال جوست هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية إن قبضة حماس القوية على غزة تشكل معضلة لإسرائيل. وأضاف هيلترمان “إسرائيل عليها أن تختار بين أمرين، إما أن تواصل القتال في المستقبل وقتل الناس -وهذا لم ينجح في الأشهر الخمسة عشر الماضية- أو تسمح بترتيب تتولى بموجبه السلطة الفلسطينية السيطرة بموافقة حماس.”
وفي حين تقول السلطة الفلسطينية إنها السلطة الوحيدة التي تمتلك الشرعية لحكم غزة بعد الحرب، فإنها لا تمتلك أي وجود في القطاع، كما أنها لا تحظى بدعم شعبي يذكر، بحسب استطلاعات الرأي.
ومنذ عام 2007، عندما طردت حماس السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح المنافسة بعد اقتتال أهلي قصير، قامت بسحق المعارضة في غزة. وبدعم من أموال من إيران بنت حماس جهازا أمنيا مهيبا ومنظمة عسكرية تتمركز حول شبكة واسعة من الأنفاق، التي تقول إسرائيل إنها دمرت معظمها أثناء الحرب.
وطرحت إسرائيل أفكارا مبدئية حول غزة بعد الحرب، بما في ذلك استقطاب زعماء العشائر المحليين، الذين اغتالت حماس بعضهم على الفور، أو استخدام أعضاء المجتمع المدني في غزة، الذين لا تربطهم أي صلة بالجماعات المسلحة، لإدارة القطاع. ولكن أي فكرة من هذه الأفكار لم تحظ بأي قدر من الدعم.
ويناقش دبلوماسيون نماذج تتضمن قوات حفظ سلام دولية، من بينها نموذج يتمحور حول إشراف الإمارات والولايات المتحدة، إلى جانب دول أخرى، مؤقتا على الحكم والأمن وإعادة الإعمار في غزة حتى تتمكن السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها من تولي المسؤولية. ويقترح نموذج آخر تدعمه مصر تشكيل لجنة مشتركة تضم كلا من فتح وحماس لإدارة قطاع غزة تحت إشراف السلطة الفلسطينية.
ووصف مايكل ميلشتين، ضابط المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق الذي يعمل الآن في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في تل أبيب، استعداد حماس العلني لمناقشة حكومة الوحدة الوطنية بأنه “تجميلي”. وقال “ما داموا ممسكين بزمام الأمور خلف الكواليس، فإنهم لا يهتمون بوجود لجنة كواجهة.”