أمس داهمنا شهر رمضان الفضيل ،شهر الرحمة والتوبة والعودة الى الله . كان سلفنا الصالح والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه ، كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم ، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب ، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن ، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام .
شهر رمضان ليس شهر خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل لذا ينبغي أن نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكرم ، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور , وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات وتغفر الخطايا والسيئات. ….. عن استقبال شهر رمضان وحكمة الصيام ويسره وعسره، ونحن نعيش اياما ساخنة وحارة جدا التقى مراسلنا مع الشيخ محمد ماضي امام مسجد الرمل في عكا ليحدثنا عن الصيام وشهر رمضان ….
كيف نستقبل شهر الصيام
يقول الشيخ ماضي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان لربكم في ايام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها"،والنفحة تعني البركة والخير والنعمة ،الله سبحانه وتعالى يفتح على عباده ابواب الطاعة والخير ،وخير ما يمكن ان يبدء به الانسان لاستقبال رمضان تجديد التوبةلله تعالى ،كيف لا وديننا الحنيف يدعوننا دائما ان نتواصل مع الله الذي يحيي ويميت ،نحن الفقراء كما قال الله تعالى "انتم الفقراء الى الله" ،هذه الايام هي عظيمة ومن خلالها يتقرب المؤمن الى الله في الطاعات حيث قال ربنا" يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " ،وتحدث عن رمضان فقال في علاه"شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"،وقال في موضع اخر"كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "،ان الله عز وجل كتب الصيام على عباده وجعله محطة تعبدية لكل من خلق ،بمعنى انه امر الصيام على كل البشر ،نحن نتحدث عن الصيام وهو اداة تقرب من الله ،والصيام هو جزئية من اجزاء الدين ،والدين يعني التوحيد وكل بني البشر مأمورة ان توحد الله ولذلك فقد اختار ربنا هذه العبادة (الصيام)،وخص بها الناس وان اختلفت الشرائع على مدار التاريخ ،فما دمنا نعتقد ان الدين واحد اذن فمصدر العبادة يجب ان يكون واحدا ،لذلك نعتقد ان الصيام محطة تعبدية لله تعالى يزداد العبد ايمانا وتقربا منه
كل مؤمن هو بالضرورة مسلم
وحول سؤال مراسلنا عما جاء في القران الكريم حيث قال ربنا تعالى " يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام" ،أي ان الله تعالى لم يفرض الصوم على الامة الاسلامية انما فرضه على المؤمنين وليس بالضرورة كل مسلم هو مؤمن . فاجاب الشيخ: هذه الاية الكريمة هي صيغة وكلمة فيها استفزاز لمشاعر المؤمن ،او من يدعي الايمان ،فلا يمكن لشخص يدعي الايمان ولا يعبد الله حق عبادته ، فكل مؤمن هو بالضرورى مسلم ،والله تعالى يرتقي بالعبد من خلال العبادة والتقرب اليه ،والايمان بالتعريف العام هو الايمان بالله وكتبه ورسله وملائكته والقدر بخيره وشره ،لكن على هذا المؤمن عليه التزامات وكل ما التزم اكثر تقرب من الله اكثر ،ولا ننسى ان الله تعالى ذكر في العديد من الانبياء ان الدين عند الله الاسلام ،فحين يتحدث ربنا عن صيام المؤمنين فهو بالتالي يحث كل عباده على الصوم وبضمنهم الامة الاسلامية ،لكن مع اختلاف العصور والازمنة وتعدد الشرائع السماوية فقد اختلف الناس بالنسبة لشهر رمضان والصيام وتمسكت به الامة الاسلامية للنصوص القرانية … وقد جاء في حديث رسولنا الكريم " اعلى درجات الايمان التوحيد وادناها اماطة الاذى من الطريق"
لدينا مرجعية" دار الافتاء" في الناصرة
وحول سؤال لمراسلنا حول شهر رمضان الذي يتزامن في هذه الايام وحرارة الجو التي لا تطاق حتى بدون صوم .. فقال الشيخ ماضي:اريد ان اؤكد على امر في غاية الاهمية وكما قال الله في كتابه العزيز " واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون "،لذلك لا اريد التطرق الى هذه القضايا واوجه كل فرد على حده في الداخل الفلسطيني ان يتوجه باسئلته العقائدية وفلسفة الصيام وخاصة في مواضيع الصيام في الحر الشديد الى دار الافتاء في الناصرة ،من جهة اخرى فقد قال تعالى "ولا تؤدوا بانفسكم الى التهلكة" ،وهذا في العموم ،لكن لكل مسألة خصوصيتها فعلى سبيل المثال فقد اجاز رسولنا الكريم الى كهل بتقبيل زوجته في رمضان بين حرم ذلك على شاب في مقتبل العمر ،فالفتاوى تتغير من شخص لاخر ومن زمان الى اخر ،اما بالنسبة لصيام الاطفال فأعتقد اننا في مرحلة تربية وأقيس ذلك على الصلاة فقد وجه رسولنا الكريم الاباء والامهات حيث قال في هذا الصدد "علموهم على سبعة واضربوهم على عشرة"،والضرب هنا لا يعني الضرب المبرح والعنيف انما يقصد التوجيه والترشيد ،وهكذا بالنسبة للصيام فلا يصح لرب عائلة اجبار اطفاله على الصيام ،وعلينا توجيه صغارنا على الصيام بالتدرج ومن خلال التحبب والترغيب وليس بوسائل عنف ،وعلى الاهل متابعة الاطفال خلال النهار اثناء صيامهم ،فاذا لاحظ الاهل ان خطرا او ضررا ربما يلحق بصغارهم من خلال الصيام فعليهم ان يكفوا عن ذلك في الحال
جزاء الصيام عند ربنا
واختتم الشيخ ماضي: في الحقيقة يجب ان نذكر في الحديث القدسي حيث قال رسولنا الكريم:"فأنه لي وأنا اجزي به"،فاذا نظرنا الى حقيقة الصيام فانه يقدر عليه العديد من الناس في الامتناع عن الطعام والشراب ،لكن جوهر الصيام هو الوصول الى تقوى الله بشكل كامل ،ولا يصل المؤمن الى تقوى الله الا بالتجرد الكامل لله عز وجل والاخلاص الكامل له فاذا به يصوم بعينيه ولسانه واذنيه ،لذلك الصيام هو الابتعاد عن الشهوات والنميمة وتطهير القلب من شوائبه على مدار عام كامل ولا يستطيع لها الا من فهم حقيقة الصيام ،فالصيام في ظاهره هو الامتناع عن الطعام والشراب وفي باطنه هو رقي قلبي بل رقي ايماني في داخل الانسان حتى يرتق القلب الى خالقه ،لذلك جزاء الصيام عظيم ولا يدركه ولا يعلمه سوى ربنا عز وجل .
عاطف مناع