قراءة في كتاب: أعيشك عكا

وسام دلال

قراءة في كتاب: أعيشك عكا
تاليف: وسام دلال خلايلة
بقلم : فاطمة احمد كيوان_ مجد الكروم.

اسم الكتاب: أعيشك عكا
الطبعة: الأولى لهذه السنة 2022
عدد صفحات: 132
اصدار: دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور للنشر.

أداة الكتابة هي أداة مهمة للتعبير عن مشاعرنا وتشكيل الوعي الذاتي والمجتمعي وتوثيق وحفظ التاريخ والذكريات.
في هذا الكتاب الذي يعتبر نوع من السيرة الذاتية تبوح لنا الكاتبة بالعديد من ذكريات الطفولة والشباب في مدينتها مكمن اسرار الطفولة والشباب ( عكا ) تلك المدينة الفاضلة لكاتبتنا حيث يأخذ المكان بكل ما فيه من جغرافيا وأشخاص واجتماعيات الحيز الأكبر الى أن تنتقل الكاتبة لعش الزوجية في القرية فتصبح للقرية أيضا مكانتها في قلبها ولكن العشق الابدي يبقى لمراتع الطفولة والموطن الام وهو عكا .
هذه المذكرات هي الصندوق الأسود الذي فتحته لنا الكاتبة لتمنحنا فرصة الاطلاع والكشف عن ذاتها المختبئة العالقة ما بين البحر والسور وما داخلة وما خارجه وما بين عكا المدينة وبلدها الثاني القرية .
جائت لغة الكتاب انسيابية واضحة سلسة ومفهومة كتبت بتوليفة جديدة جمعت ما بين العامية المحكية وبين اللغة الأدبية الفصحى . وجائت بضمير ال (أنا) أي انها تتحدث بلسانها عن نفسها فلعكا قدسية خاصة تتباهى بها ، بسورها، مينائها، بحرها وشمسها . جميع ذكرياتها فهي تدرك أن الانسان دون ذكريات كائن مبتور الوجود ، كائن بلا امتداد ، بلا زمان ولا مكان ولا هوية فالماضي هو من يشكل وعينا الراهن وهو من يساعدنا على تشكيل الوعي النفسي والعقائدي الديني والسياسي لما يحمله من تاريخ .
مما جاء بين المحكية والفصحى:
كما جاء (ص42) (روحي يا ستي عند حمودي الفوال وقليلو : عبيلي الصحن فول لجدي).
و ( بجوزهاش غريبة) ص 115.و ( بابا بابا اجا عمي ، اجو اجوا وصلو وصلو ) ص 78.
نلنمس كذلك استحضار الكاتبة للأماكن في عكا ، الشوارع شارع بن عامي ، الحارات، الزوايا( الزاوية الشاذلية ) بعض المعالم مثل مدرسة تيراسنطة ، خان العمدان ص(59) الزواريب والزقاقات التي تفوح منها رائحة الكادحين ( ص32) والسوق وبعض الأشخاص اللذين كان لهم دور في الطفولة مثل بيت الجدة و حمودي الفوال ، فيشر وتانيا أصحاب دكان البقالة المقابل لبيتهم ( 11ص) ، ( أبونا) مدير مدرسة تيراسنطة والخوري ( 3ص) ، الكنيس وجامع الجزار وكنيسة الروم ( 32ص) و ياعيل صديقة الطفولة ذات القومية المختلفة عنها وكريستين الصديقة المشابهة بالقومية مختلفة الديانه .

فعكا مدينة مختلطة تجمع الثلاث ديانات وكذلك قومات مختلفة مما يؤكد على عراقة المدينة فقد استوطنها الجميع فلكل منهم اماكنه المقدسة ولكل طقوسه وعاداته التي يمارسها وحقه في العبادة . فيوم السبت له دلالاته الخاصة ومشاهده منذ حلول السبت وحتى خروجه ويوم الغفران كذالك ،

يمتنع المشي في الشارع ويلتزم الجميع بالهدوء فللسبت حرمته وقدسيته كذالك يوم الجمعه وعيد الأضحى والفطر ورمضان وذات الامر بالنسبة لاخوتنا المسيحيين وكنيستهم وكيفية صيامهم.
ولا يغيب عن ذهن الكاتبة وصف مغامراتها الصبيانية هي وصديقاتها في البحر والسوق والتحدي الأكبر القفز للماء عن السور والعديد من المحاولات للفت أنظار الشباب لهن في المراهقة وغزل الفتية بهن.
كل هذه الذكريات التي طفحت في الكتاب بما فيها من شخوص وأماكن واجتماعيات من رائحةالخبز العربي والافرنجي ص (11) وحبات صحن الفول من حمودي الفوال ( ص 42) وقلادة القرشلي بنكهة اليانسون كلها أتت مجتمعه في محاولة من الكاتبة لاعادة تشكيل الزمان الذي هرب بكل مواصفاته وتجلياته فالمكان ثابت لكن الزمان هو السائل المتحرك الذي تغير في حياة الكاتبة وما زال يتغير بتغير الوقت والناس، فالوجوه غابت لكن الذاكرة تأبى الا ان تحتفظ بكل الصور وبكل التفاصيل لتجعل الجميع حاضرين معها ( ص71) فللمكان ذكريات تنتفض ، فعكا هي وطنها وموطنها الأصلي وهي كانت بها مترفه وسعيدة مع الاهل والاحباب والأصدقاء والاجداد وحيث يكون المرء بخير يكون الوطن.
فلكل حدث وصورة حكاية وما بين هنا وهناك مساحات .
اما في النصوص الأخيرة للكتاب تستدرجنا الكاتبة للمقارنة والحديث عن بيئتها الجديدة القرية وتجلياتها وعاداتها فقد تزوجت لشاب قروي اهله فلاحين ، الأرض والزرع والزيتونات همم كل حياتهم وليس للمدينة أي تأثير عليهم.
تتحدث الكاتبة عن علاقتها بالحماة وفوارق التفكير وكذلك تاتي ببعض الصور لحياة الاسرة الاجتماعية فكيف يعبر الفلاح لزوجته عن حبه وعشقه ص 117 وعن خوفه على الأرض من ان تترك ولا يحافظ عليها من ابنة المدينة كان هناك صراع احدث نوعا ما ضجيج بقلب الفلاح لينادي:
” قم يابا الأرض والزتونات بستنوك” ص 118 .” ما تخلي بنت المدينة تلهيك عن ارضك”.
لتدرك هي ان هناك أمور مسلم بها هنا لا مجال للتفريط بالأرض وعليها أن تعتاد على ذلك.
في النهاية تطل علينا الكاتبة ببوح انفعالي خاص مظفر بالحنين لمسقط الرأس وزاخر بالدفء الشعوري الذي اتى سهلا عذبا ممتعا بمفردات تنم عن الانتماء والعشق الابدي والعهد بالوفاء لمكان تراب الام والأب والاخ لتقول لنا :

أعيشك عكا
هواك في عروقي يسري
أسيرة روحي بقلاعك حتى النهاية لتوعدنا الكاتبة ان هناك استمرار لهذه المذكرات ان للحكاية بقية .
أخيرا يبقى أن أشير لنقطتين اثنتين وهما :
1- لوحة الغلاف جميلة ورائعة للغاية بما فيها من ذوق فني وبعد نفسي وهي تأكد على استحضارالمشهد الكامل في حياة الكاتبة وأهمية الرمز ، فالسور راسخ في الوجدان وكما هو راسخ بالطبيعة وحامي للمعالم.

2- الكتاب يحتوي على مقولات تشكل عتبات نصية كلها مثيرة للتفكير وللتساؤل أحيانا بما تحتوي نرى لها أحيانا علاقة بالنص واحيانا بعيدة عنه ، فياتي التساؤل ما الغاية المرجوة من ذلك ؟؟ أم هو مجرد تقليد لأسلوب كتاب آخرين ليس الا ؟؟؟ دون قصد وهدف واضح ؟؟

نهنئ الكاتبة وسام دلال خلايلة على باكورة انتاجها الأدبي ونتأمل لها المزيد من التألق والابداع.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ [email protected]
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ [email protected]

فكرتين عن“قراءة في كتاب: أعيشك عكا”

  1. فاطمة احمد كيوان

    شكرا جزيلا على النشر لكتاب يستحق وجدير بالقراءة.
    كلي امل ان يحظى باعجاب القراء

  2. أحمد متعب...أبن مدينة عكا البحر

    قدما وألى الأمام من قرائتي لمقدمة الكتاب زادني شوق لقرائته كل الأحترام لأبنة بلدي العكاويه الأصيله اللتي مهما بعدت عن موطنها الأصلي لم ولن تنساه خاصه إذا كانت المدينه مميزه ك عكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد الأخبار