لا تخدعونا نحن الطاقة للطاقة
بقلم ريم أحمد نصار
تتمترس الجامعات والمعاهد العالمية خلف رؤاها المتعددة للمساقات التي تطرحها، في رحلة تنافسها مع نفسها وتنافسها مع أقرانها ، وحتى لا تستغرقنا التفاصيل فأنا هنا أتحدث عن الطاقة البديلة أو الطاقة النظيفة أو سموها بما تشاؤون، فالجوهر ما يهمني هنا، وليس المسمى ولذلك سأحدد مسار حديثي هنا حول الطاقة البديلة في فلسطين تحديداً ما بين الواقع والطموح المنشود.
عشرات الشركات نشأت في فلسطين في السنوات العشر الأخيرة، تهتم بالطاقة البديلة وحلولها وأنظمتها، وهي على اختلاف أسمائها ومواطن وجودها، ولدت للتعامل مع الواقع وليس لخلق واقع بديل ولا مشكلة لدي في أعداد هذه الشركات وأحجامها ومسمياتها، ولكن لدي مشكلة حقيقية في السقف الذي تطرحه هذه الشركات في تعاملها مع الطاقة البديلة وواقعها ومستقبلها.
من خلال الدراسة والبحث، أستطيع أن أقول إجمالاً أن الغالبية العظمى من الشركات العاملة في مجالات الطاقة البديلة قد نشأت للحصول على مشروعاتٍ تجارية، وتحقيق الربح المادي دون رؤيةٍ جامعةٍ وناضجة في مجال تقديم حلول حقيقية وإنتاجية مثمرة في الواقع الفلسطيني.
هذا زعمٌ كبيرٌ ويحتاج إلى إثبات بلا شك، ولإثباته دعونا نحاول قراءة الواقع بصورة استشرافية، وهو ما سيقودنا إلى تحليل البيانات الإحصائية التي تفيد بأن تطوير أنظمة الطاقة النظيفة والبديلة بشكل حقيقي وعملي ومنتج معناه امتلاك القرار الحر ببناء شبكات الكهرباء، توريداً ونقلاً وامتلاك رقبة هذه التكنولوجيا، والمعدات والمستلزمات والقدرة على تشغيلها، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتحقق نظراً لوجود عامل الاحتلال على الارض الفلسطينية واستحكامه بكل المقدرات والمعابر، وحركة الاستيراد وأذونات التشغيل والتوريد والتزويد، ولن يَسمح أبداً بأن يكون هناك اقتصادٌ ناجحٌ مستقلٌ تحت حكمه.
ومن الشواهد الدالة على ما أطرحه هنا، أن التنافس السلبي ما بين الشركات العاملة في هذا القطاع على فتات ما يُسمح به، أدى إلى إغلاق الكم الأكبر منها دون أن يكون لها أو لمن بقي يعمل من الشركات رؤيةٌ نهضوية، يمكن التعويل عليها لإيجاد حلٍ نوعيٍ يخدم المجتمع ويقدم صورةً تنهض بواقع الطاقة البديلة، والتعامل معها بما يحقق اختراقاً حقيقياً في الواقع.
كباحثةٍ في مجال الطاقة المتجددة اسأل نفسي هل يمكن أن يحدث مشروعٌ كبيرٌ في بلادي يمكن لشبكة الكهرباء الحالية المهترئة والقديمة أن تحمله؟
هل سيُسمَح لشركة أن تقوم بطرح مشروعٍ حقيقي منتجٍ في مجال الطاقة الحيوية (Bio Energy )؟
هل سيُسمح لنا طرح مشروع تخرجٍ يمكن احتضانه مستقبلاً من أي جهةٍ كانت، يتحدث عن تأمين المواد الخام في مجالات الغاز، الوقود غير الأحفوري أو الأحفوري، بما يؤهل مشروعاً للاستمرارية والدوام والعطاء بفاعلية؟
إن المصداقية تقتضي منا ان نطرح الأسئلة الصحيحة على أنفسنا لنصل إلى الإجابات الشافية، وأول الأسئلة الواجب أن تتبادر إلى أذهاننا كطلبة علمٍ أو كشركاتٍ تعمل في مجال الطاقة أو كمسؤولين على اختلاف المستويات هو: هل نمتلك الرؤية الاستراتيجية لطاقة بديلة فلسطينيةٍ حرة؟
و هل طورنا الكادر البشري عقلياً وتقنياً ليقود هذه المرحلة؟
وهل يمكن أن يفتح المجال أمام المبدعين وأصحاب القلوب الملذوعة أن يقدموا ابتكاراتهم دون تضييقٍ أو ممانعة ؟
من هنا بدأت مقالتي بكلمة (لا تخدعونا)، ثم أتْبَعتُها بأننا نحن الجيلَ الجديد الذي سيفهم المعادلةَ كما يريدها، ويبني حلمه ومستقبله بعيداً عن قيود الواقع، ليُجازف ويخاطر ويخترق جدار الصمت، ويصبح كل طالبٍ مبدِع نموذج نجاحٍ يصنع مشروعه بكل اقتدار، وبذلك ستُصبِحُ الطاقة حرة، وسنُصبِح نحن الطاقة للطاقة.