كرتون مصقول وحرب الإبادة… بقلم: يارا فرح

58f8f630 0c09 4a4d 8d79 11e3f8404e1a

كرتون مصقول وحرب الإبادة
يارا فرح
في غزة والضفة، تُقترف حرب إبادة بدمٍ بارد — وفي العالم الموازي، كرتونٌ مصقول يُشعرنا، للحظة، أنّنا نعيش في عالم “طبيعي”.
في غزة، يُقتل الأطفال ويُنتشلون أشلاءً من تحت الأنقاض. العيادات الطبيّة تُقصف، المخابز تُغلق لعدم توفّر المواد، وشلالات الدم تسيل بين طوابير الجوع والعطش التي تغرق مخيّمات اللجوء. أكفان تُلفّ دون أسماء، بل بألوان الملابس التي كانت عليهم، في انتظار وداعٍ لم يعد ممكنًا.
وفي الضفة الغربية، ما عادت الاقتحامات مجرّد “كر وفر” – بل حرب معلنة تُنفّذ على مراحل. من مخيّم الدهيشة إلى جنين، من طولكرم إلى نابلس والعيزرية – تُقصف البيوت، تُفجّر الشقق السكنيّة، تُغتال الأجساد في الشوارع، ويُعتقل العشرات بعشوائية دون تهم أو محاكمة. مخيّم جنين، يخضع لحصارٍ متكرر، يُقطع عنه التيار، تُدمّر طرقاته، تُنسف بناه التحتية، وتُحاصر مستشفياته. في طولكرم، بات الخروج من عتبة البيت مخاطرة.
قوّات الاحتلال وعصابات المستوطنين تتحرّكان كذراع واحدة: الأولى تقتحم البيوت، تروّع العائلات، وتنفّذ اعتقالات جماعية؛ والثانية تهاجم القرى، تحرق المنازل والمركبات، تنهب وتقتل بحماية الجيش. كلّ ذلك ضمن سياسة ممنهجة تُنفّذ ببطءٍ وقسوة: لإعدام مقوّمات الحياة واغتيالٍ صامت لما تبقّى من الأمل.
وفي الداخل، يسكننا الرعب. نُجرَّم ونُهدَّد فقط لأننا نرفع الصوت او نحاول. إحساس العجز والاختناق يرافقنا حتى في لحظات الحياة العادية. لا نعيش “حياة” بل حالة طوارئ مستمرة – لأننا كتبنا منشورًا، أو علّقنا على مجزرة، أو رفعنا علمًا، أو حتى نقرنا “لايك”.
تُوجَّه إلينا أصابع الاتهام في كل مكان، وتلاحقنا مناشير التحريض، وتضعنا التشريعات الحكومية في مرمى الاستهداف. تُستخدم أدوات الدولة كافة لترهيبنا: نُلاحق إداريًا، نُفصل تعسفيًا، يُحرَّض علينا في الإعلام، ويُقدَّم خوفنا وكأنه اعتراف بالذنب.
نشعر أننا نُحاصر من الداخل كما من الخارج – نعيش تحت ضغطٍ متواصل، في ظلّ استشراس العصابات المنظّمة، والتحريضات العنصرية، والتهديدات العلنية من مؤسسات الدولة، ومجتمع يرى في مجرّد وجودنا خطرًا “أمنيًا”.
ومع ذلك، وبين كل هذا الرعب وبشاعة الحرب، يُعاد تشكيل الواقع رقميًا – لا ليكشف المأساة، بل ليُخفيها. فتتحكم الخوارزميات الرقمية في الطريقة التي نرى بها الأحداث، فتتلاشى الحقائق أمام سيلٍ من المحتوى الترفيهي والعوالم الموازية المريحة، يتخدّر الإحساس ويُعاد تغليف الواقع بصور مزيّفة. وبدلاً من أن تكون أداة لفضح الحقيقة، ورفع الصوت، ومقاومة النسيان نجد صمتًا يفرضه قسراً النظام الرقمي.
حصانة هذا المجتمع – في ذاكرته، في نضاله، وفي قيمه – تُلزمنا اليوم بإعادة تعريف أولويّاتنا. أن نُوظّف أدواتنا، بما فيها التكنلوجيا، لخدمة قضايانا الإنسانيّة، لكشف الجرائم التي تُرتكب بحقّنا، ولإسماع صوت المظلومين.
لا أن نغرق في صمتٍ خانق… مُصمَّم بعناية.
أنهي هذا المقال بتنويه مهم يُجسّد رسالته: تمّت معالجة هذا النص باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما تم توليد جميع الصور المرفقة رقميًا. وهذا بحدّ ذاته دليل على أن توظيف الأدوات التكنولوجية بوعيٍ يمكن أن يكون جزءًا من المقاومة.
فمن خلال تحديد أهدافنا، واعتماد وعي نقدي في تعاملنا مع هذه المنصّات، نستطيع إحداث تغيير حقيقي — من أبسط أشكاله، كاختيار التعريفات والمصطلحات، إلى أعقد معاركه: تثبيت روايتنا الإنسانيّة في ظلّ هذه الحرب الشرسة على الوعي العالمي.
استغلّوا هذه المنصّات والأدوات. حوّلوها من أدوات تخدير إلى صرخة، من مساحات ترفيه إلى ساحات مواجهة، ومن خوارزميات كاتمة إلى روايات شاهدة.
لا تعتادوا المشهد. لا تتصالحوا مع الجريمة…ولا تسمحوا لعالمٍ رقمي أن يُنقّي صورة مجازر حقيقية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007. يرجى ارسال ملاحظات لـ akkanet.net@gmail.com

جديد الأخبار